يحتفي حزب التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه، كحزب وطني اختار الاصطفاف إلى جانب الدولة ومؤسساتها الشرعية في كل المنعطفات التي مرت بها اليمن. لم تكن تلك المواقف وليدة الصدفة او لحسابات لحظية، بل ترجمة لمبادئه التي أعلنها في بيانه التأسيسي، وترجمت على أرض الواقع بدماء وأرواح العشرات والمئات من قياداته وأعضائه. فمنذ اجتياح مليشيا الحوثي الإرهابية للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، لم يكتفِ الإصلاح بإصدار بيانات الإدانة، بل كان في مقدمة الصفوف القتالية إلى جانب الجيش والأمن، حيث ارتقى المئات من أعضائه شهداء في ميادين الكرامة، والدفاع عن الجمهورية. في هذا التقرير، نسلط الضوء على أحد أبرز النماذج القيادية التي آثرت الوطن على كل شيء، وانخرطت في معركة الدفاع عنه حتى نالت الشهادة، إنه محافظ شبوة الأسبق، الشهيد أحمد باحاج، رجل الدولة والميدان. لم يكن المحافظ الأسبق لمحافظة شبوة، الشهيد أحمد علي باحاج، مجرد إداري يتابع شؤون المحافظة من مكتبه، بل كان رجل دولة جسّد نموذجًا نادرًا للمسؤول الذي ظل وفيًا للدولة حتى آخر لحظة من حياته. عمل الشهيد باحاج في زمن السلم تحت مظلة الدولة والشرعية، وحين اجتاحت مليشيا الحوثي الإرهابية العاصمة صنعاء وسيطرت على مؤسسات الدولة، لم يساوم أو يتخلّ عن مبادئه، بل آثر الوقوف في الصفوف الأمامية مدافعًا عن شبوة وأبنائها، تحت راية المؤسسة العسكرية والأمنية الشرعية. ويُعد الشهيد أحمد علي باحاج أحد أبرز مؤسسي وقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح في شبوة. وُلد في مديرية حبان عام 1964، حيث تلقى تعليمه الأساسي والإعدادي. وفي العام 1980، انتقل إلى الشطر الشمالي من الوطن حينها، وأكمل دراسته الثانوية في العاصمة صنعاء، ثم التحق بجامعة صنعاء ونال منها شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال والعلوم السياسية. شغل خلال مسيرته الإدارية عددًا من المناصب القيادية في محافظة شبوة منذ العام 1994، أبرزها منصب وكيل المحافظة، إلى جانب أدوار مجتمعية قدم من خلالها خدمات كبيرة لأبناء المحافظة وشبابها. وفي 11 سبتمبر 2012، عيّنه الرئيس عبدربه منصور هادي محافظًا لمحافظة شبوة، وظل في منصبه حتى لحظة استشهاده في مايو 2015. يصفه يسلم البابكري، أحد أبرز رفاقه، بأنه تميز بقدرة سياسية على التعامل مع مختلف المواقف والأزمات، وصناعة الحلول وبناء القواسم المشتركة، فضلًا عن قدرته على تجميع نقاط القوة وتحشيد الطاقات في اللحظات الوطنية الفاصلة. وأضاف بابكري ل"الصحوة نت" " كان واحدًا من الأسماء البارزة في الساحة الوطنية، وقدّم مسيرة حافلة بالعمل والإخلاص، اختتمها بتقدمه الصفوف في المعركة ضد مليشيا الحوثي حتى ارتقى شهيدًا في سبيل وطنه ودينه". مواجهة سياسية وسيادية لم تكن المواجهات الميدانية التي خاضها باحاج ضد مليشيا الحوثي هي معركته الأولى، فقد واجه المليشيات في معركة من نوع آخر. عقب اجتياح العاصمة صنعاء من قبل الحوثيين، اعلن باحاج مبكرا رفض شبوة التعامل مع سلطة صنعاء الانقلابية، مؤكدًا وقوفه إلى جانب الدولة والشرعية، سجل الرجل موقفا شجاعا في ذروة "انتفاشة" مليشيا الحوثي وارهابها، ورغم ذلك لم يفت في صلابة الرجل ووطنيته. ما ميز الشهيد المحافظ باحاج، بحسب مراقبين، عدم اكتفائه بعمله الإداري في مكتبه، فقد كان رجل دولة في السلم والحرب، يدرك أنه لا مجال للتعايش مع المليشيات وأن الدولة هي الحاضن لكل اليمنيين. مسيرة وطنية كللها بالشهادة أمام اجتياح مليشيا الحوثي لمحافظة شبوة ومحاولتها السيطرة على عاصمتها عتق، رفض باحاج الإغراءات والضغوط، وأصرّ على موقفه الوطني حتى النهاية، في وقت سلّم فيه كثيرون دون مقاومة، او استسلموا لإرهاب الحوثي واغراءاته. في صبيحة يوم 23 مايو 2015، صُعق أبناء شبوة خاصة واليمنيون بخبر استشهاد المحافظة أحمد علي باحاج، فقد كان على رأس قوات وخاض معارك ومواجهات عنيفة ضد مليشيا الحوثي، استمرت لأيام، على تخوم مدينة عتق عاصمة المحافظة. باستشهاده سطّر باحاج نموذجًا لمسؤول آمن بأن المنصب تكليف لا تشريف، وأن الدفاع عن الدولة والكرامة الوطنية مسؤولية لا يمكن التنازل عنها مهما كان الثمن. توحيد الصف ميدانيا يشير بابكري إلى أن الشهيد باحاج لعب دورًا محوريًا في مواجهة الحوثيين، إذ أعاد ترتيب خطوط المقاومة ووحّد صفوفها، وحرص على تجاوز الخلافات الداخلية وتوجيه كل الجهود نحو المعركة المصيرية. وتابع بابكري "لم يقتصر دور الشهيد باحاج على شبوة، بل كان داعمًا ومنسقًا مع المقاومة في محافظات أخرى، مؤمنًا بضرورة تنظيم صفوفها وبناء جيش وطني مدرب قادر على خوض معركة التحرير حتى النهاية". إرث وطني وخاتمة العظماء ترك المحافظ أحمد علي باحاج إرثًا وطنيًا نادرًا، فقد جمع بين دور المسؤول الإداري، والقائد الميداني وبطل المواقف الصعبة، إضافة الى رفضه المساومة مع المليشيات أو التماهي مع مشروعها، واختار أن يقدّم حياته في سبيل وطنه وعقيدته. موقف البطل الشهيد احمد علي باحاج يسجل موقفا نادرا فحين كانت المليشيات تحاصر شبوة وباتت تحت نيران وحمم المدافع والبنادق، لم يحزم باحاج أمتعته، وهو المسؤول الأول في المحافظة، كما يفعل كثيرون، بل اختار باحاج البقاء في الميدان، ليبرهن أن القادة الحقيقيون هم من يثبتون حتى آخر لحظة دفاعا عن مبادئهم ووطنهم، تاركين بصمة واضحة في سجل التاريخ الوطني، الذي سيدون ويروي للأجيال القادمة قصص الأبطال وتضحياتهم ويخلدهم في وجدان الذاكرة اليمنية جيلا بعد جيل.