[email protected] يحلوا للحزب الحاكم قبيل انعقاد أي مؤتمر لمجموعة أصدقاء اليمن - كما هي عادته- توجيه بعض رسائل لشركائه الدوليين في محاولة متكررة للتأثير على مجريات المؤتمر وتوجيه مساره، بغية تمرير أجندة سياسية تتماها مع توجهاته ومشروعه السياسي. وقد شاهدنا مجريات ذلك التصعيد اللافت للحرب على الإرهاب في بعض المحافظات الجنوبية والذي سبق مؤتمر نيويورك في 24 سبتمبر الماضي، ما حدا بمسئول يمني لأن يُصّرح لشبكة CNN الأمريكية قائلاً "الحكومة اليمنية تعرف ما تفعل، ما يحدث مجرد لعبة "، وبالفعل تكشفت بعض ملامح اللعبة من خلال محاولة الحزب الحاكم إعادة إحياء اللجنة العليا للانتخابات التي أسقطها اتفاق فبراير، وسعيه تالياً لتمرير قانون الانتخابات في مجلس النواب بمعزل عن التوافق مع أحزاب المشترك، وكان يؤمل حينها حصوله على ضوء أخضر من حلفائه في مؤتمر نيويورك لمواصلة مشروع الاستفراد بالعملية الانتخابية على أساس أنهم سيكونون مهمومون بالملف الأمني أكثر من غيره! بيد أن الإخفاق كان حليف المؤتمر، حيث أحبط حلفاؤه تمرير المشروعين، في حين جاءت نتائج مؤتمر نيويورك مخيبة لآماله، إذ كرست مبدأ الحوار الوطني باعتباره أفضل السبل لتدعيم الأمن والاستقرار وحل أزمات البلد. والأمر نفسه يتكرر ولكن بصورة مختلفة قبيل انعقاد مؤتمر الرياض القادم في فبراير2011م، فعقب حادثة الطردين الملغومين التي أعادت اليمن إلى صدارة الاهتمام العالمي، وكرست فكرة أنها أضحت مشكلة أمنية مقلقة للعالم، سارعت حكومة المؤتمر إلى استثمار الحدث وتداعياته لتعلن على الفور إنهاء حوارها مع المشترك والمضي بصورة منفردة نحو الانتخابات القادمة، ولتأكيد هذا المسعى أقر مجلس الوزراء مؤخراً ميزانية اللجنة العليا للانتخابات المتعلقة بعملية القيد والتسجيل للانتخابات المقبلة! وهي محاولة أخرى للمؤتمر لإعادة إحياء دور اللجنة العليا للانتخابات، في مسعى حثيث للحصول على موافقة أصدقاء اليمن الذين يتهيئون لعقد مؤتمرهم القادم في الرياض مطلع فبراير، بالرغم من أن الرئيس كان قد جمد نشاطاتها السابقة ووعد نائب مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي(لس كامبل) بإعادة تشكيلها بالتوافق مع المشترك، لكن الوضع اختلف الآن، والحكومة لا تريد تفويت الفرصة الثمينة التي هيأتها حادثة الطردين التي شغلت العالم، فأرادت تمرير رسالتها التالية لمؤتمر الرياض؛ فكروا ملياً هذه المرة وأعطوا الملف الأمني جل اهتمامكم، ودعونا نعالج مشكلتنا السياسية بطريقتنا الخاصة، ولكي نتعاون معكم في مكافحة الإرهاب عليكم أن تتعاونوا معنا في مكافحة المعارضة! وهذا يتطلب صرف أنظاركم وإن بشكل مؤقت عن الإصلاحات السياسية والانتخابية التي تطالب بها المعارضة وتأجيلها إلى مرحلة لاحقة. بعبارة أكثر وضوحاً، الحزب الحاكم يراهن بدرجة أساسية على الموقف الخارجي، وهو يكافح في استمالته إليه وكسب تأييده لإمضاء توجهاته السياسية. وبانتظار ما ستسفر عنه