استفان Istvan رجل بلغاري ولد عام 1434م في بلدة صغيرة تدعى ماكو MAKO قرب الحدود الرومانية.. ليس متأكدا إن كان هذا أول اسم يحمله ولكنه يعتقد أنه أطلق عليه تيمناً بملك بلغاريا الصالح ستيفن الأول.. تزوج عشرات النساء وحمل مئات الأسماء ورحل آلاف المرات ولم يعد يتذكر عدد الأطفال الذين أنجبهم ودفنهم خلال ستة قرون.. ولد لأب متدين يُعلم تعاليم الإنجيل في جنوببلغاريا وماتت والدته قبل فطامه.. وحين وصل إلى سن العاشرة أصبح يرافق والده في مهامه التعليمية المقدسة. وحين حوصرت القسطنطينية من قبل السلطان العثماني محمد الفاتح كان مايزال في سن التاسعة عشرة.. كان حينها شابا تقيا تملؤه الحماسة الدينية فقرر التطوع للدفاع عن القسطنطينية عاصمة الأرثوذكسية الشرقية.. غير أن وفاة والده المفاجئة وبراعة الجيش العثماني في منع الإمدادات الأوربية حرمته، ليس فقط من الانخراط في جيش آخر القياصرة البيزنطيين (قسطنطين الحادي عشر) بل ومن فرصة موته في سن مبكرة مثل معظم الناس في القرون الوسطى..
فبعد كل هذا العمر الطويل.. وبعد دفنه لعشرات الأحفاد والبنين.. وبعد عشقه لعشرات النساء وترمله من عشرات النساء.. وبعد أن فقد إيمانه وتقلبت معتقداته وتغيرت أهدافه، أصبح تائهاً ضائعاً يرى في العمر الطويل لعنة.. لا يشعر بها من يموت في سن مبكرة..
لم يعد يخشى الموت ولكنه مازال يؤجل فكرة الانتحار عاماً بعد عام.. مازال يملك فضولاً لمراقبة التاريخ واستنساخ نفسه مرة بعد أخرى.. أصبح بعد كل هذه القرون شاهداً محايداً يقف كشجرة عتيقة على مفترق الطرق.. أصبح شاهداً على قسوة البشر وحماقات الشعوب وهفوات الأمم.. رآهم يكررون نفس الفظائع، ويخوضون نفس الحروب، وينفذون نفس المجازر.. كل جيل يكرر نفس الحماقات التي ارتكبها آباؤه وأجداده وسط شعور زائف بالفخر والاستعلاء والاعتزاز الكاذب.. وبعد خمس مئة عام أدرك أن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن أعمار البشر قصيرة لدرجة يكررون أنفسهم..
ورغم ذاكرته المليئة بكل شيء مازال يتذكر زوجته الأولى كاتالين التي لاحظت في سن الأربعين أنه لم يعد يتقدم في السن. كانت أصغر منه بسبع سنوات ومع هذا كان تمازحه بقولها "يبدو أنني سأصبح جدتك قبل وفاتنا يا استفان".. غير أنها توفيت في سن السبعين في حين ظل هو بملامح شاب لم يتجاوز الأربعين.. لا يعرف ماذا أصابه، ولكنه في القرن العشرين قرأ بحثاً يفيد بإمكانية تجدد خلايا الجسم إلى مالا نهاية وإمكانية انقسامها بنسبة أكبر من فنائها (كما يحدث في سن الطفولة)..
من لا يعرف سره لا يصدق أنه والد الراهبة ماريا والشيخين الوقورين بيلا وأتيلا.. كان يبدو كشقيقهم الأصغر ولكن حالته الغريبة وملامحه الشابة لم تكن خافية على أهل ماكو. وبمرور الأعوام أصبح بعضهم يعتقد أنه اكتشف اكسير الشباب، في حين بدأ البعض الآخر يعتقد أن دماء الشيطان (الذي طلب من الله تأجيل وفاته حتى يغوي جميع البشر) تجري في عروقه..
وحين وصل إلى سن المئة أخبرته ابنته ماريا أن أهل ماكو طلبوا من كبير القساوسة استشارة الفاتيكان في أمره.. سمعت القس يقول إن شبابه الدائم يخالف سنة الله في خلقه وان ما يجري لجسده لا يمت للمسيح بصلة.. بدأ يخشى على حياته لأن أوربا في ذلك الوقت كانت مهووسة بمطاردة الساحرات، في حين أعدمت محاكم التفتيش آلاف الناس داخل الممالك الكاثوليكية.. وذات ليلة دخل عليه ابنه أتيلا (الذي أصبح شيخاً في الرابعة والسبعين) وأخبره أن أهل ماكو يضمرون له شراً وأنه أصبح عاجزاً عن حمايته ونصحه بمغادرة المدينة..
وهكذا قرر أستفان الهرب لأول مرة في حياته والعيش كرجل متجول لا يعلم سره أحد.. اختفى في منتصف يناير1525 دون أن يخبر حتى ابنته الحبيبة ماريا..
ومن يومها تحول إلى أسطورة حية وحكاية شعبية لا تملك وجهاً ولا عنواناً ولا يعرف مصيرها أحد..
لم يصدق أحد أنها قصة حقيقية حتى عاد بعد 582 عاماً إلى ماكو للانتحار فوق قبر زوجته الأولى كاتالين.