لجان المقاومة الفلسطينية : نرفض نشر أي قوات أجنبية في غزة    المرشحين لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2025    البحسني يتهم العليميين بالتآمر على حضرموت ويهدد باتخاذ قرارات أحادية    المنتخبات المتأهلة إلى الملحق العالمي بتصفيات مونديال 2026    اتفاق المريخ هو الحل    مجلس الأمن وخفايا المرجعيات الثلاث: كيف يبقى الجنوب تحت الهيمنة    الكونغو الديمقراطية تصطاد نسور نيجيريا وتبلغ الملحق العالمي    اعتماد البطائق الشخصية المنتهية حتى 14 ديسمبر    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    رئيس النمسا يفضح أكاذيب حكومة اليمن حول تكاليف قمة المناخ    صنعت الإمارات من عدن 2015 والمكلا 2016 سردية للتاريخ    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    الرئيس المشاط يُعزي الرئيس العراقي في وفاة شقيقه    حذرت كل الأطراف الدولية والإقليمية من اتخاذ القرار ذريعة للإضرار بمصالح الجمهورية اليمنية..    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    هزتان أرضيتان جنوب وغرب محافظة تعز    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    الكاتب والباحث والصحفي القدير الأستاذ علي سالم اليزيدي    ايران: لا يوجد تخصيب لليورانيوم في الوقت الحالي    بعد فشل المواجهات العسكرية أمام صمود اليمنيين.. الأجهزة الأمنية تطيح بأخطر المخططات التجسسية الأمريكية الإسرائيلية السعودية    خلال وقفات شعبية وجماهيرية .. أبناء اليمن يؤكدون: مساعي العدوان للنيل من الجبهة الداخلية باتت مكشوفة ومصيرها الفشل    "الصراري" شموخ تنهشه الذئاب..!    النرويج تتأهل إلى المونديال    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    مرض الفشل الكلوي (28)    أمن مأرب يعرض اعترافات خلايا حوثية ويكشف عملية نوعية جلبت مطلوبًا من قلب صنعاء    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    البحسني يهدد باتخاذ قرارات أحادية لتطبيع الأوضاع في حضرموت ويتهم العليمي باستهداف المحافظة    طائرة البرق بتريم تتجاوز تاربة ينعش آماله في المنافسة في البطولة التنشيطية لكرة الطائرة بوادي حضرموت    الشعيب وحالمين تطلقان حملة مجتمعية لتمويل طريق الشهيد الأنعمي    حكومة بريك تسجل 140 مشاركًا في مؤتمر البرازيل بينما الموظفون بلا رواتب    ضبط شحنة أدوية مهربة في نقطة مصنع الحديد غرب العاصمة عدن    رئيس تنفيذية انتقالي لحج يطلع على جهود مكتب الزراعة والري بالمحافظة    البرتغال الى المونديال وايرلندا الى الملحق    بلا رونالدو.. البرتغال "مبهرة" تنتصر 9-1 وتصل للمونديال    حضرموت.. حكم قضائي يمنح المعلمين زيادة في الحوافز ويحميهم من الفصل التعسفي    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    "العسل المجنون" في تركيا..هل لديه القدرة فعلًا على إسقاط جيش كامل؟    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    بدء صرف راتب أغسطس لموظفي التربية والتعليم بتعز عبر بنك الكريمي    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    أفاعي الجمهورية    سفيرٌ يمنيٌّ وطنه الحقيقي بطاقة حزبه.. تحويل السفارة من ممثل للدولة إلى مكتبٍ حزبي    مريم وفطوم.. تسيطران على الطريق البحري في عدن (صور)    قراءة تحليلية لنص "في المرقص" ل"أحمد سيف حاشد"    في رحلة البحث عن المياه.. وفاة طفل غرقا في إب    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لليمن لا لعلي عبدالله صالح...اللعبة العمياء لصناعة الأزمات(5)
نشر في المؤتمر نت يوم 20 - 08 - 2009

لا يختلف اثنان حول أنّ فتنة 1994م والحرب التي رافقتها، ألحقت أضراراً بالحياة السياسية والوحدة الوطنية. لكن ذلك لا يبرران اللجوء إلى تزييف الوعي والهروب إلى الخلف تارة أو إلى الأمام أحياناً على نحوٍ ما يفعله هذه الأيام الخطاب السياسي والاعلامي لأحزاب ( اللقاء المشترك ) من خلال المزايدة والافراط في إثارة ما تسمى (القضية الجنوبية) والمطالبة بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقرارات مجلس الأمن الدولي أثناء حرب 1994م، والظهور في صورة من يلطم الخدود ويصرخ بالبكاء والعويل على (الجنوبيين) الذين يقول الخطاب السياسي لأحزاب اللقاء المشترك وما يسمى (الحراك الجنوبي) بأنهم أصبحوا (كماً مهملاً) بعد أن تخلوا عن دولتهم ودمجوها بدولة الوحدة طوعاً بحسب هذا الخطاب.
