رغم أن أحداث 23 يناير 1986م، لم تكن من الصفحات المنسية في سيرة هادي الخفية، إلا أنها كانت، بحق، الرياح العاتية التي قذفت به من غياهب الخيانة والغدر إلى الشمال الذي وفر حاضنة للدم والطيش الذي احتقن في مآقي دولة الاستقلال في الجنوب، وكان هادي واحداً من أشد تعبيراتها غموضاً، ما إن وطأت أقدامه مدينة البيضاء حتى انهمك كجندي تخطى حواجز جبهات الصدام وقرر أن يعيد ترتيب صفوف زمرته، لكن صدور قرار من محكمة أمن الدولة بضمه إلى قائمة من أصدرت بحقهم حكم الإعدام رفعت من مركزه من جندي حديث الوفادة إلى مسرح الأحداث السياسية العاصفة بعد تخرجه من الاتحاد السوفييتي عام 1982م ليصبح محط اهتمام علي محسن وعلي عبدالله صالح، وبدت أريحية أسلوب إدارة صالح التي تمزج بين الارتجال وتعول كثيراً على الفراسة، مستوطنة لكمون طويل ظل يحدق بعينين ثعبانيتين باتجاه الفرائس، حتى أعلن صالح أن كرسي حكمه يستقر على رؤوس الأفاعي، هنا بدأ يتحسس هادي الحاجة إلى اقتفاء أثر قدره، وبدأ يفتش عن الفصائل التي ينتمي إليها. لم يكن خبيراً بمهارات وملكات الثعابين في مواسم الشتاء السياسي الذي امتد من 1986م وحتى 2011م، خلالها استطاع أن يعاشر ويتلاقح ويغير العديد من جلده ليصبح لاعباً مركزياً وحيداً لا يشاطره أحد في سلطة اتخاذ القرار، وبات المجتمع الدولي يحث خطواته بشيء من التمجيد والولاء، وكأن بقاءه لاعباً أوحد هو بحد ذاته هدف مضمر لفكرة تسوية سياسية بين أطراف الأزمة اليمنية تبدلت عناوينها وغادرت بعض أطرافها، لكن هادي ظل هو الهدف الذي أشارت إليه قرارات مجلس الأمن وحصنته لإدراج من تغريهم فحولتهم أو غواياتهم بتغيير موازين اللعبة بإدخال اليمن تحت البند السابع. فشلت التسوية، لكن هادي مازال الناجح الوحيد، كيف تسنى له أن يكون خارج الظروف الموضوعية والذاتية، وكيف استطاع سحره السياسي أن يعطل حواس الأحزاب والقوى السياسية الخمس ويزيح من طريقه زخم الشباب وتطلعاتهم، ويلتهم على وجبة الغداء غايات ثورتهم ولا يمسي إلا وقد حظر صالح عشاءً. أخيراً.. كان يلعب السفير الأمريكي دور يهوذا، فيما يلعب الزياني دور بطرس الذي ينقل لأنصار المسيح آخر وقائع مأساة التهام الجمهوريات الفتية (مصر – ليبيا- تونس – سوريا – اليمن) بصليب الربيع العربي. من هو هادي؟ أين تعلم؟ من هي القوة التي يعتمد عليها؟ ما هي تجربته السياسية وما هي معتقداته الفكرية؟ كيف أصبح الرئيس النادر الحدوث في تاريخ بلد هو غريب على كل القوى؟ قلت لصديقي الصحفي البريطاني بيتر سلنربوري من الفنيشال تايمز كيف أن نتقاسم المجاز كتاب (يمني/ بريطاني) عن السيرة الهادوية الخفية.. قهقه وأطلق إشارة الموافقة والاستعداد لوضع كل ما بحوزته من ماضي هادي لخدمة الفكرة.. يستحق الناس معرفة كل شيء عن رئيسهم المنتهية ولايته في 21 فبراير 2014م ويكاد ينتهي اليمن، ولكنه مازال الرئيس بقوة القرار الدولي. * صحيفة المنتصف