قضية محافظة أبين، سواء المتعلقة بطبيعة الحرب الدائرة هناك بين القوات الحكومة وأنصار الشريعة، أو المتعلقة بوضع النازحين، هي قضية خاصة جدا، ومن الأجدى التعامل معها بشكل خاص بعيدا عما يتم في إطار الثورة أو بأدواتها، حتى لا تأتي النتائج سلبية. وتتمثل خصوصيتها في أنها أرض حرب مفروضة بقرار من الخارج، ولا حول ولا قوة للداخل فيما يجري فيها، وإلا لما مثل تواجد أنصار الشريعة في المحافظة مشكلة تُذكر، كما هو الحال مع محافظة صعدة وجماعة الحوثي، إن تعلق الأمر بالتسليم بما صار أمر واقعا في ظل عجز الدولة عن فرض أمر واقع أو في ظل غيابها. وقضية محافظة أبين لا تختلف كثيرا عن قضايا أخرى لا ينبغي التعامل معها ببعض وسائل الثورة، كالقضية الجنوبية، لهذا لم تكن فكرة "مسيرة الوحدة" إلى عدن، راشدة من وجهة نظر الكثيرين، كونها تعيد إلى أذهان الجنوبيين العقلية التي كان نظام صالح يتعامل بها معهم ومع قضيتهم. ومع ما في التعامل بالمسيرات الراجلة مع كثير من القضايا الكبيرة من تسطيح لها، إلا أن هذا التعامل أيضا قد يُوظف بشكل سيء، ربما يضر بالقضية أكثر مما يخدمها، ولو قارنا بين ما حققته "مسيرة الحياة" من مكاسب وبين ما خلفته من تبعات، ربما كان منها اعتماد المسيرات الراجلة كحل فعال لقضايا كبيرة، لخلصنا إلى أن على كل قضية أن تُحل في إطارها الخاص وبوسائلها الخاصة. ومن القضايا التي يجب أن تُحل في إطارها الخاص وبوسائلها الخاصة، قضية محافظة أبين، بعيدا عن استغلال الوضع الإنساني لنازحي المحافظة لتحقيق مكاسب لا تمت لهؤلاء النازحين بصلة، بل تضاعف من مأساوية وضعهم الإنساني وتعقده أكثر. *من يحكم أبين هناك جيش نظامي متهم من قبل المعارضة بأنه جيش عائلة، وآخر متهم من قبل النظام بأنه منشق ومتمرد، والجيشان يحاربان أنصار الشريعة في محافظة أبين لأن أمريكا تريد ذلك، وليس لأمر آخر، إذ لو فقدت أمريكا هيمنتها وسيادتها على العالم لانتهت مشكلة القاعدة في البلدان العربية والإسلامية. وفي المقابل تتواجد داخل محافظة أبين قوة مسلحة غير قانونية، لكنها فرضت نفسها كأمر واقع، واستطاعت أن تتعايش مع أبناء المحافظة بل وأن تدير أمورهم مثل سلطة، كما حدث في محافظة صعدة من قبل جماعة عبد الملك الحوثي تماما، رغم تفاوت مستوى التقبل بين مواطني محافظتي أبين وصعدة لجماعة الحوثي ولأنصار الشريعة. والمهم من ذلك هو أن هناك صراعا آخر يدور في محافظة أبين على هامش الصراع مع جماعة أنصار الشريعة، بين النظام وبين خصومه، ففي أكثر من مرة قالت وسائل إعلام المعارضة إن الطيران الحربي اليمني قصف قوات الجيش وقصف مقاتلي القبائل المساندين لها أكثر من مرة، وتحدثت تلك الوسائل عن ضحايا بالعشرات سقطوا بين قتيل وجريح. وتتهم وسائل إعلام النظام جهات في المعارضة بالوقوف وراء ما يجري في محافظة أبين. وبرغم أن ما تقوله وسائل إعلام نظام الرئيس صالح يبدو بعيدا جدا، ولمجرد الاتهام لا أكثر، إلا أنه يؤكد وجود صراع كبير على هامش الصراع الأكبر. لكن الأهم من ذلك هو الإشارة إلى أن الصراع اقتصر على مدينة زنجبار عاصمة المحافظة منذ وقت مبكر، وهو ما أدى إلى الكارثة الإنسانية المتعلقة بالسكان الذين نزحوا