الغريب في الأمر أنّ الخطاب السياسي والاعلامي لأحزاب (اللقاء المشترك) يتباكى على دستور دولة الوحدة، ويطالب بإلغاء التعديلات الدستورية التي جرت للدستور بعد الحرب، وهو ما يطرحه بشكل ملحوظ حزب التجمع اليمني للإصلاح بوصفه القائد الميداني لأحزاب (اللقاء المشترك) في العديد من التناولات التي ظهرت في صحافته ، وعلى لسان قادته وكتابه ومثقفيه الذين يتناسون مسؤولية حزبهم عن أبشع وأقبح التعديلات التي انتهكت مبادئ المواطنة المتساوية ومهدت لتعديلات قانونية إمتهنت حقوق المرأة وكرست التمييز ضدها ، تحت ضغط استحقاقات مشاركة حزب ( الاصلاح) في الحكومة الائتلافية التي تشكلت على إثر خروج الحزب الاشتراكي من السلطة بعد حرب صيف 1994 وفشل مشروع الانفصال . مع الأخذ بعين الاعتبار أن النصوص الدستورية التي تؤكد على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون كانت في مقدمة أسباب مقاطعة كتلة الاخوان المسلمين إجتماع مجلس الشورى في صنعاء صباح يوم 22 مايو المكرس لإقرار مشروع دستور دولة الوحدة قبل ساعات من رفع علم الجمهورية اليمنية الموحدة في عدن، كما كانت أيضاً سبباً رئيساً لمقاطعة حزب (الاصلاح) الاستفتاء على الدستور بعد قيام الوحدة . علماً بأنّ الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني وأنصارها من المستقلين الذين رشحهم الحزب في انتخابات 1993م، ساندت التعديلات الدستورية التي أجراها مجلس النواب بعد حرب 1994م بناءً على قرار اتخذه تيار الأغلبية الذي هيمن على اللجنة المركزية بعد تلك الحرب، قضى بتصويت كتلة الحزب البرلمانية وأنصارها لصالح تلك التعديلات. وقد صدر ذلك القرار في أول دورة للجنة المركزية خلال الفترة 1 - 6 سبتمبر 1994م بالموافقة على تلك التعديلات من خلال كتلة الحزب البرلمانية كمساهمة من الحزب في تطبيع الحياة السياسية بعد الحرب!!
وقد كتبت في وقت سابق على صفحات هذه الصحيفة أن تيار (مسدوس وباعوم) في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني كان الفائز الأوفر حظاً بنتائج تكتيك الانقلاب على الديمقراطية عبر اللجوء إلى الشارع، وهو تكتيك تنتهجه أحزاب (اللقاء المشترك) وفي مقدمتها حزب (الإصلاح) والحزب الاشتراكي اليمني الذي تسيطر عليه أغلبية قيادية طالما وصفها تيار مسدوس – باعوم بأنّها أغلبية ( تمثل معارضي سلطةالرئيس علي عبدالله صالح قبل الوحدة الذين انفردوا بقيادة الحزب بعد هزيمة (القيادات الجنوبية) في حرب صيف 1994م، ثم عملوا (على توظيف الحزب لصالح حرفتهم القديمة التي أدمنوا عليها، وهي المعارضة الدائمة والمطلقة للرئيس وسلطته ) بحسب ما جاء في العديد من مقالات وتصريحات مسدوس.
