تكشف حملة الاختطافات المسعورة التي تشنّها مليشيات الحوثي الانقلابية ضد قيادات وأعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح في مناطق سيطرتها عن وجهها الحقيقي كجماعة لا تؤمن بالتعدد ولا ترى في الحياة سوى لون واحد يعكس مشروعها العنصري والإقصائي. غير أن هذا السلوك القمعي، بما يحمله من نزعة انتقامية، يكشف في جوهره حالةَ الخوف والارتباك التي تسيطر على الجماعة أمام حزب جماهيريّ أثبت حضوره في المشهد الوطني كقوة سياسية وشعبية تقف في طليعة الصفوف المدافعة عن الدولة والجمهورية.
ومن هذا المنطلق، فإن هذه الحملة، كسابقاتها، ليست سوى محاولة يائسة للضغط السياسي على الإصلاح وثنيه عن مساره الثابت في حماية مبادئ النظام الجمهوري وضمان حقوق جميع اليمنيين، وهو موقفٌ راسخ لم يتزحزح رغم الكلفة الباهظة التي يدفعها أعضاؤه في مواجهة المشروع الانقلابي. حملة تكشف جوهر الحوثية خلال الأسابيع الماضية، اختطفت مليشيات الحوثي أكثر من مئتي عضو من أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح في محافظاتإب وذمار وصعدة وصنعاء، وفق ما تم توثيقه، فيما لا تزال الحملة مستمرة، امتدادًا لنهج حوثي ممنهج يستهدف الإصلاح على خلفية مواقفه الوطنية الثابتة، وفي مقدمتها تمسكه بالثوابت الجمهورية وبمشروع استعادة الدولة. وتكشف خريطة هذه الاختطافات عن مدى الانتشار الشعبي الواسع للإصلاح، وهو ما يثير قلق الحوثيين أكثر من أي طرف آخر، إذ يجدون أنفسهم أمام مأزق وجودي ناجم عن افتقارهم للشرعية السياسية والدستورية؛ فهم إلى جانب كونهم مليشيات انقلابية، لا يمثلون حزبا سياسيا مشروعا ولا جماعة مدنية مرخصة قانونيا، بل كيانا متمردا خرج من فوهة السلاح المنفلت. هذا المأزق هو ما يدفع الحوثيين إلى هذا السلوك الهستيري، فيداهمون المنازل ويقتادون الرجال إلى أماكن مجهولة، ويلاحقون المعلمين في مدارسهم والأطباء في مشافيهم، ويمنعون المواطنين من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية التي يسهم فيها كوادر الإصلاح انطلاقا من قيمهم السياسية والفكرية القائمة على خدمة الناس والعمل المؤسسي. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تعاني الحوثية — كفكرة ومشروع وتنظيم — من عزلة مجتمعية خانقة، إذ نشأت على العنف لا على العمل السياسي، وحضرت في المشهد كعصابة ضد المجتمع لا كجماعة تعبّر عن قضاياه، وهذا على النقيض من الإصلاح الذي وُلد من رحم المجتمع، بتنوع فئاته وتعاونهم، وبناؤه على أسس الدستور والعمل الديمقراطي. وهكذا، تبدو المفارقة جلية بين مشروع مسلح يعزل نفسه عن المجتمع، وحزب وطني وُلد من نسيجه. وقد عبّر عن ذلك الناطق الرسمي للإصلاح، عدنان العديني، بقوله:"الإصلاحيون أبناء هذا المجتمع وأبرز علامات تحوّله إلى العصر الجمهوري. المجد للرجال الثابتين على إرث الزبيري، الممسكين بيمنيتهم المتجذّرة في الوجدان، إيمانًا في القلب وثباتًا على الأرض". مأزق الشرعية والعزلة الاجتماعية تتعمّق أزمة الحوثيين أكثر حين يجدون أنفسهم في مواجهة