تعليق العمل في المجمع القضائي بتعز احتجاجًا على اعتداء عسكريين    عدن.. البنك المركزي يوقف تراخيص أربع كيانات مصرفية    "حاشد" صوتكم لا خصمكم    الجماعي يطلع على سير أداء اللجنة المشتركة واللجان البرلمانية الدائمة    أمانة الانتقالي تواصل برنامج الهيكلة والإصلاحات التنظيمية    شرطة مأرب تستنكر حملة الإساءة والتشويه التي تستهدف الأجهزة الأمنية بالمحافظة    مسيرات راجلة ووقفات طلابية بمديريات محافظة صنعاء نصرةً لغزة    الاحمدي يستقبل لاعبي شبوة المنضمين إلى منتخب الناشئين    ميسي يغيب عن الملاعب لمدة غير محددة نتيجة إصابة عضلية    تضامن حضرموت يتعاقد رسميا مع المدرب السعودي بندر باصريح    الحزام الأمني بالعاصمة عدن يضبط ثلاثة متهمين بممارسة السحر والعبث بالآثار عدن    حجة.. وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس    "صهاريج عدن" على قائمة التراث العربي المعماري بقرار من الألكسو    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب مهاجرين باليمن    رئيس الوزراء يوجه بضبط أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية والتحقق من جودتها    حضرموت التاريخ إلى الوراء    سلطة التكنولوجيا هي الاولى    تقرير حقوقي يوثق 5618 انتهاكا ارتكبتها مليشيات الحوثي الإرهابية بحق النساء    القاضي المحاقري يشيد بجهود محكمة استئناف ذمار    مجلة أميركية: الحوثيون يستغلون تجارة الكبتاجون المخدر في تمويل عملياتهم العسكرية    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    السامعي والخطاب التصالحي الوطني    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    العالم مع قيام دولة فلسطينية    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    جحيم المرحلة الرابعة    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    إعلان قضائي    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحميد الحدي : الرحومي والضبي وزيران جمعتهما النزاهمة ونظافة اليد (3)
نشر في التغيير يوم 17 - 05 - 2010

في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.
وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.
"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.
تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.
"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.
* ما هو السر برأيك في النفس الشرقية التي تحب سريعاً وتكره سريعاً ؟
- اعتقد أن في النفسية العربية عموماً والشرقية خصوصاً حالة عاطفية عجيبة، فالعربي عندما يحب يحب بعنف، وعندما يكره يكره بعنف، لهذا تجد أن الحب عندنا كعرب يمتزج بالغضب.
* عندما ذهبت إلى القاهرة كان خطاب عبد الناصر طاغياً على المجتمع، إلى أي مدى أثرت فيك مواقف عبد الناصر ومصر عموماً؟
- لا يوجد أي مواطن عربي لا يحب جمال عبد الناصر، وأنا احتفظ في منزلي بآخر صور عبد الناصر مع أمير دولة الكويت عند وداعه في مطار القاهرة عام 1970، حتى أنني أمازح بعض الإخوان في الحزب الوحدوي الشعبي الناصري أو الحزب الديمقراطي وأقول لهم أتحدى أن تكون معكم هذه الصورة، ولهذا فإن هذه الصورة غالية جداً بالنسبة لي. والتيار الناصري لم يظهر بعد في ذلك الوقت.
لكن علاقتي بالدكتور قاسم سلام تركت أثراً في من ناحية التوجه القومي دون التنظيمي فأنا لم أنضم إلى حزب البعث، لكن كان عندي شعور بأن التوجه القومي أو الفكر البعثي هو الأقرب إلى معالجة قضايا الأمة، رغم علاقتي بكل القوى السياسية.
أتذكر أنني استدعيت ذات مرة إلى المباحث السياسية في مصر بناء على شكوى كيدية، وكان مدير قسم الدقي في مصر العقيد علي نور الدين، إذا لم تخني الذاكرة فدعاني وسألني عن سبب عدم عودتي بعد تخرجي من كلية الشرطة إلى صنعاء، قال لي يومها لقد حيرتنا فلم نعد نعرف أنت أيه؟، بعثي ولا شيوعي ولا ناصري ولا إخواني، إحنا عايزين نعرف، قلت له أنا عربي من اليمن فزاد تساؤله وقال: كمان؟
من حسن حظي أنه كانت تربطني علاقة جيدة بالأستاذ الفاضل حسن السحولي، سفير اليمن السابق في مصر، فلم أمكث في المباحث السياسية أكثر من ثلاث ساعات تقريباً، وعندما اتصلت به قبل ذهابي جاء وأخرجني وقال للمصريين إن خروجي على مسؤوليته، وكأنه قدم ضمانة على أساس أنني إنسان في حالي ولا أخالف في شيء.