من نافل القول إنّ ما يسمى تيار الأقلية أسرف كثيرا في الحديث عن حالة (الكم المهمل) التي يعيشها ( الجنوبيون) بعد أن دمجوا دولتهم في دولة الوحدة، وهو ما تكرر تصريحا في خطاب علي سالم البيض يوم 12 مايو 2009م ، و تلميحاً بشكل غير مباشر في بيان صدر باسم دورة اعتيادية عقدتها اللجنة المركزية في عام 2007م ، وهي حالة تنطوي على نوعٍ من تزييف للوعي تدحضه حقائق التحولات السياسية والإنجازات الاقتصادية التي غيّرت وجه محافظات ومدن الجنوب ، بعد أن كانت تعيش في عهد التشطير ركوداً شاملاً بفعل السياسات التي كبحت ومنعت المبادرات الحرة والاستثمارات الخاصة، وحالت دون مشاركة المجتمع في التنمية الاقتصادية والعمرانية، فيما لعبت كل السياسات الخاطئة دوراً سلبياً في حرمان الشطر الجنوبي من مساعدات الدول الشقيقة والمجاورة والمجتمع الدولي واستثمار ثرواته الطبيعية ، نتيجة حصر العَلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية على منظومة صغيرة وغير متطورة ومحدودة القدرات لتسع دول اشتراكية فقط في العالم.
تنطوي مقولة ( الكم المهمل للجنوبيين في دولة الوحدة بعد أن دمجوا دولتهم بها ) على مشروع سياسي سبق لباعوم ومسدوس أن طالبا الحزب الاشتراكي بضرورة تبنيه بزعم ( أنّ الحزب مسؤول تاريخياً عن مصالح الناس في الشطر الذي كان يحكمه ) بحسب ما جاء في مقال نشره مسدوس في صحيفة “الثوري" بتاريخ 23 / 5 / 2002م، أشار فيه إلى ( مسؤولية الحزب التاريخية عن الأخطاء التي ارتكبها بسبب إدمان قياداته المتعاقبة على سياسة إحراق المراحل التي شكلت على الدوام أهم مصدر للمعاناة والكوارث ) .
في عديد من المقالات والتناولات تحدث تيار مسدوس – باعوم بكل فخر عن سبق الحزب في طرح خيار الوحدة الاندماجية مقابل خيار الفيدرالية أو الكونفدرالية التي تقدم بها الرئيس علي عبدالله صالح لدى مبادرته في طرح مشروع الوحدة على الحزب الاشتراكي أثناء زيارته لعدن أواخر نوفمبر 1989م، ثم يعود هذا التيار بكل خفة ليقول أيضا ً إنّهم اتخذوا قرار الوحدة الاندماجية بعاطفة متسرعة، وينسون دائماً حقيقة أنّ السياسة التي تصاغ بالعواطف بدلاً من العقل، لا تؤهل صناعها للاستمرار فيها، كما لا تؤهلهم أيضاً للمطالبة بإصلاحها، بل للمحاسبة والعزل أو الاستقالة.
