لم يتأكد بشكل قطعي مصرع زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي، في الغارة الجوية التي شنها الطيران الروسي على موكب تابع له في شرق سوريا، فالاستخبارات الروسية تؤكد مقتله، وأيدها في ذلك المرصد السوري لحقوق الإنسان، وعزز ذلك حالة الاستنفار التي سادت أوساط التنظيم لدرجة اعتقال وإعدام خطيب مسجد في تلعفر زل لسانه بإشارته إلى وفاة «الرجل الغامض»، لكن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» رفضت تأكيد ذلك وقالت إنها لا تمتلك معطيات تثبت مقتله. وسواء مات البغدادي أم لم يمت؛ فإن الحقيقة الكبرى التي لا يختلف عليها اثنان، أن تنظيم «داعش» خسر المعركة التي ظل يقاتل من أجل ربحها طوال أكثر من ثلاثة أعوام بسط خلالها سطوته على مناطق واسعة من الأراضي في كل من العراقوسوريا وعاث فيها فساداً بعدما حل محل الدولة ومارس سلطاتها، ووصل الأمر إلى سك عملة خاصة به. لم يكن البغدادي نسخة من زعماء عدد من التنظيمات والجماعات المتطرفة التي ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة في أكثر من منطقة، مثل أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، اللذين كانا يتقدمان صفوف أتباعهما في المواجهات، وتعرضا لكثير من المطاردات والملاحقات، فالبغدادي لم يكن يشارك مقاتليه المعارك، وظل مختبئاً في بعض المناطق متنقلاً بين الموصل والرقة، حتى قتل هناك، بحسب تأكيدات المسؤولين الروس. المرة الوحيدة التي ظهر فيها البغدادي كانت في جامع النوري في المدينة القديمة بالموصل عندما أعلن من على منبره ما يسمى «دولة الخلافة»، وهي في الحقيقة لا ينطبق عليها سوى وصف «دولة الخرافة». تنقل البغدادي من مكان لآخر كان يهدف للحفاظ على حياته وتحت وهم «حماية الجنين»، الذي بدأ يتشكل قبل ثلاثة أعوام، والذي أطلق عليه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» وصولاً إلى إعلان «دولة الخلافة»، وطوال السنوات التي أمسك فيها البغدادي بشؤون التنظيم وأحكم قبضته على الأراضي التي سيطر عليها بسبب الرخاوة التي امتازت بها دولتا العراقوسوريا، لم يملك البغدادي الشجاعة ليقود المعارك بنفسه وترك المهمة لأتباعه الذين لم تكن تربطهم بالإسلام أي رابط، فقد ارتكبوا من المنكرات والموبقات ما يعجز اللسان عن وصفه. مقتل البغدادي أو وجوده على قيد الحياة لن يغير شيئاً من المشهد، فمن الواضح اليوم أن نفوذ «داعش» بدأ بالأفول وحضوره بدأ يتلاشى مع استمرار الضربات الموجهة إليه من قبل قوات الجيش العراقي والقوى المحلية والدولية المتحالفة معه، كما أن الدور الكبير الذي لعبته القوات الروسية في المناطق السورية أثمر تحجيم التنظيم ومنع تمدده إلى مناطق أخرى. أياً كان مصير البغدادي، فالثابت أن متغيرات على الأرض حدثت وتحدث ولن تكون هناك عودة إلى الوراء، والنصر الكبير الذي تحقق في الموصل سيتكرر كذلك في تلعفر، التي اتخذها التنظيم عاصمة مؤقتة ل«دولة الخرافة» التي أعلن عنها في جامع النوري، ودفنت في الجامع نفسه.