* ما الذي شدك إلى فكر حزب البعث رغم طغيان الناصرية في ذلك الوقت؟
- كما قلت سابقاً إن ذلك ربما كان لاهتمام الدكتور قاسم سلام في استقبالنا في القاهرة، وقتها كان الرجل نشطاً في أوساط الحركة الطلابية اليمنية في مصر، وأنا كنت مرتاحاً لأنه كان يتعامل مع جميع الطلبة بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، وهذه نقطة حميدة يشكر عليها الدكتور قاسم، وكذلك علاقتي الطيبة بالأستاذ الدكتور عبده علي عثمان وبالمرحوم الشاعر الأديب عبد الله سلام الحكيمي والأستاذ رجل الأعمال المفكر والمثقف عبد الله حمود الحسيني والأستاذ عثمان عبد الجبار والأستاذ محمد أحمد الصايدي والمرحوم الأستاذ زين السقاف.
وقد كان يشدنا حتى بعد عودتنا من الدراسة سلوك بعض الشخصيات التي تمثل القدوة والمثل كالأستاذ القدير علي لطف الثور أطال الله بعمره.
* كيف جاء تعرفك على صدام حسين؟
- تعرفت على المرحوم الشهيد صدام حسين في كلية الحقوق عندما كنت أدرس في بغداد، كان يأتي يمتحن، ولكنه كان مطارداً، وكان وضعه خاصاً، كان عندما يأتي صدام حسين يتحول الدكاترة الذين يدرسونا إلى تلاميذ، كانت شخصيته طاغية، فقد كان مثقفاً وشخصيته مؤثرة كثيراً على من حوله.
* كم بقيت في العراق؟
- أربع سنوات، وكنت قد عدت خلالها مرتين إلى صنعاء، والتحقت بالعمل في وزارة الداخلية وأخذت إجازة دراسية رسمية تأكيداً على المنحة التي حصلت عليها وكانت بموافقة الوزير اللواء حسين الدفعي أطال الله في عمره، كان الهدف من ذلك أنني أثبت المرتب لوالدتي، ثم بعد تخرجي في عام 69 عدت إلى صنعاء بشكل نهائي، وأول منصب لي كان مساعد أركان حرب كلية الشرطة، بعدها توليت منصب مدير عام مكتب وزير الداخلية بعد عودتي بفترة وجيزة بأشهر، كان في ذلك الوقت الوزير هو اللواء أحمد الرحومي أطال الله في عمره ثم جاء من بعده اللواء عبد الله الظبي، الذي أتمنى له الشفاء وطول العمر، ثم جرت انتخابات لمجلس الشورى في إبريل 71، وكان هناك نص في الدستور يقول أن 20بالمائة من المجلس يتم بالتعيين، وكان من حظي أن أكون أحد أعضاء المجلس بناء على رغبتي لأنني بدأت أشعر وأنا في الداخلية أن العمل التشريعي أفضل بالنسبة لي، فقد كنت في ذلك الوقت أحد الحاصلين على بكالوريوس الحقوق.
كان عدد أعضاء مجلس الشورى حينها 159 عضوا، وكانت هناك ما أطلق عليها في ذلك الوقت "كتلة الشباب"، وعدد أعضائها قليل ومعظمهم كانوا من المعينين، لكن كان لهم التأثير الأكبر في تحريك المجلس، كما كانت هناك شخصيات كبيرة انتخبت انتخاباً مباشراً، لهذا كان مستوى المجلس ممتازاً، وقد مارس العمل التشريعي والعمل الرقابي بطريقة راقية جداً، وأتمنى لو أنكم تعودوا إلى محاضر مجلس الشورى كأول تجربة تشريعية في اليمن بشطريه، فقد كانت تجربة راقية جداً.