المثير للدهشة أنّ الخطاب السياسي لما يسمى الحراك الجنوبي يتهم السلطة بمعاملة (الجنوب والجنوبيين) من منظور( الكم المهمل ) وهو ما قاله أيضا علي سالم البيض في خطابه الاخير ، ومن قبله علي صالح عباد ( مقبل ) في رسالة شهيرة بعثها الى رئيس الجمهورية عام 2007 متجاهلين أنّ قيادة الحزب الاشتراكي وفي مقدمتها علي سالم البيض اكتشفت بعد فاجعة النتائج التي حققها الحزب في انتخابات 1993م، أنّ الحزب فاز فوزاً كاسحاً في جميع دوائر المحافظات الجنوبية والشرقية فقط، وبما لا يتجاوز 19 % تقريباً من مقاعد مجلس النواب التي يمنحها دستور دولة الوحدة لهذه المحافظات بحسب التعداد السكاني.، مقابل هزيمة مروعة في المحافظات الشمالية والوسطى .
في الطريق إلى الوحدة لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني يتعامل مع مصير سكان المحافظات التي يحكمها كممثل لهم من واجبه أن يتحمل المسؤولية التاريخية عن مصائرهم ، بل أنّه كان يبالغ في تقديم نفسه كممثل لكل اليمن ووريث تاريخي لنضال الشعب اليمني بأسره وفق ما كانت تقول به وثائقه وأدبياته حتى قيام الوحدة، تحت وهم أنّ فرعه الشمالي (حزب الوحدة الشعبية) منتشر كالهواء في كل المدن والقرى والجبال والسهول والبوادي على امتداد المحافظات الشمالية التي كانت تحكمها سلطة الرئيس علي عبدالله صالح، وأنّ مجرد قبول الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته بالاحتكام إلى صندوق الاقتراع بعد قيام الوحدة كافٍ لوصول الحزب إلى السلطة وقيادة اليمن الموحد بعد ذلك.
ولهذا فإنّ القول بأنّ «الجنوبيين» وجدوا أنفسهم ( كماً مهملاً ) ، بعد أن دمجوا دولتهم بدولة الوحدة مردود على الحزب الاشتراكي بشكل عام وأمينه العام السابق علي سالم البيض بشكل خاص، وعلى الذين يسعون الى ركوب موجة ما يسمى (الحراك الجنوبي ) من داخل أحزاب (اللقاء المشترك)، بعد أن أصبحوا رهائن في شارع مفتوح على الأشباح، وبعد أن انقلب سحرهم عليهم بفعل استخدام تكتيك ( اللجوء إلى الشارع ) بهدف الانقلاب على الديمقراطية، والاضطرار للتأقلم والتكيف مع الغبار والرياح والأتربة والعواصف غير المحسوبة التي ينفتح عليها كل شارع ، الأمر الذي دفع أحزاب ( اللقاء المشترك )) إلى المطالبة بأساليب مموَّهة أو صريحة بالتراجع عن الصيغة الاندماجية ، والأخذ بالشكل الفيدرالي للدولة على نحو ما سبق ان طالب به الحزب الاشتراكي اليمني خلال الأزمة السياسية التي نجمت عن صدمته بنتائج انتخابات 1993م، علما ً بأن الرئيس علي عبدالله صالح كان سبَّاقاً في اقتراح الصيغة الفيدرالية للوحدة أثناء زيارته لمدينة عدن أواخر نوفمبر 1989م، حيث قوبل ذلك الاقتراح برفض شديد من قيادة الحزب الاشتراكي، التي أصرت على إنزال مشروع دستور دولة الوحدة في صيغتها الاندماجية للاستفتاء، علماً بأنّ الصيغة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس علي عبدالله صالح للوحدة بين الشطرين ورفضها الحزب الاشتراكي آنذاك، كانت تنطوي على إمكانية إعادة صياغة مشروع دستور دولة الوحدة لاستيعاب أسس الدولة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس علي عبدالله صالح أثناء زيارته التاريخية لعدن أواخر نوفمبر 1989 ، والتي كانت ستضمن للشطر الجنوبي وضعاً متساوياً في دولة الوحدة لا يستند إلى الكم السكاني الذي يراه الحزب الاشتراكي وأحزاب ( اللقاء المشترك ) حالياً بالاضافة الى الخطاب السياسي لما يسمى ( الحراك الجنوبي) أنه (جعل من الجنوبيين كماً مهملاً بعد أن دمج الجنوبيون دولتهم في دولة الوحدة ) !!؟؟
