قبل انحسار موجة الاسلام السياسي (الحاكم) في المنطقة ظهرت كتابات لافتة رأت (( ان نقد الإسلام السياسي في الفترة السابقة للثورات العربية كان غائباً، ومحصوراً بيمين غربي شبه عنصري، أدرجه في رواياته عن صراع الحضارات. أمّا الموقف العام، فكان "متفهّماً" للحركات الإسلامية، إن لم يكن داعماً لها، بوصفها القوى السياسية الأكثر تمثيلاً للعرب. فكان الإسلام السياسي أحد مكوّنات معارضة الأنظمة القمعية، بالتالي موضوع تعاطف وتحالف، أو ضحية "الإسلاموفوبيا" اليمينية وقمع الأنظمة، بالتالي موضوع تضامن ودعم. وعلى هذا النحو، بات عنوان "الحوار مع الإسلاميين" من المطالب الرئيسة لكثير من المثقفين)) لكن بعد النتائج الكارثية لحكم الاخوان، في مصر وتونس وتشاركهم في حكم اليمن، وانتهاجهم لسياسات العنف والاقصاء في ليبيا وسوريا وتحولهم الى كتلة طائفية في العراق ((انقلبت الصورة رأساً على عقب ، ليتحوّل متفهّمو الإسلام السياسي إلى أشدّ أعدائه، بعدما تبيّن أن الإسلاميين ليسوا مجرّد خزان بشري لمفكري الممانعة )) سامر فرنجية /صحيفة الحياة 24/2/ 2013 العدد: 18223 على هذه القاعدة التي تؤسس لنفس النزوع، يمكن تتبع حضور الظاهرة الحوثية وتحولاتها، في بلد هامشي وفقير مثل اليمن من شقيها المظلومي الذي سوقته الجماعة على مدى عشرين عاماً، وتحديدا حين بدأت كفكرة احيائية داخل المذهب الزيدي من قبل مجموعة من الشباب المتحمس في2004 الى وقت حضورها كمنازع اصيل داخل القرار السياسي والسيادي في العاصمة، التي استباحتها الحركة بميليشياتها المسلحة في 21 سبتمبر الماضي. فموقف المجتمع من الحركة، لم يكن يتحمس كثيراً ل (شيطنتها) مثلما فعل الاعلام الرسمي والقوات النظامية، التي خاضت معها ستة حروب مهلكة، كان يخرج منها الحوثيون اكثر قوة، مقابل تضعضعات وتصدعات مهولة للقوات الحكومية ،فقد كان المجتمع بأغلب تياراته السياسية والحزبية، لا يرى في الحوثيين سوى حاملي مظلومية، اسهمت السلطة (الاصولية)(*) في تعميقها و(ابلستها)، بذات طرائق الخصوم المذهبيين لها، والذين صاروا جزاء من ابدالات اللعبة السياسية، وحواضنها الاقليمية التي بدأت بتغيير استراتيجياتها السياسية، والمجالات العمومية لمناوراتها بعد ابريل 2003 تاريخ استباحة القوى الامريكية وحلفائها للعراق بتحولها الى قوة ذات تأثير سياسي وعسكري على الارض، وانفتاح شهيتها للحكم بفعل ميلان القوة لصالحها، بعد انكسار خصومها، واللعب بمهارة على انقسام الجيش وتشتت ولاءاته، باتت الحركة الحوثية في مرمى نقد خصومها السياسيين، الذين لم يعودوا فقط الاصلاح بجناحيه (القبلي والعسكري الذين تم اسقاطهما تباعاً من العصيمات الى عمران وصنعاء ) ،وانما القوى السياسية الاخرى، وسكان المحافظات التي استباحتها القوى الحوثية باسنادات واضحة من القوى العسكرية والمخزون البشري الداعم لصقور حزب لرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذين يسعون للتحكم من جديد بمسارات العملية السياسية وتحولاتها في ظل متغيرات داخلية وخارجية ،لعبت الدور الابرز منذ 2011،وتغير قواعد اللعبة، وفي مقدمتها تحول صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام الى شركاء في ادارة العملية السياسية، وليسوا حكاماً صريحين منفردين، كما كان عليه الوضع قبل ديسمبر 2011 تاريخ تشكيل حكومة الوفاق الوطني فالقوى التي انتصرت للحركة الحوثية، في المحطات التي عانت فيها التهميش والعنف والاضطهاد، في سنوات احترابها مع النظام من تيارات سياسية وحزبية ومنظمات مجتمع مدني وناشطين حقوقيين بدأت تعبِر عن مخاوفها من السلوك الاستحواذي للجماعة، وضغوطها المتصلة على مركز القرار السيادي، لإظهاره بالضعف الذي يريده حليفها الابرز – جناح الصقور ، الذي انجزت معه الجماعة تحالفها المريب على حساب القضية الرئيسة التي خرجت الحركة من اجله بعد قرار الجرعة المشئوم في اغسطس 2014 ووجد مناصرة واضحة من شرائح المجتمع، كون الطرف المُتحالف معه هو الجزء الاصيل من المشكلة، وان المجتمع يعاني اصلا من نتاج حكمه الكارثي لما يزيد عن ثلاثة عقود. اما في المحافظات والمراكز الحضرية، التي غزتها القوات الحوثية (الحديدةواب) بدون مقاومة تذكر بسبب ضعف التركيبة القبلية المسلحة فيها بدأ يتبلور صوت رافض لوجود المليشيات، استجلب هذا الصوت المنزع المسلح في تركيبة المجتمع المحلي للمقاومة، كما حصل في اب، وتلويح الحرك التهامي (المسلح) باستخدام القوة لطرد الحوثيين، والرهان على تعالي هذا الصوت في المستقبل القريب سيكون اكبر من تلاشيه ،لان حركة مثل هذه لا تقدم نفسها اكثر من مليشيا طائفية (تعتاش) من تآكل الهوية الوطنية . وفي المناطق ذات التركيبة القبلية المسلحة ،رأينا كيف كانت المقاومة المسلحة واضحة للتمدد الحوثي، وتحديداً في المناطق التي نُظر فيها اليه بوصفه غازياً طائفياً ،لم يتوان سكان هذه المناطق من الالتحام بعناصر القاعدة من باب الاحتماء الطائفي الصرف، كما هو حاصل في رداع مثلاً، و سيتقوى هذا المنزع اكثر في المناطق الشافعية وتحديداً في مناطق اب التي بات فيها لتنظيم القاعدة حواضن اجتماعية علنية، تتشكل لمقاومة التمدد (الزيدي) كما يطرح علانية اعود فأقول ان (توطين) نقد الظاهرة الحوثية، تُعلي من شأنه وتؤصله في حقل الدراسات السياسية، ممارسات الحركة ذاتها في التمدد والاستحواذ، ويكرسها بوعي خالص، من تظنه الحركة حليفها المخلص، الذي يراهن هو الاخر، على انكسار موجتها بفعل تعري ظهرها المستمر، وخبراتها القليلة في ادارة الشأن العام وتجاوزاتها الطائفية، وخصوماتها الانتقائية (مع بعض الفاسدين) ليتمكن من الانتقام من الجميع وبالجميع، في ظل ضعف بائن لبقية الاطراف ومنها الاحزاب السياسية التي اثبتت الايام بانها ليس اكثر حالة طحلبية مستدامة في حياة اليمنيين . (*) تعرَف (السلطة الطائفية) بانها تركيز وتجميع السلطة في أيدي فئة قليلة تستخدم أشكال القمع والعنف والإقصاء والافساد كافة من أجل البقاء في السلطة والاستئثار بها.