* ماذا أضافت لك تجربة العمل في وزارة الداخلية؟
- لا شك أن عملي في الداخلية كان امتحاناً حقيقياً لقدراتي، وقد استطعت كضابط أن أبرز في عملي، وكما يقول الآخرون أنني أستحق هذا العمل الذي كنت فيه، وكان اللواء أحمد الرحومي واللواء عبد الله الضبي يقولان إنني من أفضل الضباط من الناحية الإدارية ومن حيث الكفاءة والقدرة على إدارة الأمور، رغم تواضع الإمكانيات ومحدوديتها حينها، كانت لدي قدرة على التقاط كل ما يدور، ليس الجانب الاستخباراتي فقط ولكن الجانب الحقوقي للمواطنين، وقد تعلمنا نظرياً كيف نمنع الجريمة قبل وقوعها وطبقناها فعلاً في ذلك الوقت، لأن أية حالة أمنية بسيطة تزعج السكينة العامة.
كانت هناك هيبة للدولة وخوفاً منها، اليوم نقدر نقول أن ذلك تلاشى، تشعر وكأن أجهزة الدولة ليست معنية بالخلافات بين المواطنين وإحقاق الحقوق، كانت المرافق الأمنية رغم شح الإمكانيات وحداثة نشأتها في ذلك الوقت أكثر فعالية، صحيح أنه حصل توسع كبير وتوحد اليمن بشطريه، لكن الجانب الأمني مهم جداً لأن دماء الناس وأعراضها وأموالها هي الأساس في تثبيت الاستقرار والحقوق في المجتمع وإلا من الممكن أن يحصل أي شيء أكبر.
لهذا استفدت من الناحية الإدارية باعتباري كنت مدير مكتب وزير الداخلية، وهذا المنصب يعتبر العمود الفقري بالنسبة للوزير، وعلى مختلف المستويات، المدير بالمفهوم الحقيقي هو الذي يحضر لاجتماعات الوزير، وهو الذي يطرح المقترحات، فكانت تجربة مفيدة رغم المحدودية الزمنية، لكنني استفدت وفتحت لي هذه الوظيفة مدارك كبيرة وعرفت ما هو السلبي وما هو الإيجابي كما توليت في نفس الفترة إلى جانب عملي مدير عام مكتب وزير الداخلية أميناً عاماً للمتحف الوطني وكنت بذلك أول من أسس المتحف الوطني.
* إذا سألناك عن الوزيرين اللذين اشتغلت معهما أيهما كان أكثر حزماً وأكثر انضباطاً من الآخر؟
- الاثنان كانا في نفس المستوى، اللواء أحمد الرحومي كان أكثر صلابة في اتخاذ القرار حتى ولو أخطأ، أما اللواء عبد الله الضبي فقد كان أكثر مرونة من الناحية الإدارية، لكنه كان حازماً، يعني لم يكن هناك تفريطاً في الحقوق، لكن كان لهما أسلوبين مختلفين، أسلوب اللواء أحمد الرحومي المواجهة وأسلوب اللواء عبد الله الضبي المواجهة، لكن بهدوء، لكن كلاهما كانا يتمتعان بحنكة إدارية وبنزاهة وكان هناك حرصاً على المال العام حتى على الخمسة الريالات.
* أي النموذجين كان أقرب أليك؟
- كلاهما، بالنسبة للواء أحمد الرحومي كان أقرب إلي من حيث الجانب الفكري والثوري، اللواء عبدالله الضبي كان هو نفس المستوى من حيث التوجه، لكن أكثر عقلانية، يعني لا ينهرك ولا يخاف منه أحد بل بالعكس تستفيد من الحنكة الإدارية التي كان يتمتع بها.
وأنا آسف لأنني أضع تقييماتي لهاتين الشخصيتين الوطنيتين الكبيرتين، التي اعتز أنني تتلمذت على أيديهما من الناحية الإدارية وتحت إشرافهما، إلا أن المنطلقات واحدة، لكن طريقة اتخاذ القرار تختلف.
* ألم تصادفك قضايا كبيرة أثناء عملك في وزارة الداخلية أو تعاملت مع مواقف حرجة؟
- كانت هناك قضايا وتحديات عديدة، كان أمامنا ملف النشاط العام، سواءً على مستوى نشاط الأجهزة الرسمية التنفيذية ونشاط المحافظات، والتي كانت تسمى حينها ألوية أو على مستوى جمع المعلومات الخاصة بالأمن الداخلي أو المخابرات العامة، في تلك الفترة كل شيء كان مرتبطاً بوزير الداخلية، لم يكن هناك ارتباطاً مباشراً مع رئيس المجلس الجمهوري، كان مصدر المعلومات بالنسبة للرئيس القاضي المرحوم عبد الرحمن الإرياني هو مكتب بوزير الداخلية، فقد كان مصدر جمع المعلومات والتحليل والمقترحات للمعالجة، لهذا لم يكن الدور إجرائياً بقدر ما كان دوراً يساعد إلى جانب المعلومة في معرفة ما يحدث وما يتخذ من قرارات.
