نبض وياسمين _ -(نبض)* من سيسمعه..؟! لا أحد.. بالعكس، إذا سمعوا هذا العبارة، حاولوا أن يزيدوا من قهره ليجنّ حقيقة.. لأنهم ،حينها، سيتأكدون أنه مازال به شيء من العقل، وهذا متعب في بلادنا، فأصحاب العقول محكوم عليهم بإحدى الحسنيين، إما الموت أو الجنون..! عندما سمعته يرد بهذه العبارة، ليدافع بها عن نفسه من الأطفال الذين يرمونه بالحجارة، التفت لأرى من يصرخ هكذا فدهشت، دهشت وتقاطرت الدموع من عيني، وتجمّدت قدماي في مكانهما، ولم أستطع حتى ردع الأطفال عن فعلهم الشنيع هذا، وعن التربية الراقية الحيوانية التي تربوها.. فالقائل شاب بمقتبل العمر، كان صحفياً ألمعياً في المجال الرياضي، وكان يسافر كمراسل ينقل الأخبار الرياضية، وكان يعيش حياة مستقرة مع زوجته التي كان يحبها، يحبها فعلاً، ولتكن النتيجة هي تلك التي رأيتها، بسبب خلاف بسيط بينه وبين أهلها، أخذوها بالقوة، وانتزعوها انتزاعاً من بيتها، وحاربوه بكل الطرق والوسائل، وهكذا وبدون مقدمات يحكمون على حياته بالانتهاء، وكأن شيئاً لم يكن. وهي لابد أن تذهب معهم، أو تصمت ويسحبونها وراءهم، وكأن هذه الانسانة ليست من البشر، ولا قلب لها ولا إحساس ولا حتى وجود أو رأي، وكأنها ليست زوجة، ليست إنسانة، ليست أماً.. مهما كانت تلك الخلافات، ولا توجد تلك الخلافات التي تستدعي ذلك في هذه الحالة، لكن مهما كانت هل من حقنا أن ندمِّر أنفسنا هكذا، وتحت أي مسمى، حتى نحوِّل ذلك الإنسان إلى مجرد مجنون.. وأين الدين والأخلاق.. أين محاضرات العلماء والمشائخ والملتزمين، أين كل هذا؟! لكي لا تتفكك الأسر، ولا تتناثر القلوب هكذا، ولا نتحوَّل إلى مجرد هياكل بشرية.. مجرد أناس آليين نأكل ونشرب ونتنفس فقط، لا نشعر بشيء، لا نشعر بإنسان تدمَّر.. تدمَّر هكذا بعد أن أصبح إنساناً يعتبر بحد ذاته أمة ومجتمعاً، ونُيتِّم طفلاً صغيراً يحتاج حتى لحضن والده، وإحساسه بسند، إحساسه بالأمان، الأمان الذي لن يحققه له إلا هو، هو فقط.. إلى متى ستدمرنا العادات والتقاليد والأحقاد المريضة، إلى متى سنعامل الإنسان على أنه مجرد ورقة تصفر حتى تسقط، تسقط وتُداس؟! لماذا هذه المرأة عجزت عن الدفاع عن زوجها، لأن العادات تحكم بأن المرأة يجب أن تمشي بعد ما تقوله أمها، حتى لو كانت متخلّفة وأميّة، ولماذا لا تقف عائلة الرجل نفسه معه.. لأنه أصبح بنظرهم عديم الجدوى، لا يصلح لشيء، أو بمعنى أصح لم يعد يشكل مصدراً للرزق، مصدراً لأكلهم وشربهم.. وبالتالي لا أهمية لوجوده، ولا جدوى من جهدهم معه، وهكذا تنتهي قصة إنسان، كان يوماً ما سيشكل وطناً لوطنه.. فهل من مجيب، هل من يسمع ويفهم ويشعر؟! * صحيفة المنتصف