اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العاطلون عن العمل.. أزمةٌ مضاعفةٌ ومعاناةٌ مُركَّبةٌ (تحقيق)
نشر في الوحدوي يوم 24 - 10 - 2015

وجد كثيرٌ من اليمنيين أنفسهم عاطلين عن العمل، بعد أن توقفت الأعمال والأنشطة الاقتصادية، وأغلقت عديد محلاتٍ ومؤسساتٍ أبوابها، أو سرَّحت بعض عمالتها، فيما واجه البعض الآخر ممن قُلِّصت أجورهم، عجزاً عن الوفاء بالتزاماتهم المالية ومتطلّبات معيشة أسرهم التي ينهشها جحيم الجوع.
ترجع هذه النتائج المأساوية إلى الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة في اليمن، والتي خلقت أوضاعاً إنسانيةً قاسيةً يعانيها بسطاء المواطنين أكثر من غيرهم، إضافةً إلى تضرُّر بعض الميسورين من تداعيات الأزمة التي أثّرت على أعمالهم.
وتزداد صعوبة هذه الأوضاع المعيشية، بترافقها مع حالة الركود الاقتصادي وارتفاع الأسعار، ما يضاعف معاناة المتضررين منها، ويدفعهم إلى اتخاذ قراراتٍ صعبةٍ، وانتهاج إجراءاتٍ قاسيةٍ بحقِّ أنفسهم وأسرهم، ومن ذلك الاضطرار لبيع الأثاث والممتلكات، أو استجداء صدقات المحسنين، أو اللجوء إلى أعمالٍ بديلةٍ، أو السفر إلى الأرياف والعيش كعالةٍ على الأهالي هناك.
تحقيق – فائز عبده
يستيقظ عبدالسلام مهيوب، عند الساعة ال6 صباحاً، كعادته أيام العمل، حينما كان عليه أن يصل بعد أقلَّ من ساعةٍ إلى المدرسة التي يعمل فيها، لتجهيز المعدات والمستلزمات والمكونات التي تتطلّبها الوجبات الرئيسية والمأكولات التي يقدمها "المقصف" للطالبات. لكنه خلال الشهور الأخيرة أضحى يقضي ساعات الصباح الأولى في الجلوس مع أسرته، قبل أن ينطلق في شوارع صنعاء بحثاً عن عملٍ بديلٍ.
رحلاتٌ يوميةٌ بحثاً عن عمل
يقول عبدالسلام ل"الوحدوي" إن عمله في مدرسة أروى للبنات، توقف مع انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، في مارس الماضي، نتيجةً لإغلاق المدارس بسبب العمليات العسكرية. فصار يخرج من بيته عند ال9ت، ليبحث عن عملٍ؛ حيث يتردَّد على أصدقاء، وعلى كافتيرياتٍ ومعاملَ وأية محلاتٍ، يسأل إن كانت لديهم فرصة عملٍ. موضحاً أنه يعود بعد الظهر متعباً، فيرتاح من عناء ذرع الشوارع سيراً على قدميه، بحثاً عن عملٍ وعن مصاريف البيت.
ويضيف أنه يمضي فترة المساء في تذكُّر أصدقاء قدامى أو فرصٍ عُرضت عليه سابقاً، قبل أن ينام ليبدأ صباح اليوم التالي رحلة بحثٍ جديدةً... "وتتكرر الرحلات يومياً دون جدوى أو فائدة، وبالكاد أعود في بعض الأيام بمصروفٍ بسيطٍ، مساعدةً أو سلفةً من صديقٍ، أشتري به شيئاً للغداء" يقول عبدالسلام الذي ظل يقطع مسافاتٍ طويلةً لأكثر من 5 أشهرٍ، ويعود كلَّ يومٍ منهكاً وخالي الوفاض، إلى منزله الكائن في أقصى غرب مدينة صنعاء، والذي تنتظره فيه زوجةٌ و4 بناتٍ، بشوقٍ لبشرى سارةٍ أو أخبارٍ جيدةٍ، حسب تعبيره.
