عندما نعلن تضامننا مع صحيفة شارلي ايبدو التي راح ضحيتها 12 قتيلا ينبغي علينا أيضا أن نعلن تضامننا مع أسر ضحايا 40 قتيلا سقطوا في صنعاء في نفس يوم الإعتداء على شارلي.. استهدف الهجوم الإرهابي في باريس الكلمة وحرية التعبير بينما استهدف هجوم صنعاء من يحرس الكلمة ويسهر على تأمين الحياة وتسيير شؤنها. ما جرى في صنعاءوباريس عمل ارهابي خارج عن كل القيم الأخلاقية والدينية لكن ردة الفعل كانت متباينة تماما بعد هذان الحادثان. العالم كله انتفض وقام ولم يقعد مما جرى في باريس (وله كل الحق في ذلك) بينما لم يعر أحدا الانتباه لما جرى في صنعاء وكأن ما حدث فيها لا يعدو كونه بروفة لمسرحية دامية وليست احداثا حقيقة لها ما بعدها من التبعات في جر البلد بأكمله الى بحيرة من الدماء قد لا يسلم منها الأوربيون انفسهم. بعد أحداث باريس خرج الرئيس الفرنسي يخاطب شعبة, يلملم جراحة, يطمئنه ويعلن الوحدة الوطنية, بالمقابل كانت ردة فعل الشعب الفرنسي عظمية, حيث خرج بكامل اطيافة وتياراته وعرقياته للدفاع عن قيم الجمهورية الفرنسية و للتنديد بما جرى ومؤازرة قيادته السياسية , الرئيس لأسبق ساركوزي يدخل قصر الإيليزية لأول مرة منذ خروجه من السلطة عام 2012 ويصافح الرئيس هولاند ويدعوا إلى رفض “الخلط والتطرف، والتنسيق معاً وإظهار الفرنسيين جبهة موحدة أمام الإرهاب والإجرام والمجرمين. هذا واجب”. بينما صنعاء لم تجد من يواسيها أو يخفف آلامها, بل أن رئيسها أعلن عن أسفه الشديد لما جرى في باريس ولم يكلف نفسه العناء أثناء مواساته للشعب الفرنسي أن يذكر ولو من باب المجاملة ما حل ببعض من رعيته!!! إنها كارثة توازي بفداحتها حجم التفجير الارهبي ذاته. بينما الشعب اليمني يجد نفسه تائها بل شبه غائب عن الوعي يعاني من غياب الدولة وانهيار قيم الجمهورية وتغول الميليشيات الطائفية و الإرهابية وبدت شوارع المدن الكبرى خالية من أي تنديد لما جرى من تفجير ارهابي في صنعاء! ما يربط الحادثان ليس فقط التوقيت, لكن هناك بعد آخر يكمن في من يمكن أن يكون خلف هذه التفجيرات. أصابع الاتهام تتجه نحو القاعدة في كلا الحادثين. رئيس الوزراء الفرنسي أعلن ان العدو هو الإرهاب وليس الدين الإسلامي بذاته او عموم المسلمين. بالمقابل كيف تتعامل اليمن مع فصائل القاعدة وميليشيا القتل والطائفية التي تنخر في جسد الأمة اليمنية التي لم تعرف قط الصراع المذهبي على الصعيد الاجتماعي, بل كان الصراع دائما سياسي يعطيه الحكام صبغة طائفية. بكل أسف لا يوجد في اليمن من يمكن أن يتحمل نتيجة ما يحصل فيها ويعمل على تدارك الأوضاع والعمل على تقوية الوحدة الوطنية والحفاظ على النسيح الاجتماعي, ويتحمل مسؤليته أمام الشعب.. فرئيس الجمهورية أشبة ما يكون تحت الإقامة الجبرية ومن يمسك بزمام الأمور هو الحوثي في صعدة الذي يعمل على محاسبة وضرب كل من يدخلهم في قائمته السوداء وأغلب المغضوب عليهم لايخرجون عن كونهم أيضا أعداء الرئيس الأسبق علي صالح. للأسف نزعت هيبة الجيش وتم تشيت قواه ونهب أسلحته, أما قوات الأمن فلم يعد لها وجود يذكر ولا نجد سوى فريقان يتصارعان على أشلاء الشعب : ميليشيا الحوثي "أنصار الله" المتحالفة مرحليا مع صالح وفي الطرف الآخر نجد القاعدة وأنصار الشريعة. وكل طرف يشن حربا مقدسة ضد الطرف الآخر والكل يدعي أنه يمثل الله في في تفجيره للمساجد والمدارس والبيوت وأجساد الآدميين أيضا. يتكرر ذكر اسم اليمن كثيرا في الأيام السابقة في وسائل الإعلام الفرنسية كونها "أي اليمن" البلد التي استضافت الإرهابي الفرنسي قبل سنوات لتدريبة في معسكرات القاعدة. على الفرنسيون والغرب عموما أن يدركو أن اليمنيين هم أول من أكتوى بنار القاعدة والإرهاب وأن ضرباتهم العمياء لا تميز بين مسيحي ومسلم, عربي أو أوروبي. الوضع الراهن في اليمن واعتبارة ساحة حرب لقوى اقليمية ودولية سبب رئيسي لما يجري فيه وعدم الاهتمام بمصالح اليمنيين وشعوب المنطقة وحل مشاكل الفقر والتهميش والاضطهاد لن يكون له إلا اسوء العواقب على الجميع, لاسيما وأن العالم الغربي عموما يشارك في حرب غير مدروسة ضد الإرهاب في المنطقة العربية. هذه الحرب لا تستند إلى دراسات اجتماعية او اقتصادية عميقة لمعرفة سبب نشوء هذه الحركات الجهادية وتناميها في عدد من البلاد العربية الأمر الذي يعطي انطباعا لدى الكثيرين أن القوى الغربية لا تهتم سوى بمصالحها واستثماراتها النفطية والغازية في البلدان العربية دونما اكتراث لأوضاعهم الداخلية.