لا تدل جرائم الإغتيال السياسي في اليمن الا على تفشي جماعات العنف والإرهاب وانتشارها،سيما وأن نهمها للدم والموت والخراب يزداد في ظل تغييب الدولة وعدم توحيد الأجهزة الأمنية والإستخبارية ووحدات مكافحة الجريمة المنظمة،آخر تلكم الجرائم التي استهدفت الناشط والقيادي الإصلاحي بلال الميسري في عدن قبل ثلاثة أيام تقريبا. إن شلل اجهزة الدولة بفعل الميليشيات الإنفصالية والحوثية وتغييبها وسلطاتها قد جعل مسألة الإغتيالات تلك سهلة كشرب الماء،خصوصا وهذه الإغتيالات تكشف مستوى منظم وعالي ومسنود بأجهزة مخابرات خارجية تسعى لمزيد من اضعاف الدولة وضرب السلم الإجتماعي والأهلي والمدني،وتضييق الحياة وإرادة العيش المشترك،كما تجتر الخسة والدناءة والخيانة كدليل على سلوكياتها ودليل افلاس وعجز اخلاقي وسياسي . فالإغتيالات تلك تدخل تحت طائلة مفاهيم العنف والإرهاب ولا تشذ عنها،بل وأن قائمة وبنك أهداف محترفي جريمة الإغتيالات تلك والفئة المغتالة ترقى إلى مستوى "حرب إبادة" تبعا للفئات التي تتعرض للإغتيال ونزيف الدم الذي لم يتوقف عند آخر شخص تم اغتياله. ومثلما تكشف هذه الجريمة -كما سابقاتها- عن جهات منظمة محترفة بقدر ما تنبئ وتضع تحديا أمام الدولة والحكومة بضرورة وضع استراتيجية شاملة تعمل على معرفة وكشف الجناة وتقديمهم للعدالة ،وصولا إلى اجتثاث تلكم الجماعات المحترفة للقتل والإغتيال،وعلى اعتبار جرائم الإغتيال السياسي مسألة أمن قومي وطني،ليس من زاوية ما تفرضه وتحمله من دلالات وأبعاد وتلقي بظلال كئيبة على مستوى الأمن الإجتماعي والإستقرار السياسي-فحسب- بل وما تنطوي عليه من فعل تغييب عمدي للدولة وسلطاتها،وتخلق اليأس وانعدام الثقة والإستقرار في الدولة وضرب اسس التعايش وحق الفرد أو الجماعات السياسية في حرية الحياة أو الإنتماء السياسي،ناهيك عن حرية التعبير والمعتقد والفكر،ناهيك عن ما تحدثه تلك الجرائم من تهديد ديمغرافي،وهروب رأس المال الوطني وعزوفه عن المخاطرة في الإستثمار،وتوليد فرص اجتماعية للعمل،اضافة إلى اغلاق ابواب السياحة وتبعات تصنيف الدول والمنظمات والشركات الأجنبية والخارجية لليمن كساحة عنف متفشي وموطن للجرائم المنظمة،وصولا إلى خلق مساحات جغرافية لتوسع جماعات العنف والإرهاب ومجايلي منظمات المافيا،وخلق حالة نزوح بشرية سواء إلى مناطق ومحافظات وأرياف اليمن،أو تلك التي تتوسل الخروج من اليمن،الأمر الذي يضفي مزيدا من تعقيد الحياة في اليمن ومضاعفة الجهد والمال والوقت على سلطات الدولة وأجهزتها الأمنية لمعالجة تلكم التبعات الباهظة وطنيا وخارجيا ككل. علاوة على كل ما سبق فإن جرائم الإغتيال تسعى إلى احباط الناس وتعجيزهم وتقعيدهم من محاولة الخروج من هذا التيه والنفق المغلق وما الفوضى الضاربة اطنابها في عمق وقاع المجتمع اليمني الا نتيجة لذلك وصورة من صور الأزمات المجتمعية المختلفة،فإذا كانت الإغتيالات تلك تهدف إلى نحر الدولة وتقسيم الشعب وتقزيم أمل المجتمع عبر خلق شبكات مافيا تتجذر وتمتد إلى كل انواع واشكال ومستويات وانماط الجرائم المنظمة وتحكمها،فإن هكذا جرائم تستصنع دولة وسلطة فاشلة وعديمة الجدوى والقيمة لدى مواطنيها ابتداء،وانتهاء بفقدان أمل الخارج فيها أو الوقوف معها وتعزيز ساحاتها برمته. ولذا وجب على الحكومة وأجهزة الدولة اولا الوقوف على جذر المشكل ووضع استراتيجية شاملة لكيفية وضع حد لتلكم الجرائم والجماعات الإرهابية والمجرمة،واعتبار تلكم الجرائم قضية أمن قومي وطني،وضرورة وضع تصورات واجراءات عملية لمحاربتها ومعالجة تبعاتها أمر حيوي ومسألة تصب في صالح تعزيز ثوابت اليمن العليا وقيمه وتوجهه ،وجزء لا يتجزئ في معركة استعادة الدولة وتبيئة المناخ السياسي والمجتمعي للأمن والسلم والإستقرار على المستويات الثلاثة كافة،الوطنية والإقليمية والدولية،ومدخلا لهزيمة كل قوى الإنفصال ومن إليها والحوثية ومشايعييها على حد سواء. كما أن على الأحزاب والقوى السياسية والوطنيىة والإجتماعية أن تنصرف إلى خطورة تلكم الجرائم وتبعاتها،وادراك مدى الترابط العضوي والتكامل بين محترفي الجرائم تلك وقوى الإنفصال والحوثية،اذ أن كل جريمة تعتبر تعزيزا لتلكم الجماعات والعنف والإرهاب وتجذيرا لميليشياتها،وفريضة الدولة وتغييبها في الواقع والوعي المجتمعي والصمت حيال ذلك خيانة وجريمة وعنف رمزي مخاتل ويغذي تلكم الجماعات وتمدد مساحاتها وتحصن جغرافويتها وليس العكس..فجرائم الإغتيالات تعني بالضرورة اسقاط الدولة والمجتمع في حرب أهلية واذكاء لأوارها،وحرفا لمسار حرب تحررية ووطنية وبناءة متجهة صوب بناء جمهورية وحدوية ديمقراطية واحدة ووطنية،ومستقبلا يتطلع إليه كل ابناء اليمن الأفذاذ.