مساعداتٌ خفّفت من قسوة الظروف
ويستطرد عبدالسلام قائلاً إنه عاش طوال تلك الفترة ظروفاً سيئةً وقاسيةً، وعجز عن توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته، حتى إنه باع بعضاً من ممتلكاته لعلاج ابنته. لافتاً إلى أنه أمضى أياماً من غير غازٍ، معتمداً على الحطب الذي يتطلَّب رحلات بحثٍ أخرى خاصةً به، فضلاً عن رحلات جلب الماء.
وأوضح في حديثه ل"الوحدوي" أنه تلقّى بعض المساعدات المالية والمعونات الغذائية التي خفَّفت من وطأة الأزمة، خلال الفترة الماضية التي أكد أنها "أظهرت حقيقة بعض الناس الطيبين الذين قدموا مساعداتٍ، ولم يبخلوا بدعم المتضررين من الأزمة".
وأكد أنه لم يفقد تفاؤله، ولم يتخلَّ عن الأمل في المستقبل والثقة بالله تعالى، وواصل البحث عن عملٍ حتى حصل مؤخراً على عملٍ في كافتيريا، بدوامٍ جزئيٍّ، في الفترة المسائية، وبمقابلٍ زهيدٍ جداً مقارنة بما كان يتقاضاه من عمله السابق. متمنياً أن تنفرج أزمة البلد، وتتحسن الأوضاع المعيشية.
البدائل المتوفرة
لجأ كثيرون ممن فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة الحالية، إلى امتهان أعمالٍ بديلةٍ يحاولون بواسطتها الحصول على احتياجات معيشتهم ونفقات أسرهم، ومن تلك البدائل المتوفرة: ممارسة البيع في الشوارع والجولات، أو بيع القات، أو الانخراط في "السوق السوداء لبيع المشتقات النفطية"، أو الالتحاق بصفوف المتسولين في الشوارع، أو استجداء صدقات المحسنين في المساجد، ومنهم من اضطرَّ إلى مغادرة صنعاء والعودة إلى مناطقهم في أرياف المحافظات، ليعيشوا هناك عالةً على الأهالي، أو يمارسوا الأنشطة الزراعية في أراضيهم، أو أعمالاً بالأجر لدى آخرين، فيما اتجه البعض إلى الانضمام إلى أحد أطراف الصراع المسلح.
مشروعٌ ناجحٌ
على العكس من عبدالسلام الذي قضى شهوراً في البحث عن عملٍ، قرر محمد صالح، بداية الأزمة، أن يستدين من بعض أصدقائه مبلغاً يضيفه إلى ما ادَّخره من عمله الذي فقده منذ 6 أشهرٍ، ليشتري "عربية جاري" يبيع عليها مشروبات الطاقة ومشروباتٍ غازيةً وعصائرَ. وقال ل"الوحدوي" إنه نجح في مشروعه هذا؛ حيث "حصلتُ في ظرف أيامٍ، على كل المبالغ التي أنفقتها في تأسيس المشروع، وقضيتُ ديوني".
وأضاف محمد أنه استمر في عمله هذا وتنميته بإضافة سلعٍ أخرى، "حتى بدأت درجات الحرارة في الانخفاض، ففكرتُ في البديل الذي وجدته في بيع الخضروات والفواكه، وتوسيع العملية لتشمل عدة بسطاتٍ وعربياتٍ بمساعدة بعض الأقارب". مشيراً إلى أنه لم يعش ظروفاً صعبةً بسبب الأزمة التي أفقدته عمله؛ ذلك لأنه حصل على عملٍ بديلٍ، لكنه يعرف أشخاصاً من أقاربه وأصدقائه كبَّلهم سوء الحظ، وظلوا عاطلين عن العمل يتلقون المساعدات، ويعانون شظف العيش ومرارة الفاقة، حدَّ تعبيره.