كانت وزارة الداخلية في فترة اشتغالي فيها غرفة تحليل أكثر مما كان دوراً انضباطياً، لهذا كانت الحوادث الجنائية محدود جداً.
في مجلس الشورى
* كيف تتذكر الجلسة الأولى في مجلس الشورى؟
- لقد أتيحت لي بحكم عملي كمدير عام لمكتب وزير الداخلية أن أشرف مباشرة على أول انتخابات تشريعية تشهدها اليمن عام 71؛ فالمدن الرئيسية هي التي حصلت فهيا انتخابات حقيقية، مثل: الحديدة، تعز، إب وصنعاء، وكانت هناك منافسة انتخابية، وبالتالي لا تستطيع أن تقول أن هذا قد فاز على الآخر، كان كل يحترم الآخر، مثلاً يوسف الشحاري رحمه الله حينما رشح نفسه في مدينة الحديدة الكل انتخبه وكذلك المرحوم الأستاذ علي عبد العزيز نصر الكل انتخبه، وكذلك الأستاذ محمد عبد الرحمن الرباعي في صنعاء، كانت هناك لأول مرة صناديق اقتراع، واقتراع سري غير مباشر، وهذه اعتبرها بدايات.
وعندما تم اختياري ضمن المعينين ال20 بالمائة أديت اليمين الدستورية مع الآخرين بشكل طبيعي، أول مهمة تواجه عضو المجلس هي اليمين وبعد ذلك يبدأ يتكيف مع الوضع.
* طوال فترة بقائك في مجلس الشورى من 71- 75، هل كانت قضايا حساسة طرحت على المجلس للنقاش؟
- أتذكر أنه عرض علينا واحداً من القوانين الهامة، وهو قانون البنوك، وحصل حوار طويل عريض حول الفوائد، هل هي محرمة باعتبار أنها نوع من أنواع الربا أم أنه يجوز التعامل معها؟، وقد اهتدى الجميع إلى نتيجة من خلال اللجان الدستورية والقانونية ولجنة تقنين أحكام الشريعة التي كانت تضم كبار علماء اليمن في المجلس، واستقر الرأي على تسمية الفوائد (مصاريف إدارية) بنسبة 2.5بالمائة، على اعتبار أن البنك يحتاج مبنى وموظفين وقرطاسية، لكن كان هناك تحفظ واستمر التحفظ عليه، وهو أنه فيما يتعلق بالقروض الشخصية لابد أن تكون مجانية (بدون فوائد)، كون هذا البنك يقدم أو لا يقدم هذا شيء آخر، ولكن مبدأ أساسي أنه رفض الفوائد الربوية، خاصة بما يسمى الفوائد المركبة لأنها فوائد على الفوائد تصديقاً لقوله تعالى: {أَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
موضوع آخر طرح في البرلمان ما يتصل بالمشاركة في مؤتمر الشباب والطلبة الذي تقرر عقده في الجزائر سنة 72، وكان وفد اليمن المشارك من مختلف الشرائح الاجتماعية وبالذات المثقفين والشعراء والأدباء ومنه شخصيات كبيرة جداً من مجلس الشورى ومن بعض الوزارات تقريباً، حيث شارك في ذلك المؤتمر 150 عضواً، كان من ضمن هذا العدد الكبير 7فتيات من بينهن الدكتورة رؤوفة حسن، والأخت الفاضلة رشيدة الهمداني وأتذكر أنه كان هناك رفضاً من قبل المجلس في بادية الأمر، وكان البعض يقول كيف تسافر المرأة بدون محرم وتختلط مع الشباب، خاصة وأنها قادمة من بلد إسلامي، وكانت هناك تهم تصدر من بعض الشخصيات التي كانت متشددة حينها، حينما ذهب الوفد وسمعوا الذين كانوا يمانعون أن المشاركة طيبة وأنه كانت هناك حالة من حالات الحصافة وحالة من حالات العفاف تغيرت المفاهيم وتقبلوا الفكرة، ومن هنا بدأت المرأة تأخذ دورها في المجتمع.