بوسع كل من يتابع الخطاب السياسي والإعلامي الذي تتبناه أحزاب ( اللقاء المشترك ) منذ سقوطها في مستنقعات الشوارع المفتوحة على الخيارات الانقلابية والمشاريع الرجعية، ملاحظة أن هذه الأحزاب تراهن من الناحية الشكلية على استثمار تمددها الميداني داخلياً وخارجياً ، من أجل تجديد وتنويع مصادر شرعيتها بعد نقل مركز ثقل نشاطها المعارض من المؤسسات الدستورية للدولة والمجتمع ، إلى الشارع المفتوح على كل الاحتمالات و الوسائل والمطالب والمشاريع بكل الاتجاهات المشروعة وغير المشروعة. بيد أنّ مضمون هذا الخطاب يشير من الناحية الموضوعية إلى مراهنة هذه الأحزاب على توظيف ما تتوهم أنّها مصادر شرعية إضافية بهدف انتاج نسخة يمنية لثورة شعبية سلمية من طراز ((الثورات البرتقالية)) التي اجتاحت جمهوريات الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي ، وبلدان أوروبا الشرقية في تسعينات القرن العشرين المنصرم، وتمكنت من إسقاط النظم والأحزاب الحاكمة في تلك البلدان عبر الشوارع بعد نجاحها في تحييد المؤسسات الإعلامية والعسكرية والأمنية الرسمية ، على إثر مصادمات محدودة بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين والمعتصمين في شوارع بعض المدن، حيث عملت النخب المشاركة في تلك الثورات البرتقالية على استثمار ضحايا تلك المواجهات بممارسة ضغوط سياسية وإعلامية على المؤسسات الأمنية ، وتحييدها لاحقا ً!!
وفي الحالة اليمنية، تبدو بوضوح ملامح المراهنة على تعلم خبرات ((الثورات البرتقالية)) من خلال القيام ببعض الأعمال الخارجة عن القانون، بما فيها حملات التشكيك المسعورة ضد وسائل الاعلام الرسمية ، والاستفزازات التي تستهدف أجهزة الأمن بهدف جرِّها إلى مواجهات يسقط على إثرها بعض القتلى والجرحى، ثمّ استثمار أولئك الضحايا لتدوير وتوسيع حالة المجابهة في الشارع من خلال تنظيم اعتصامات وجنازات وفعاليات ميدانية جديدة ومتواصلة تطالب بمحاسبة أجهزة الأمن.
وعندما تصبح أجهزة الأمن هدفاً مباشراً للحراك السياسي المعارض عبر الشوارع، تحصل أحزاب ((المعارضة))، على حوافز جديدة لتصعيد هجومها السلمي على السلطة سواء من خلال المراهنة على استدراج أجهزة الأمن لمزيدٍ من المواجهات المباشرة مع فعاليات الشوارع السلمية ، الأمر الذي يسفر عن مزيدٍ من الضحايا، ومزيد من المفاعيل الإضافية للحراك السياسي المعارض في الشارع على نحو يدفع إما إلى المراهنة على إمكانية تحييد الأجهزة الأمنية وتمهيد الطريق للانقلاب السلمي على السلطة على نحو ما حدث في أوروبا الشرقية، ، أو المراهنة على تدويل الأزمة الداخلية بهدف الحصول على تدخل خارجي ضاغط لصالح المعارضة كما حدث في السودان ودول البلقان.