لا مساعدات ولا عمل
امتهن عبدالرحمن حميد "بيع القات" للحصول على دخلٍ ينفق منه على أسرته المكونة من 6 أفراد، بعد أن ظل لفترةٍ يبحث عن عملٍ، قال إنه صرف خلالها كل مدّخراته، واضطرَّ إلى بيع بعض ممتلكاته لمواجهة التزاماته تجاه المؤجر الذي أكد أنه لم يتساهل في تحصيل إيجاراته أولاً بأول. ولفت في حديثه ل"الوحدوي"، إلى أنه استدان مبالغَ كثيرةً لتوفير الأكل لأفراد أسرته، الذين قال إنهم عاشوا أياماً على وجبةٍ واحدةٍ. ومؤكداً أنه لم يتلقَّ مساعداتٍ من أحدٍ، ولم يحصل على أية معوناتٍ من التي سمع أن أسراً حصلت عليها من منظمات إغاثةٍ أو من فاعلي خيرٍ، حسب قوله.
وأضاف عبدالرحمن الذي كان يعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، أنه يحصل حالياً على القليل من الدخل الذي "لا يغطي تكلفة الاحتياجات الأساسية لمعيشة الأسرة"، لكنه يجد نفسه "أفضل حالاً من كثيرين لم يجدوا عملاً بديلاً يكسبون منه لقمة عيشٍ لهم ولأسرهم، وظلوا يرزحون تحت أوضاعٍ إنسانيةٍ قاسيةٍ". معبراً عن استيائه من نتائج الأزمة التي يعاني منها البسطاء من المواطنين أكثر من غيرهم؛ حيث "يعايشون ويلاتها، ويكتوون بنيرانها دون أن يكون لهم يدٌ فيها"، حسب تعليقه.
وأشار إلى أن هناك من "اضطرّ إلى التسوّل في الشوارع أو طلب صدقات المحسنين في الجوامع، بعد أن عجز عن القيام بواجباته تجاه أسرته، ولم يحصل على عملٍ".
فرصٌ شحيحةٌ وأوضاعٌ مأساويةٌ
يؤكد عبدالسلام أن فرص العمل شحيحةٌ جداً، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي أثرت على كل مجالات الحياة في اليمن، الأمر الذي "يزيد من معاناة الأسر التي فقد عائلوها أعمالهم بسببها، ووجدوا أنفسهم على رصيف البطالة الذي اتسع كثيراً ليستقبل أعداداً متزايدة من المتضررين"، حدَّ تعبيره.
وقال إنه يعرف أشخاصاً "باعوا بعضاً من ممتلكاتهم وأثاث منازلهم وحلي زوجاتهم، للوفاء بالتزاماتهم المالية المختلفة، وعلى رأسها الإيجارات"، حسب تأكيده ل"الوحدوي"، إضافةً إلى توفير احتياجات أسرهم، حسب قوله.
وأفاد "م.ف" أنه ما يزال حتى ساعة تسجيل حديثه، يبحث عن عملٍ بديلٍ لوظيفته التي فقدها مع بداية الأحداث العنيفة المستمرة منذ نصف عامٍ، مؤكداً أنه لم يحصل على أية فرصة عملٍ توفر له مصاريف أسرته التي "تعيش مأساةً إنسانيةً، حيث يتناولون بعض الأيام وجبةً واحدةً، وينامون أحياناً بدون عشاءٍ". موضحاً أن "الجوع يحاصر الأطفال، والبؤس يخيّم على أجواء البيت"، بسبب الفاقة وشحة ما يتوفر من غذاءٍ، حسب وصفه.
وقال ل"الوحدوي" إن "انعدام فرص العمل يضاعف معاناة الناس جراء الأزمة التي تمرُّ بها البلاد، ويزيد وطأة الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنون"، منوهاً إلى أن "من فقدوا أعمالهم أكثر تضرراً من الأزمة" التي قال إنها "طالت أكثر من اللازم، وزادت من معاناة البسطاء والمساكين من أبناء الشعب اليمني".