حزب يتمتع بشرعية قانونية، ومؤسسية راسخة منذ ثلاثة عقود، وله حضور سياسي واجتماعي متجذّر في كل المحافظات، مقابل مليشيات تقوم شرعيتها على القوة والغلبة، لذلك، فإن اختطاف المئات من أعضاء الإصلاح لا يمكن قراءته إلا كفعل يعكس مأزقا سياسيا وأخلاقيا، إلى جانب كونه عملا إجراميا وانتقاميا. فالإصلاح، بحضوره الشعبي، يمثّل التهديد الحقيقي لمشروع الحوثية القائم على الإلغاء والإقصاء ومصادرة الحرية وإرادة الشعب، ذلك لأنه يقدّم نموذجا مختلفا يقوم على الشراكة الوطنية والتعدد السياسي واحترام المؤسسات، وهو ما يجعل وجوده تحديا حقيقيا لمشروع الحوثيين السلالي. وفي مقابل هذا الامتداد الشعبي للإصلاح، تعاني الحوثية من عزلة مجتمعية متزايدة داخل مناطق سيطرتها؛ فسياساتها القائمة على الجباية والإرهاب والتمييز الطائفي أفرزت حالة استياء وغليان تتسع يوما بعد آخر في أوساط المواطنين. ورغم آلة التشويه الضخمة التي تسخّرها المليشيا ضد الإصلاح منذ سنوات، فإن حضور الحزب في الوعي الجمعي ظلّ صامدا؛ إذ لا تُقاس مكانته بحملات الدعاية الموجهة، بل بقدرته على البقاء قريبا من الناس، والتفاعل مع قضاياهم في مختلف المراحل، والأهم من ذلك أن الإصلاح ظل، منذ إقرار التعددية السياسية، يعرّض نفسه للتقييم والمساءلة الشعبية في كل استحقاق انتخابي، على عكس الحوثية التي ترفض أصل الفكرة الديمقراطية، وترى نفسها كيانا فوق المجتمع لا خادما له. بين مشروع الدولة ومشروع العصابة وبناءً على ما سبق، يتجلّى جوهر الصراع بين الإصلاح والحوثيين بوصفه صراعا في طبيعة المشروع لا في توازن القوى؛ فالإصلاح يتحرك في إطار منطق الدولة، انطلاقا من إيمانه بالمواطنة والعمل السياسي، بينما تتحرك الحوثية خارج هذا المنطق تماما، باعتبارها كيانا مغلقا يقوم على الامتياز السلالي ويستمد شرعيته من القوة والغلبة لا من الإرادة الشعبية. ولهذا، فإن كل عملية اختطاف أو قمع أو تكميم أفواه ليست سوى انعكاس مباشر لرفض الحوثيين لأي صوت مختلف، ولخوفهم من عودة الدولة التي تُنهي تلقائيا سلطتهم القائمة على العنف والإكراه. ومن هنا تتضح رمزية الحرب التي تشنها الحوثية ضد الإصلاح، فهي ليست حربا على أفراد أو كوادر، بل على فكرة تمثّل نقيض وجودها ذاته. ولعل أكثر ما يزعج الحوثيين هو أن الإصلاح، رغم كل ما تعرّض له من حملات تشويه وتضييق، لم ينزلق إلى مربع الانتقام أو الكراهية، بل ظل متمسكا بخطابه السياسي المتزن الداعي إلى الحوار وبناء الدولة، وهذا ما يفقد الحوثيين القدرة على تبرير ممارساتهم أمام المجتمع. صوت الجمهورية في وجه الفوضى في نهاية المطاف، تؤكد حملة الاختطافات الأخيرة أنها امتداد لنهج الحوثية العنيفة، وفي نفس الوقت، تكشف هشاشتها وخوفها من فكرة الحزب المدني المنظّم الذي يستمد شرعيته من الناس لا من السلاح، فكل محاولة لإسكات صوت الإصلاح تزيد من حضوره في وعي اليمنيين، لأنه بات يمثل بالنسبة لهم فكرة الدولة في وجه مشروع الفوضى، وصوت الجمهورية في زمن تحاول فيه المليشيا خنق السياسة وإلغاء التعدد.