وما من شك في أن المشهد السياسي الراهن يتسمُ بتحدياتٍ ومخاطر جدية تهدد وحدة الجمهورية اليمنية ونظامها السياسي الديمقراطي وثوابتها الوطنية ، الأمر الذي يستوجب عدم الفصل بين الخطاب السياسي والإعلامي لما يسمى ( الحراك الجنوبي ) و( التيار السلفي )، وبين الحراك السياسي الميداني لكل من الحزب الاشتراكي اليمني وحزب التجمع اليمني للاصلاح اللذين يسعيان إلى تأزيم الحياة السياسية بعد أن كانا فاعلين رئيسيين في جميع الأزمات السياسية التي شهدتها البلاد أثناء مشاركتهما في السلطة ، إلى جانب المؤتمر الشعبي العام منذ المرحلة الانتقالية 1990 1993م، مروراً بالائتلاف الثلاثي الذي ضم التجمع اليمني للإصلاح إلى جانب المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني 1993 1994م، وانتهاءً بالائتلاف الثنائي بين المؤتمر والإصلاح 1994 1997م ، بعد حرب صيف 1994م ، حيث استمر هذا الائتلاف الذي لم يخل هو الآخر من الأزمات حتى الانتخابات البرلمانية لعام 1997م والتي أسفرت عن فوز المؤتمر بأغلبية مريحة، منحته الحق الدستوري في تشكيل حكومة منفردةٍ ، لتطبيق برنامجه الانتخابي الذي حاز على ثقة غالبية الناخبين . ما أدى إلى خروج حزب ((الإصلاح)) من السلطة إلى المعارضة ، وانضمامه إلى الحزب الاشتراكي وبعض أحزاب المعارضة في إطار تحالف ((اللقاء المشترك)).
وعلى خلفية دور ((الإصلاح)) و((الاشتراكي)) في صناعة الأزمات السياسية أثناء مشاركتهما في السلطة، واصل ((اللقاء المشترك)) تحت قيادة هذين الحزبين نهجهما السابق من خلال صياغة خطاب سياسي وإعلامي يتسم بالمجابهة والمكايدة، والاشتغال على افتعال الأزمات وتأجيج الفتن وتشويه الحقائق، واستغلال مصاعب النمو وتأثير اختلالات الوضع الاقتصادي العالمي على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وتوظيفها سياسياً بهدف افتعال مصاعب إضافية تدفع البلاد أثمانها من رصيد حاضرها ومستقبلها.
ويمكن القول إنّ أحزاب ((اللقاء المشترك)) وجهت بنهجها القائم على تأزيم الحياة السياسية والدفع بها نحو المجابهة ، ضربة لقواعد العملية الديمقراطية التي تضمن لأحزاب الأقلية المعارضة حقوقها السياسية في المشاركة باتخاذ القرارات والسياسات التي تتعلق بالمصالح العليا للبلاد، سواء من خلال دورها في هيئات السلطة المنتخبة ، وحقها في معارضة الحكومة وسياساتها عبر الصحافة الحرة وغيرها من وسائل التعبير ، بما في ذلك المشاركة في اتخاذ القرارات ورسم السياسات من موقعها في المعارضة، أو من خلال الحوار مع الحزب الذي يقود السلطة، ناهيك عن مبادرات فخامة رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام التي دعا فيها هذه الأحزاب للجلوس على طاولة الحوار ، وصولا الى توقيع اتفاق فبراير من العام الجاري الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في ابريل 2009م ،و تمديد فترة البرلمان لسنتين إضافيتين ، تمهيداً لإدارة حوار سياسي وطني حول تعديل الدستور واصلاح النظام الانتخابي وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بتطوير العملية الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية.
ويبقى القول إن أحزاب ((المشترك)) دأبت على الهروب من خيار الحوار إلى خيار المكايدة والمجابهة والمتاجرة بالشعارات والإفراط في تشويه الحقائق ، واختارت خيار اللجوء إلى الشارع، وهو خيار يعكسُ منطقاً سياسياً شمولياً ومتطرفاً، ويفقد هذه الأحزاب القدرة على استيعاب المتغيرات والمشاركة في صناعتها ، بعد أن تصبح عاجزة عن التخلص من قيود اللعبة العمياء لمشاريع الشوارع على نحو ما سنأتي اليه في الحلقة القادمة من هذا المقال .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.