خياراتٌ صعبةٌ وبدائلُ خطيرةٌ
لم يجد مختار أمامه من خيارٍ سوى العمل مع أحد تجار "السوق السوداء للمشتقات النفطية" في أحد شوارع صنعاء، بعد أن ظلّ في تجوالٍ مستمرٍّ للبحث عن عملٍ يعوِّض وظيفته التي فقدها إثر إغلاق فرع الشركة الخاصة، وتسريح العاملين فيه.
مختار الذي رفض الكشف عن اسمه، واعترض على التصوير، قال ل"الوحدوي" إنه بحث طويلاً عن عملٍ، وكان يحصل على أعمالٍ يوميةٍ متقطعةٍ توفر له القليل من المصاريف التي لا تفي باحتياجات أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين، مضيفاً: "كنتُ أعجز عن توفير الأكل لأسرتي في بعض الأيام، ولا أستطيع شراء مستلزمات الأطفال الضرورية".
وأكد الشاب الذي يسير في عامه ال30، أنه اضطرَّ لممارسة هذا العمل الذي قال إنه يدرك خطورته، لأنه لم يكن يملك "خياراً أفضل من ذلك"، معتبراً أن "الأمر رهيبٌ للغاية، والوضع المأساوي يصعب تحمله والتعايش معه"، حد تعبيره. موضحاً أن أخاً له أجبرته ظروفه السيئة الناجمة عن فقدان العمل في محلٍّ تجاريٍّ، على الانخراط في "شلة سوء"، حسب وصفه، لم يتضح لأسرته طبيعة الحياة التي يعيشها أفرادها، أو الأعمال التي يمارسونها، حتى عاد الابن وهو في حالةٍ مزريةٍ قال مختار إنّ من حسن حظّ شقيقه أنهم "تداركوه بالعلاج في الوقت المناسب قبل أن يفقد عقله". ولم يصفح عن أكثر من هذا.
وأضاف مختار أن أحد أقاربه وصديقاً له انخرطا في عصابةٍ مسلحةٍ بعد أن فقدا العمل، وأن تلك "العصابة تمارس أعمالاً غير شرعيةٍ، منها السطو والسرقة والتقطع ليلاً في شوارع بعض أحياء العاصمة صنعاء"، حسب قوله.
ويقول "س.ل" الذي تواجد بجوار مختار لشراء بعض الليترات من البنزين، إنه يعرف أشخاصاً "انضموا إلى اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي، بعد أن سرَّحتهم الشركات أو المحلات التجارية التي كانوا يعملون فيها، نظراً لعدم حصولهم على أعمالٍ بديلةٍ"، كما أنه يعرف آخرين "انضموا إلى صفوف المقاومة الشعبية في محافظاتهم، بعد أن أوقفت المؤسسات أو الجهات التي كانت تستوعبهم، أعمالها الإنتاجية وأنشطتها الاقتصادية".
ويضيف في مداخلته قائلاً: "لا بد أن القاعدة ستكون أحد المستفيدين من هذه الأوضاع، إذ من المؤكد أنها ستستقطب أعداداً من العاطلين عن العمل، استغلالاً لظروفهم البائسة، وحالة العوز والفراغ التي يعيشونها".

الآثار الاجتماعية والنفسية
أشار عبدالسلام مهيوب إلى أن كثيراً من المتضررين جراء الأزمة، يعيشون أوضاعاً مأساويةً؛ حيث إن "بعضهم تعرض لضغوطٍ نفسيةٍ أودت به إلى حالةٍ مرضيةٍ، وآخرين تفاقمت خلافاتهم العائلية، وأثرت سلباً على حياة أطفالهم ونفسياتهم". منوهاً إلى أن كثيراً من تلك الخلافات تصل إلى الطلاق الذي يؤثر على مستقبل الأطفال، حسب قوله.