نتائج مؤتمر الرياض القادم وكيف ستتجه الأمور بعد ذلك فإن الرهان على حوار جاد ومثمر مع المؤتمر يبدو ضرباً من الأوهام، إنها مراهنة خاسرة بلا ريب إذا لم يصاحب الحوار وسائل ضغط ذات فعالية وتأثير قويين، وفي لحظة تاريخية غاية في الأهمية تبرز اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الشامل كأفضل الخيارات المتاحة أمام المشترك لإعادة ترتيب أوراقه، وصوغ الملف السياسي داخل البيت اليمني وفقاً للمصلحة الوطنية العليا. تكمن أهمية اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في أنها المشروع السياسي الذي حظي بإجماع معظم القوى والشخصيات الاجتماعية والوطنية، وفي كونها غدت المشروع الوطني الأكثر تعبيراُ عن تطلعات وآمال تلك القوى. لقد نجحت اللجنة التحضيرية للحوار بوصفها المشروع الذي تجاوز حدود الانتماءات الصغيرة الضيقة ليعيد الانتماء للوطن الكبير، المشروع الذي غدا البديل الجاهز لمشروع سياسي فاشل أوصل البلد إلى حافة الانهيار بشهادة كل أصدقاء اليمن، المشروع الذي لم يعد بإمكان هؤلاء الأصدقاء تغافله أوترك التعاطي معه كونه صار معيار تقدم العملية الديمقراطية في اليمن أو تراجعها. وفوق ذلك، هو شرط الديمقراطية اليمنية وضمان الاستقرار السياسي في البلد. وتكمن أهمية اللجنة التحضيرية كذلك في كونها أفسحت المجال لمشاركة شعبية واسعة في العمل السياسي، وصنعت شراكة حقيقية مع مختلف الفعاليات الجماهيرية، وجعلت من النضال السلمي أمراً متاحاً وفي متناول الجميع، وتمكنت إلى حد كبير من توحيد الرؤى والمواقف حول مجمل القضايا الوطنية وحشد الرأي العام لمؤازرتها. على أن ذلك كله يضاعف من المسئولية الوطنية للجنة التحضيرية ويزيد الحمل عليها، فمن جهة، يتعين عليها ابتداء رعاية التجربة والعناية بها والدفع بها لبلوغ أهدافها المنشودة، وهذا يتطلب تطويراً وتحسيناً دائمين لبرامجها وآليات عملها، ومن جهة ثانية، تقتضي مصلحة العمل الوطني تدوير المناصب القيادية بداخلها لتوسيع رقعة المشاركة وكسر طابع الجمود، والتخلص من عقدة احتكار السلطة، وتكريس مبدأ تداولها عملياً، وتخطي عقبة المشاريع الصغيرة, وتحاشي شخصنه المشاريع الوطنية، وتقديم أنموذج يُحتذى لمشروع سياسي وطني لا تُختزل مضامينه في أهداف شخصية بحتة تعيد إنتاج مشاريع استبدادية فردية أو عائلية أو قبلية، بل مشروع سياسي قادر على تمثل التوجهات الوطنية واستيعابها، واحترام نضالات الشرفاء وتضحياتهم وعدم جحودها. كما ينبغي عدم الوقوف عند مشروع وثيقة الإنقاذ الوطني بوضعها الحالي، بل يتعين أخذ ملاحظات الآخرين بشأنها، وإعادة عرضها للمداولة والنقاش لتستوعب تطلعات اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، ولتغدوا وثيقة شعبية جماهيرية في ملك الشارع اليمني قبل الأحزاب. ومن المهم أيضاً تطوير وتفعيل آليات النضال السلمي وإشراك قوى المجتمع فيها، وتدريب رجل الشارع على ممارستها بشكل متواصل لتبقى قضاياه الوطنية حية.