لقد دشّن الأخ المهندس / خالد محفوظ بحاح رئيس مجلس الوزراء لحكومة الكفاءات رئيس المجلس الأعلى لتخطيط التعليم، رئيس المجلس الأعلى للجامعات، في يوم الخميس الأول من يناير 2015م، ومعه وزراء التعليم الثلاثة الدكتور / محمد مطهر وزير التعليم العالي، والدكتور/ عبد الرزاق الأشول وزير التعليم الفني والتدريب المهني، والدكتور / عبد اللطيف حيدر وزير التربية والتعليم، دشنوا جميعاً عام 2015 عاماً للتعليم. وفي شهر فبراير من العام 2009م كنت قد نشرت سلسلة من المقالات بلغت 15 مقالاً حول تجاهل المسؤولين عن التعليم باختلاف أنواعه الاختلالات العميقة في مكونات التعليم وقلت " إن ألم الواقع التعليمي بكل مكوناته وباختلاف أنواعه يحمل لنا قراءات مفجعة وشديدة الألم، فيكون الأمر ملزماً لكل مسؤول و مواطن ذي ضمير حي بأن يقف و قفة جادة و مستبصرة لما يشير إليه ذلك الواقع المخيف من بؤس على حاضر الوطن و مستقبله، وإن لم نتدارك الأمور بتشخيص حقيقي وسليم ووضع المعالجات الممكنة والصحيحة للاختلالات التعليمية المستدامة فلن يرحمنا المستقبل ولا أجياله " مطالباً أن تخصص أعواماً لتصحيح كل مكونات التعليم لا مكوناً واحداً.. لأن الحلول الجزئية لا تفضي إلا لهدر الوقت وتبديد الأموال فقط، وشاهد الحال ما قامت به الحكومات السابقة من فشل ذريع في الحلول الجزئية.. فما المقصود بأن يدشن رئيس مجلس الوزراء عام 2015م، عاماً للتعليم دون إعداد العُدّة له سواء الزمنية أم المادية؟ ومنذ أن أعلن رئيس الوزراء أثناء تكريمه لأوائل الجمهورية في الثانوية العامة بتاريخ 25 نوفمبر 2014م، بأن عام 2015 سيكون عاماً للتعليم، لا أخفيكم باندهاشي، وأرجو أن يكون اندهاشي خاطئاً.. اندهشت لضيق الوقت، ما هو عليه حال الدولة من وهن، والخزينة فارغة ومنسوب الجهل المجتمعي الذي ورثناه عالٍ جداً.. و..و..الخ، فكيف سيكون عام وحيد ويتيم لتعليم سقيم يحتضر اغتصبت كل مكوناته من قِبل ثالوث الفقر والجهل والمرض لعقود حتى أصبح قانون الجهل هو من يُسيّر التعليم وقادته؟..! شيء جيد أن يعلن عاماً للتعليم ولكن هل كان وفق رؤية وأهداف مدروسة؟ هذا الإعلان يعني أن قادة التعليم فعلاً وضعوا أيديهم على مكمن الخلل والذي يُعد قلب البناء الوطني، بصفة التعليم هو الرّافد الوحيد بالعنصر البشري لبقية النّظم – المؤسسات – المصاحبة، فإن صلحت نظم التعليم صلحت جميع النظم وإن فسدت نظم التعليم فسدت جميع النظم.. وكما هو معلوم بأن التعليم في الأساس هو قضية مجتمعية تُهم كل فرد في المجتمع وحسب علمي أن التوصيات لتحسين كفاءة الإنفاق لتطوير التعليم ومخرجاته في التقارير الحكومية وغير الحكومية لعقود سابقة لم تجد أي آذان صاغية أو عقول مفكرة و مستبصرة للنهوض بالعملية التعليمية والتعلُّمية و كأن الأمر لا يعني أحداً، حتى أصبح الأمر أكثر علّة وقتامة لواقع التعليم، دون الإلتفات إلى الخطر المُحدق بالمواطن والمسؤول على حدٍ سواء.. كُنا في السابق نتفاءل عند صدور إستراتيجية من الاستراتيجيات لتحسين غدِ التعليم ولكنها وبكل أسف جاءت مخيبة للآمال وواقع التعليم .. أتت مجزأة ولا رابط بينها ولم تعالج سوى معالجة