فيما تحدث مختار عن عديد حالات طلاقٍ حدثت في حارته "بسبب خلافاتٍ ومشاكلَ ناتجةٍ عن عدم القدرة على توفير متطلبات المعيشة"، لافتاً إلى أنه تشاجر مع زوجته مراتٍ كثيرةً لذات الأسباب، لكنه استطاع تجاوزها نتيجة "حالة التفاهم" التي "تتغلّب دائماً على الشجارات، وتحول دون الوصول إلى نتائجَ وخيمةٍ"، حسب تعبيره.
وأكد ل"الوحدوي" أن بعض معارفه من الذين فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة الحالية، مكثوا في بيوتهم اعتماداً على رواتب زوجاتهم الموظفات، خاصة في مجالي التعليم والصحة. مشيراً إلى أنهم "يعانون، وإن بنسبةٍ أقلَّ، جراء تدني مدخولاتهم وانخفاض ميزانية الأسرة". وقال إن فقدان الزوجات وظائفهن يؤثر أيضاً على الحالة المعيشية للأسرة، التي تواجه نقصاً في حالتها المادية، حسب قوله.
وركز عبدالرحمن حميد على الخلافات التي تحدث بين المستأجرين والمؤجرين، بسبب ما اعتبره جشع الأخيرين، وعدم تفهمهم للظروف التي يمرُّ بها المواطنون بسبب الأزمة التي تشهدها البلاد. وقال ل"الوحدوي" إن "الملاك الجشعين لم يراعوا حالة المستأجرين المتضررين من الأزمة، حيث يسيطر عليهم حب المال، ويحرصون على أخذ الإيجار شهرياً، دون اعتبارٍ لكون المستأجر فقد عمله"، ما يصل ببعض الخلافات إلى طرد المستأجر أو اللجوء لأقسام الشرطة والمحاكم.
وأضاف أن من وصفهم بالمؤجرين الطيبين "بادروا لتخفيض الإيجارات إلى النصف، أو إعفاء بعض المستأجرين من دفع الإيجار لعدة شهورٍ"، حسب تأكيده. منوهاً إلى أن "الكثيرين أجَّلوا دفع الإيجار لحين انفراج الأزمة وتحسُّن الظروف، رغم امتلاكهم رواتبَ ومصادر دخلٍ، بينما وجد آخرون أنفسهم مجبرين على الخضوع لتعنُّت المؤجرين وجشعهم، وهم عاطلون عن العمل، واضطروا للاستدانة أو لبيع ممتلكاتهم من أجل سداد الإيجارات، وذلك تحاشياً لتفاقم الخلافات مع الملاك، وتجنباً لإقدام هؤلاء على طردهم من منازلهم".
وأشار "س.ل" إلى أن هناك من "لجأ للإقامة في منزل أحد أقاربه، بعد أن عجز عن دفع الإيجار، ولم يمرَّ إلا وقتٌ قصيرٌ، حتى بدأت الخلافات والحساسيات تظهر بين الأسرتين، والتي تكبر مع الأيام، وتكثر المشاكل التي تؤثر على العلاقات الشخصية والاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء"، حدَّ تعبيره.
تحسنٌ بعد معاناةٍ
بدأ عبدالواحد عبده ثابت، حديثه بالقول إن "الراتب لا يكفي في الأوضاع الطبيعية، فما بالك في هذه الظروف الصعبة"، مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة أثر على مستوى معيشة أسرته، بحيث لم يعد راتبه يفي بالتزاماته، خصوصاً وأن نصف الراتب يذهب لأقساط السيارة التي اشتراها قبل الأزمة، وأن ما يستلمه لا يغطي إيجار البيت. "فعشتُ ظروفاً صعبةً للغاية، ومعاناةً شديدة الوطأة؛ إذ عجزتُ عن دفع الإيجار وتوفير احتياجات المعيشة لأسرتي المكونة من زوجةٍ و3 أطفالٍ".
وأضاف المعلم في إحدى المدارس الحكومية بصنعاء: "بعتُ السيارة بنصف قيمتها، رغم أن أقساطها لم تنتهِ، وقضيتُ ديوني، واشتريتُ دراجةً ناريةً، لكن لم يمرَّ وقتٌ طويلٌ حتى تعرضتُ لحادثٍ من قبل باصٍ، رفض سائقه المساهمة في علاجي من الإصابات، فبعتُ الدراجة لتوفير تكاليف العلاج".
