مع الأحداث المتسارعة في اليمن، وما تُقدِّمه المؤشرات من شواهد على تعقيد الأزمة يوماً بعد يوم، وفرار الرئيس المستقيل، عبدربه منصور إلى عدن، والذي انتهت مدَّة ولايته المنصوص عليها أساساً، وإعلانها عاصمة مؤقتة، واعتبار صنعاء عاصمة محتلة! بعد سيطرة الحوثيين عليها، إضافة إلى عدد من المحافظات والمدن، وكأن الحوثيين هبطوا من المريخ، وليسوا جزءاً من الشعب اليمني، (تم نسيان أن اليمن كل اليمن كان مُحتلاً من قبل قوى الفساد والسرقات والدكتاتورية طوال عقود، وانسجام شرائح في المجتمع معه، وكان لزاماً على بقية الشرائح أن تدخل في ذلك الانسجام)، والتصعيد الأكبر في الملف، بمطالبة الرئيس المستقيل نقل الحوار بين الأطراف اليمنية إلى العاصمة السعودية (الرياض)، برعاية وإشراف من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، من دون أن ننسى تداعيات الوضع الإقليمي والعربي، في ما يتعلق بالعراق وسورية ولبنان ومصر، والخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والملف النووي الإيراني الذي يمثل عقدة الملفات بالنسبة إلى دول الإقليم، كل ذلك لا يستبعد أن تتخذ دول الخليج خطوة، لن تكون مفاجئة بقبول العضوية الكاملة لليمن في «مجلس التعاون». وعلى رغم الكُلف العالية التي ستدفعها دول المجلس، لتأهيل الاقتصاد اليمني ليتواءم مع طبيعة اقتصاداتها، بعد عقود من الفساد والنهب وسرقة موارد النفط والمحسوبيات، وارتفاع معدل الفقر والبطالة، والافتقار إلى البنية التحتية، كل ذلك له تبعاته على موارد الدول الأعضاء واحتياطياتها التي راكمتها فترة ارتفاع أسعار النفط، الذي لم يعد كما كان، بهبوطه القياسي، وأثر ذلك على حجم الإنفاق الذي سيتقلَّص بدوره على الأقل خلال العامين المقبلين، وربما أبعد من ذلك. طبيعة الأحداث وتسارعها في المنطقة اليوم، أعقد بكثير ممَّا كان عليه الحال ما قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران بعام تقريباً، ومن بعده قيام الحرب العراقية الإيرانية، حين تم إعلان قيام المجلس في العام 1981. وقتها لم تكن هنالك «داعش»، لم يطلّ الملف النووي برأسه. لم تدخل المنطقة في مشاريع التقسيم والتشطير التي تمر بها اليوم. بالعودة إلى معالجة الاقتصاد اليمني وتأهيله، يحتاج ذلك إلى زمن سيطول؛ علاوة على استحقاقات ذلك التأهيل وما يحتاجه من أموال ضخمة، نستطيع القول أن جزءاً ليس بسيطاً مما تم إنفاقه على مصر حتى الآن (23 مليار دولار خلال 18 شهراً فقط!) لإخراج اقتصادها من الأزمة التي مَرَّ ويمرُّ بها منذ أربع سنوات؛ سينهك موازنات الخليج على المدى البعيد؛ إذ ما يحتاجه اليمن لإعادة تأهيل اقتصاده وبنيته يفوق ذلك الرقم بأضعاف؛ علاوة على فواتير المشاركة في التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، والدعم الذي لم ينقطع بعد عن الفصائل والتنظيمات السورية المعارضة، من دون أن ننسى الملف الليبي، كل ذلك قد يحول، من ناحية أخرى، دون احتواء دول الخليج هذا الملف باجتراح حل انضمام اليمن إلى المجلس. خسارة دول الإقليم للعراق وسورية ولبنان في جانب من حسم اختيار رئيس له، وعدم حسم نزع سلاح حزب الله، وسيطرة الحوثيين على اليمن وهو الأقرب بحدوده إلى الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية، كل ذلك رسَّخَ قناعة تامة لدى دول الإقليم بأن إيران باتت تهيمن على أربع عواصم عربية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ علاوة على التخوُّف والهاجس الأكبر بالنسبة لدول الخليج، ذلك المتعلق بتوصل إيران إلى اتفاق مع الدول الكبرى بشأن ملفها النووي، وذلك ما أكَّده قبل أيام وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، أثناء تواجده في سويسرا، في تصريحات لمحطة «إن بي سي نيوز» بالقول إن بلاده «قريبة جداً جداً من إبرام اتفاق نووي مع القوى الغربية». كل ذلك ربما يُعجِّل - عودة إلى السيناريو الأول - بملف انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، على رغم بروز العقبات والمشكلات التي أشرنا إليها، مع عدم نسيان أكبر مشكلتين تتعلَّق الأولى باقتراب اليمن من التقسيم إلى جنوب وشمال بالظروف التي يمر بها، وهو ما يحول - في استبعاد السيناريو الأول - بدرجة ما دون الشروع في هذا الملف بسهولة. والمشكلة الثانية تتعلَّق بموقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو أول من بادر باعتراضه على اختيار الرياض مكاناً لاستئناف حوار الأطراف اليمنية، والثقل الذي مازال يمثله على الأقل ضمن قبائل حاشد والذي يضم قبيلة سنحان التي ينتمي إليها صالح. عقبة أخرى تبرز هنا، وهي تأهب تيارات وفصائل ومحافظات لمرحلة ما بعد الانفصال ابتداء بإعلان الحكم الذاتي وصولاً إلى عودة الدولة المستقلَّة في الجنوب. مع ملاحظة أن الجنوب اليوم بات أكثر من جنوب. جنوب يجد مساندة من دول الإقليم مع التطورات الراهنة، وجنوب لا يجد مشتركاً يقنعه بالدخول في منظومة مجلس التعاون الخليجي. سيناريو انضمام اليمن إلى مجلس التعاون ليس مستبعد التحقق. العقبات التي تحول دون ذلك لا يمكن تجاهلها. وضغط الملفات الإقليمية سيدفع بعض سياسات المنطقة إلى التخبُّط، والذهاب عميقاً في تعقيد الوضع هناك؛ بإجراءات تراها حلولاً؛ بينما هي تعمِّق المزيد من المشكلات، وتسهم في مزيد من سدِّ الأفق الذي لا شيء يدلُّ عليه في الوقت الراهن. نأمل أن يجد اليمنيون حُلولاً لأزمتهم بعيداً عن التدخلات التي باتت واضحة على السطح ولم تعد سرَّاً. التدخلات التي تتوسَّلها بعض الأطراف اليمنية، وتتمنَّع عنها أطراف أخرى، وترفضها أطراف ثالثة. والتجربة أثبتت، أن الوصفات التي تأتي من خارج الحدود لحل الأزمات الداخلية، كثيراً ما تُفاقمها، وفي أحسن تقدير تعمل عمل المُخدِّر الذي لا يُعمِّر مفعوله. نقلا عن "الوسط" البحرينية