مع تزايد الضغط إعلاميا وسياسيا على عنوان, أو باستخدام ورقة, العقوبات الدولية التي يراد من خلالها احتواء الرئيس السابق علي عبدالله صالح من قبل خصومه الألداء - والذين هم أوراق وأدوات حكمه بالأمس القريب ورجال دولته وحلفاء نظامه المزمنين, لا يبدو أن صالح فقد شيئا من قدراته الشهيرة على تجاهل الزوابع من حوله والمضي قدما في جدول حياته ويومياته المعتادة مع زيادة ملحوظة, بما ينسجم مع محفوظات سلوك الرئيس, إلى مفاجأة المحيطين به قبل المتربصين بخطوات غير متوقعة. الفارق.. وأريحية "السابق" يظهر صالح حرصا مقصودا, كما يقول مراقبون موالون للرئيس السابق أو ممن يتمركزون وسطا بين فرقاء السياسة في اليمن, على تكريس الصورة الذهنية والإعلامية لدى العامة والخاصة ولدى المتابعين للشأن اليمني تجاه أريحية شخصية لديه في التمتع بوضعية وصفة "الرئيس السابق". يمضي في جدوله الخاص غير عابئ بما يقال أو بمن يقولون عنه ما يقال كثيرا عبر وسائل الإعلام ومواقع الأخبار. هذا الرأي والمعطى يتناقض بالجملة مع ما يتبناه ويشنه خصوم صالح التقليديين والمتكالبين من غارات وحملات تجتهد بتكلف تعتوره غالبا مثالب المبالغة والتهويل والشطط بقصد إظهار الرجل متأثرا بطريقة ما بتركه السلطة واشتغاله بالتالي على ما يطيرونه ضده من اتهامات لا حصر لها وبناء عليها فإنهم يسعون إلى استخلاص موقف دولي متعصب لمصلحتهم وضد الرئيس الذي سلم السلطة ونقل مسئولياتها ومقاليد الحكم قبل أكثر من عامين. علاوة على أن الاتجاه الضاغط نحو "الاستقواء بالأجنبي", كما يفهم ويتعاطى كثير من اليمنيين مع مساعي خصوم الرئيس صالح لاستصدار عقوبات ضده, يقابل بإدانة واستنكار بل وازدراء حد التحقير لفكرة الاستقواء بالأجنبي ضد الوطني. فإن الحجج نفسها والاتهامات التي تطلق بكثافة ضد الرجل تضعف أيضا حجة ومنطق خصومه المغالين كثيرا في عداوتهم ما جعل الناقدين من أوساط معسكر وجبهة خصوم صالح قبل حلفائه ومؤيديه ينعتون السلوك المحموم سالف الغشارة ب"فجور الخصومة". والحال أنها لم تعد, الآن, تحظى مقولات المتطيرين بعرقلة التسوية بوجاهة لدى المتابع العادي. كونها تكرست كشماعة لتعليق فشل من في الحكم والسلطة لا أكثر. يخوفون... ويتجول خلال ذلك أيضا لا يفتقر صالح إلى روح التحدي, وكأنما لا يحدث حوله أو ضده ما يستهدفه أو ربما ما يستوجب لديه تأثرا. فهو لا يتردد ابدا أن يستقل سيارته الشخصية ويجول بها أحياء وأسواق المدينة والعاصمة التأريخية (صنعاء القديمة) كما فعل مؤخرا يوم الأربعاء الماضي. بالتزامن تماما مع وصول الضغوط والتهديدات بعقوبات دولية وقرار وشيك من مجلس الأمن ذروتها القصوى. ليعلق أحدهم: "لا يزال خصوم علي عبدالله صالح بعيدون جدا عن فهم آليته في العمل رغم طول الصحبة والمناوئة, فكلما اعتقدوا أنهم يضيقون عليه الخناق وجد متسعا لممارسة يومياته العلنية والاختلاط بالناس وتصدر العناوين والنشرات والأحداث العامة". الاستقواء بالأجنبي.. على صلة بالتهديدات والضغوط والاستقواء بالخارج ضد صالح والتعويل على قرار دولي بعقوبات مفترضة, يكتب المسشار القانوني وأحد أبرز الوجوه والأسماء المعارضة لحكم صالح والمنخرطة في الانتفاضة ضده خلال 2011م, الناشط السياسي والحقوقي المحامي هائل سلام, ساخرا ومستهجنا: "يثيرون الرثاء هولاء الذين يفرحون بتهديدات مجلس الأمن بفرض عقوبات على معرقلي التسوية." ويضيف: "من المخزي أن نستقوي بالأجانب على مواطن يمني". ويقول سلام: "خير لي أن أموت مقتولا على يد خصمي،من أن أحيا مستقويا عليه بأجنبي." قريبا من هذا الراي أيضا, ومن ساحة أخرى, يكتب الناشط ماهر شجاع الدين: "اذا مجلس الامن اصدر بيان أو حتى قرار بفرض عقوبات على من يسميهم معرقلي التسويه وبالتحديد الان يتم تداول اسمي الزعيم صالح ونائبه السابق علي البيض، ايش باتكون النتيجه يعني؟؟" ويتابع: "في السنة الماضية عملوا نفس الحركة وفي الاخير لم يستفيدوا حاجه بل على العكس كما لاحظت فقد زادت شعبية صالح لان الناس تعرف من هو المعرقل الحقيقي ..." وبرأي شجاع الدين, فإن "التستر على المعرقلين الحقيقيين يزيد من سخط الشارع ويزيد الاحتقان ويولد العنف ..." ويتسع النقد للاستقواء بالأجنبي في أوساط الشباب المحسوبين عمليا على الثورة ضد نظام صالح, وهكذا نجد الرأي لدى الكاتب والإعلامي رياض الأحمدي: "المعتوهون وحدهم من يظنون أن العالم الذي دمر العراق وفلسطين وسمح بإحراق سوريا وغيرها من الدول... يريد لهم الخير في اليمن .. التدخل الدولي هو الرصاصة القاتلة التي لا تمنعك من الحرية ولكن من الحياة .. الفناء". لا يسمعون.. ولا يعبأ لكن هذا كله لا يبدو مسموعا لدى خصوم صالح وحكام صنعاء الحاليين الذين يغطون على عامين وأكثر من حكمهم وما خلفه من نتائج بإشعال جبهات إعلامية تصر على تأبيد التصور حيالهم بوصفهم معارضين لصالح أكثر من اي شيء آخر حتى وهم يحكمون بدلا عنه ويكدسون المكاسب والامتيازات الحزبية الخاصة بفضل تمكنهم من السلطة والقرار. في المقابل يتصرف الرئيس صالح بطبيعته الخاصة وكعادته في الأحوال المشابهة. يزور ويعود قيادات سابقة في الدولة وحالية في المؤتمر الشعبي العام, ويتجول بأسواق العاصمة ويتبادل التحايا والأحاديث مع المواطنين الذين يحتفون به كسابق عهدهم مع الرئيس السابق. كما وثقت الكاميرا لمشاهد الأربعاء الماضي.. وغثر ذلك يذهب إلى ترؤس اجتماع المكتب السياسي (اللجنة العامة) لحزب المؤتمر الشعبي العام... ولا يكاد يعلق حتى على ما يثار بشأن القرار الدولي المفترض والعقوبات التي تلوكها مواقع وشبكات وإعلام الخصوم المدمنين على معارضة الرئيس صالح بصرف النظر عن كونه الرئيس السابق (..)