وأشار عبدالواحد إلى أنه أمضى شهرين عاطلاً، قبل أن يحصل على فرصة البيع في "بسطةٍ على الشارع"، حيث يأخذ بضاعةً من أحد التجار بالآجل، ويبيعها، ثم يسدد قيمتها. لافتاً إلى أنه "بعد العمل في البسطة منذ 3 أشهرٍ، تحسنت الأمور، وحصلتُ على مصروفٍ يوميٍّ مضمونٍ ولا بأس به".
نتائج الحروب
يعتبر الدكتور مشعل الريفي، أن انتشار البطالة والفقر والمجاعات نتائجُ طبيعيةٌ للحروب، إلى جانب القتل والدمار والتشرد. تزداد حدة تلك المآلات عندما تكون البلدان الفقيرة أصلاً كاليمن، هي ساحة الحروب. وقال إن "الحرب التي تدور رحاها في هذا البلد الفقير، منذ أكثر من نصف عامٍ، وما سبقها من سنوات عدم استقرار، كان لها أثر بالغ في تفاقم المشاكل الاقتصادية، وعلى رأسها البطالة والفقر".
وأضاف: لقد كانت هذه الحرب فوق طاقة اليمنيين وقدراتهم الاقتصادية، وأخذت بعدين: داخلياً وخارجياً، ما جعلها أكثر إيلاماً لاقتصاد البلد الهش من حيث الأساس. رافق هذه الحرب الظالمة ومنذ بدايتها حصارٌ اقتصاديٌّ أعلنت عنه حكومة هادي في الرياض، وطبقته قوات التحالف على مراحلَ ومستوياتٍ مختلفةٍ، مما خلَّف أزمةً اقتصاديةً خانقةً، أبرز سماتها انعدام وشح المعروض من الوقود، واختناقاتٌ كبيرةٌ في الإنتاج والتوزيع والتجارة لمختلف السلع والخدمات. أدى ذلك إلى توقف جزءٍ كبيرٍ من الأنشطة الاقتصادية، وانضمام ملايين الناس إلى صفوف البطالة والفقر العام والغذائي.
وأشار الدكتور الريفي، المدرس في كلية التجارة بجامعة صنعاء، إلى أنه "تكامل ويتكامل مع هذا الحصار الخارجي ممارساتٌ احتكاريةٌ داخليةٌ تستثمر الحصار، وتتاجر بالأزمات الناتجة عنه فتفاقمها".
وتابع بالقول: لقد حذرنا منذ بداية الحرب والحصار، من مآلاتهما الخطيرة على الشعب، ونبهنا في أكثر من لقاءٍ إعلاميٍّ أنهما سيؤديان إلى ارتفاعٍ مخيفٍ في معدلات الفقر والبطالة، وقلنا إن أشهراً قليلةً كفيلةٌ ببلوغ نسبة الفقر إلى 80٪، والبطالة إلى أكثر من 60٪، قبل أن تعلن المنظمات الدولية أرقاماً مشابهةً في ما بعد".
ولفت إلى أن "فقدان فرص العمل والدخل شمل شريحةً عريضةً من القوى العاملة، ابتداءً من فئة العمال والموظفين في مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة والمتوسطة، مروراً بأصحاب المشروعات الصغيرة وذوي المهن والحرف الحرة، وهم الفئة الأكبر، وانتهاءً ببعض العاملين في عددٍ من مؤسسات القطاعين العام والمختلط".