ظاهرية لجوانب معينة فقط ، وتناست في مجملها أن من أراد إصلاح الجزء لا بد له أن يكون ملماً بالكل ويحمل استبصاراً ذا رؤى واضحة عن الكل ، بمعنى آخر لا بد من إستراتيجية طويلة المدى تتجاوز الأنوف متماسكة الخُطى وواضحة الأهداف والمعالم آخذة في الاعتبار التحديات الراهنة وأبعادها الدولية على وطننا .. وعلى مسؤولي التعليم باختلاف أنواعه أن ينظروا إلى بعضهم نظرة تكامل وترابط وأن الاستحالة تكون في نجاح نوع من التعليم دون الآخر ، وأن غياب التنسيق بين الفكر والتطبيق وبين القيادة التربوية والقواعد والمخططين والمنفذين والمشرفين التربويين والمعلمين كان لزاماً أن تكون الجهود مشتته والموارد مهدرة لاستنساخ نُظم تعليمية مهترأة ومجزأة . فإذا كانت الإستراتيجية هي قراءة للمستقبل وتوقعاته ومشكلاته المحتملة وتشخيصٌ للواقع وأمراضه لتقترح أبدال حلول مناسبة .. فهل تم إعداد إستراتيجيات للتعليم العام والفني والعالي حديثة ليكون عام 2015 فعلاً عاماً للتعليم وبداية لتنفيذ تلك الاستراتيجيات والتي من المفترض تنتهي في العام 2035م ؟؟ شريطة أن يُشرف على تنفيذها وزراء التعليم الحاليين، لسبب واحد وهو أن الثقافة الموروثة لدى كل مسؤول لا أن يبدأ من حيث انتهى المسؤول السابق، بل يأتي المسؤول الجديد ليهدم كل بناء المسؤول السابق ليبدأ بالبناء من تحت الصفر..! اعتقد أنه لا يخفى على رئيس الوزراء أو الوزراء بأن الحكومة تقتات على الموظفين الذين منهم المعلمين والأكاديميين، فعلى سبيل المثال لا الحصر آخر هذا العام تم مصادرة حقوق معلمين ودكاترة وحرموا من التسويات برغم أن تعزيزاً صدر بها إلا أن البنك المركزي رفض تسليم تلك الحقوق.. كذلك العلاوات السنوية جزء منها لم يصرف أما الفوارق لم تصرف نهائياً، شيء آخر إذا حدثت أي كارثة يتم استقطاع قسط من كل موظف، فما ذنب الموظف أن يتحمل خطأ المسؤول؟.. تلك القليل جداً من الأمثلة أسوقها لرئيس الوزراء، ليعلم أن غالب المعلمين يموتون لسبب أنهم قد لا يجدون قيمة العلاج.. المعلم الذي تستهلكه الدولة في شبابه لترميه في هرمه هو إنسان تكالب عليه الزمن والمسؤول الذي لا يخاف الله فيه.. ليعلم رئيس الوزراء بأن الأكاديمي أصبح يعيش في حالتين لا ثالث لهما، وهي إما حالة اغتراب خارج الوطن كي يوفر له ولأولاده المطالب الأساسية للحياة، وإما حالة تغريب داخل الوطن فرضها عليه لوبي الفساد وبؤس دخله الشهري، وهذه الحالة أشد مرارة وخطراً من الأولى لأنه يعيش مغرّب الذهن والروح.. فهل يعي الأخ رئيس الوزراء معنى ذلك الحال للموظف والمعلم والأكاديمي؟ هل رصدت لعام التعليم نفس موازنات وزارة الدفاع التي كانت مفتوحة وسرية حتى أصبح الواحد منّا يخجل إذا رأى ضابط يرتدي بدلته العسكرية بعد ما حدث؟! موازنة مفتوحة لعشرون عاماً تبدأ من عام 2015م، لإصحاح التعليم بكل مكوناته – الموظف، المعلم، الدكتور، البرامج، المباني، الطلبة،..الخ – أم أنه إعلان لإحراق وزراء التعليم وما تبقى من اسم أجوف للتعليم؟ يقال أن المجتمعات تنقسم إلى صنفين لا ثالث لهما : مجتمع يصنع المعرفة و آخر ينشرها .. يا ترى إلى أي مجتمع ننتمي نحن ؟ [email protected]