* هل تتذكر بعض أعضاء مجلس الشورى في تلك الفترة ممن مازالوا أحياء؟
- هناك الكثير لا أستطيع تذكرهم جميعاً اليوم، لكن كان من بينهم الأستاذ محمد حسن دماج، والأستاذ عبد السلام خالد كرمان، واللواء عز الدين المؤذن، والأستاذ محمد عبد الرحمن الرباعي، والشيخ عبد الله صوفان، والشيخ سليمان الفرح، والشيخ فيصل مناع وغيرهم كُثر، كما أنني لا أنسى تأثري الكبير بالأخ سيف أحمد حيدر.
قصتي مع الحمدي
* بعد مجلس الشورى إلى أين اتجهت؟
- قبل حركة 13 يونيو 1974، انخرطت في الحركة التعاونية وكنت عضو الهيئة الإدارية ومدير عام هيئة تطوير صنعاء، وشاركت في هذا المجال وكانت مشاركة طيبة وإيجابية، أول مشاريعنا كان مشروع مياه صنعاء وحصلنا على تمويل أربعة آبار من جمهورية العراق وبئرين من وكالة التنمية الدولية، وبدأن نربط شكة المياه إلى البيوت، كما اهتممنا بتسوير المقابر والتشجير وتعبيد الشوارع وكانت هناك حركة نشطة وتطوعية، وميزة الحركة التعاونية أنها كانت حركة تطوعية مجانية.
وعندما قامت حركة 13 يونيو 1974 وجُمد مجلس الشورى عُينتُ وكيلاً لوزارة البلدية بدرجة وزير، وكان ذلك في عهد الأخ المهندس القدير مطهر الناظر، واشتغلت في البلديات وبعدها قدمت استقالتي لظروف خاصة.
* كم استمررت في هذا المنصب؟
- استمررت سنتين تقريباً، وبعد ذلك وقع حادث اغتيال الحمدي رحمه الله، فذهبت للدراسة في بريطانيا.
* هل كنت قريباً من الرئيس إبراهيم الحمدي؟
- لم أكن قريباً منه بالطريقة المباشرة، لكن كان هناك احترام بيني وبينه، فقد كنت على الدوام أتجنب أن أكون قريباً من مصدر القرار، هكذا سلوكي منذ تلك الفترة وحتى اليوم، لابد أن يكون الإنسان حذراً.
* ما الذي كان يميز إبراهيم الحمدي عندما كان رئيساً كإنسان؟
- كان شخصية مثقفة ومتواضعة، وكان الطموح أهم الصفات فيه، كان لديه إلماماً جيداً بالأمور الشرعية بحكم نشأته تربوياً، فهو ابن قاضٍ في الأساس، ثم أن ممارسته للقضاء كمساعد لوالده في ذمار ساعده في هذا الجانب، وفي الأخير فله إيجابيات تماماً كما له أخطاء.
كان الحمدي يجامل كل البشر وكان يحب الحياة، وكان يحب المفاجآت في تفقد أوضاع الوزارات ومرافق الدولة، كما كان يعالج بعض الأمور بنفسه، وأتذكر ذات مرة عندما كنت في البلدية وقدمت استقالتي بسبب خلاف حول قضية شق الشوارع في صنعاء فوجئت بقيامه بزيارتي إلى البيت ثم إلى المكتب، ثم ذهب معي إلى الأرض التي حصل عليها الخلاف.
ومن الجوانب التي تشعر من خلالها أنه كان يريد فرض النظام حتى على أقرب الناس إليه - وهذه ميزة طيبة فيه- أتذكر أنه في إحدى المرات عرف أن هناك أرضية لأخيه عبد الله، وكان التخطيط يتطلب أن يتم فتح شارع في الأرض، وفتحنا الشارع ولم نجد أية مشكلة على أرض أخيه فقال ما الذي تريده من عبد الله؟ قلت له (لحاجة في نفس يعقوب) فهو فهم، وكان هناك بعض المتطوعين الذين كانوا يحرضونه علي، ويقولون له إن الحدي لم يعبّد الشارع إلى بيتك وهو قريب من شارع حدة، ولم يكن شارع حدة معبداً في ذلك الحين، والشارع الوحيد المعبد كان شارع الزبيري، وكانوا يريدون فرعاً إلى بيت الحمدي فقال لهم اتركوه يعمل، وعندما بلغني هذا ذهبت إليه وقلت له إنني عملت هذا حتى لا يقال أن تعبيد الشارع كان من أجل الرئيس، لهذا كنت تجد الحمدي أكثر تفهماً لطبيعة مسؤولية الدولة فلم يكن يتهاون فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.