(قصف ناعم) جاء العيد حاملاً معه عسباً جماعياً قدمه الرئيس هادي ورئيس حكومته للشعب اليمني، من "باب خلوا الجهال يفرحوا عيد"، وكان العسب عبارة عن الجرعة التي جاءت بعد معاناة الأزمة الخانقة التي مارستها الحكومة ضد هذا الشعب طوال الفترة الماضية والتي زادت حدتها وبشاعتها في شهر رمضان المبارك، وجاءت الأزمة من باب سياسة الحكومة "فجِّعه بالموت يرضي بالحمى"، تحمل الشعب اليمني تلك المعاناة بصبر "الحمير" ولم يحرك ساكناً باستثناء تلك الخروجات التي خططت لها أيدٍ خفية لم يكن هدفها المواطن، بل الاصطياد في الماء العكر وزعزعة ما تبقى من أمن وسكينة في قلوب المواطنين المطننين. وفي الحقيقة أنا لست ضد هذه الجرعة على الإطلاق، ولكني ضد التسيب الذي تمارسه وستمارسه الحكومة التي أقرت الجرعة، وتدافع عنها دفاع المستميت عن عرض الوالدة. مثلاً، في أول يوم أعلنت فيه الجرعة زاد سعر ذبح الحبة الدجاج إلى الضعف في سوق علي محسن، مش عارفة ليش- يمكن لأنه سوق علي محسن- بس هذا اللي حصل والله.. سعر الزبادي وصل في بعض البقالات إلى 300 ريال، حبتين طماط ب100 ريال، أصحاب الباصات يغلقون باصاتهم وقت الظهيرة ويمتنعون عن العمل، ويبتزون الركاب إما أن تدفعوا 100 ريال أو خذوا لكم تكاسي..؟؟!! الأمر متعلق بضمير غائب عن هذه الحكومة وليس في الجرعة التي يكفي أنها ستضرب السوق السوداء في مقتل، هذه الحكومة تمتلك حس الرقابة وقوة القانون حين يتعلق الأمر بمصلحتها وبالضغوط الدولية الممارسة ضدها، وتجند كل قوتها في الدفاع عن مصلحتها ومصلحة بقائها ساطوراً على أعناق الشعب، وهذا لا ينبغي إطلاقاً، نحن مع الحكومة أياً يكن نوعها ولونها ورائحتها وانتماؤها الحزبي والطائفي حين يأخذ دفاعها عن القانون نفس الاتجاه ونفس القوة ونفس الصرامة ونفس الدعمامة، ولكن أن تكون مصلحة الحكومة فوق مصلحة المواطن، وقوة القانون.. "ونص نص"، حين يتعلق الأمر بالمواطن، فهذا ما سيرفضه الناس وسيثير لديهم غضباً لن توقفه أي ترسانات تربيها الحكومة. حين يصل المواطن إلى قناعة أنه ميت ميت فسيختار الموت الذي فيه دمار، الموت الانتقامي، موت الجياع الذي لا يعرف سوى طعم الجوع والحقد، على الحكومة أن تدرك هذا جيداً وتتعامل مع القانون بحيادية وتترك له فرصة التعبير عن قوته ولتكن عاملاً مساعداً في تطبيقه، ولا تغض الطرف عن أي اختراقات أو تجاوزات من أي كائن كان، وكما أقرت الجرعة بقوة القانون ومصلحة الوطن العليا، عليها أن تقر تطبيق القرارات المتزامنة مع الجرعة بقوة القانون ومصلحة الوطن والمواطن، وبالمقابل ومن باب الانصاف يجب أن ندرك، أيضاً، أن هناك ضميراً غائباً عن هذا الشعب، فلديه قدرة غير عادية على الفساد والتحايل وظلم بعضه البعض، صاحب البقالة وصاحب الباص وصاحب التاكسي والمؤجر، والحلاق والجزار والتاجر وصاحب البسطة، كلهم يحتاجون إلى ضمير واستيعاب قاعدة فقهية مهمة شدد عليها الفقه الإسلامي أكثر من تشديده على عيون المرأة وهي "لا ضرر ولا ضرار".. هذا الوطن بكل مساوئ أبنائه، بكل طيشهم، بكل ثاراتهم، بكل عقائدهم ومعتقداتهم، هذا الوطن بسمائه وأرضه، بترابه الذي يبدو أكثر شقاوة ومرحاً حين تثيره قطرات السماء بعد رحلة شوق طويلة، يظل وطننا ويظل عصياننا وعقوقنا وتجاهلنا له من الذنوب التي لن تغفر بالاستغفار، ومن الجرائم التي لن تسقط بالتقادم.. * المنتصف