آثارٌ وبدائلُ خطيرةٌ
وقال الدكتور مشعل الريفي إن "آثار وانعكاسات البطالة على العاطلين عن العمل وأسرهم من اليمنيين جدّ خطيرةٌ، لأن ما هم بصدده هو نوعٌ من البطالة مجردٌ من أي شكلٍ من أشكال الضمان والتكافل الاجتماعي حكوميّ أو أهليّ أو دوليّ.. وهنا مكمن الخطورة؛ إذ يصبح العاطل عن العمل وأسرته مجردين من كل وسائل العيش بين عشيةٍ وضحاها، معرضين لمخاطر الجوع والتشرد والضياع والنبذ الاجتماعي والحرمان والضغط النفسي والعصبي، الأمر الذي يزيد من عدم الاستقرار وعدم الترابط المجتمعي، ويقود إلى مزيدٍ من التفشي لمظاهر العنف والجريمة".
وأضاف: يلجأ العاطلون عن العمل في مواجهة وضعهم الاقتصادي، إلى البحث عن بدائلَ للدخل، فمن لديهم مدخراتٌ سابقةٌ يبدؤون بصرفها، ثم يكون الخيار الثاني الاستدانة لمن يجد، ومع تضاؤل فرص هذين الخيارين تضيق البدائل، وتزداد صعوبةً وبؤساً ومهانةً... فيلجأ البعض لبيع ما لديهم من أصولٍ وثرواتٍ بمختلف أنواعها وقيمها، وتضطرّ أسرٌ إلى طلب العون والمساعدة من محيطهم الأسري والمجتمعي، ثم لا يجد البعض من خيار سوى الانخراط في صفوف طرفي الصراع كوقودٍ إضافيٍّ لهذه الحرب، باعتبار ذلك هو المصدر الوحيد للدخل المتاح أمامهم. ولعل الأنشطة غير القانونية وبعض أشكال الجريمة كالسرقة والنصب، ستكون أيضاً من نتائج مشكلتي البطالة والفقر الناجمتين عن هذه الحرب.
ونوَّه الدكتور مشعل إلى أن "بدائل الدخل الأكثر أماناً كصرف مدخرات وبيع أصول والاستدانة، تتآكل بوتيرةٍ سريعةٍ، جراء ارتفاع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، وتراجع القيمة الحقيقية للنقود. لتبقى البدائل الأخطر والأقسى من حيث تكلفتها على الفرد والأسرة والمجتمع ككلٍّ، هي الخيار أمام البعض، كالانخراط في الصراع المسلح، أو ممارسة التسول والجريمة بأشكالهما المختلفة"، حدَّ تعبيره.
وأكد أن هذه "الآثار والمعاناة لا تقتصر على فئة العاطلين عن العمل، ومن فقدوا فرص عملهم، وإن كانوا الأكثر تأثراً، بل إنها تمتدّ لفئة الدخول الثابتة والمحدودة، والذين لم يفقدوا أعمالهم، لكن دخولهم الحقيقية (القوة الشرائية للدخول) انخفضت إلى أكثر من النصف جراء الارتفاع الهائل في أسعار السلع والخدمات، الناجم عن الحرب والحصار والممارسات الاحتكارية المصاحبة لهما.. هذه الفئة أيضاً تصبح دخولها غير كافيةٍ لتلبية احتياجاتها الأساسية، فتزاحم فئة العاطلين عن العمل في البحث عن البدائل المشار إليها، بدلاً من أن تكون رافداً لها".
وقال: لقد فشلت برامج المساعدات الدولية فشلاً ذريعاً في الحالة اليمنية، وهو فشلٌ مسكوتٌ عنه في وسائل الإعلام. وما وصل منها على شحته كان ولا زال يُدار بطريقةٍ سيئةٍ، ليتحول إلى أيدي غير مستحقيه، ويكون عرضةً للتوظيف السياسي والمتاجرة والتربح، حدَّ تعبيره.
وأضاف أن "الكلفة الاقتصادية لهذه الحرب باهظةٌ، والمعاناة الاقتصادية الناجمة عنها كارثيةٌ من حيث الحجم والأبعاد والانتشار.. لكن للأسف الشديد جميع أطراف النزاع لا يلقون لذلك بالاً، ومنهمكون في الحرب حتى النهاية، حتى الطلقة الأخيرة، وإلى الرمق الأخير"، حسب قوله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.