من المدينة إلى محافظة عدن وغيرها من المحافظات القريبة، أما باقي محافظة أبين التي يحكم أنصار الشريعة قبضتهم على جل مديرياتها، فمستقرة ويمارس سكانها حياتهم فيها بشكل طبيعي. ومع أن أنصار الشريعة لا يفرضون على سكان محافظة أبين رأيا مؤيدا أو معارضا للثورة، بل إنهم يؤكدون تأييدهم لها ولمطالبها، وكذا لا يفرضون عليهم رأيا مؤيدا أو معارضا للحرب الدائرة هناك، إلا أن مسيرة واحدة لم تتحرك من باقي مديريات المحافظة إلى مدينة زنجبار تطالب بما طالبت به المسيرة التي قدمت من عدن لنازحي المدينة. لكن سكان زنجبار هم المعنيون بالأمر، على اعتبار أنهم المتضررون مما يجري في مدينتهم من قتال، ومن حقهم العودة والمطالبة بوقف القتال الدائر هناك، سواء بين الجيشين التابعين للنظام وللمعارضة أو بين هذين الجيشين من جهة وبين أنصار الشريعة من جهة أخرى. وجدير القول إن أنصار الشريعة ليسوا ضد فكرة عودة نازحي المدينة إلى بيوتهم، خصوصا وأن معظم مقاتلي الجماعة هم من أبناء المحافظة، وبين النازحين من مدينة زنجبار أقارب لهم، إلا أنهم ضد إعادتهم بشكل يحقق لآخرين مكاسب لا للسكان، إن لم يتضرروا أصلا من العودة بتلك الطريقة، لأن عودتهم يجب أن تتوقف على توقف القتال أولا، أما العودة عبر مسيرة تطالب بتوقف قتال قراره خارج إرادة النظام والمعارضة، فغير مجدية، إذ ليس على القتال أن يتوقف من طرف واحد أو بشروط طرف واحد فقط، وإلا لكان على المعارضة والقوى التي يُقال إنها مؤيدة للثورة أن لا تشترط إزالة المظاهر المسلحة التابعة للنظام من شوارع محافظة تعز وغيرها مقابل إزالتها هي للمظاهر المسلحة التابعة لها. كما أن قصف معسكر الصمع الذي شرد الآلاف من أبناء مديريتي أرحب ونهم في العاصمة صنعاء، لا يختلف عن قصف اللواء 25 ميكانيكي وقصف الطيران الحربي الذي شرد الآلاف من مدينة زنجبار في محافظة أبين، بحسب مقاتلي أنصار الشريعة. وحول هذا يتساءل القيادي في تنظيم القاعدة فهد القُصع في حوار أجريته معه قبل أشهر: "إذا خرجت هذه القوات العسكرية التابعة للنظام من أرحب ومن أبين ومن تعز فما هو المانع أن يعود النازحون إلى بيوتهم آمنين, وإذا كان المقصود القصف الأمريكي فالأمريكان قد قصفوا البدو الرحل في المعجلة بأبين وقصفوا مناطق في مآرب وفي شبوة والجوف". إذن.. هناك فرق بين العودة الطبيعية للنازحين في ظل ظروف طبيعية، وبين "مسيرة العودة" بهذا الشكل وفي ظل هذه الظروف، والأول هو ما لا يعارضه أنصار الشريعة بل ويسعون لتحقيقه، لكن ليس بعيدا أن يكون الذين ركبوا موجة "مسيرة الحياة" الراجلة من محافظة تعز إلى صنعاء، أو حاولوا استغلالها، هم الذين يقفون وراء المسيرة الراجلة من محافظة عدن إلى محافظة أبين، للأغراض ذاتها. *لماذا لم يستقبل الجيش مسيرة الكرامة الراجلة؟!! منذ أشهر ظلت كثير من وسائل الإعلام المحلية تتحدث عن تحرير الجيش لمدينة زنجبار، أو عن تقدمه في معاركه هناك، وأحيانا، أو كثيرا، كانت تصف ما يجري بأنه تمشيط للمدينة أو مطاردة لمن تبقى من فلول مقاتلي أنصار الشريعة في أطرافها بعد أن فر معظمهم إلى مدينتي جعار وشقرة القريبتين، وتؤكد بأن الجيش هو من يحكم سيطرته على المدينة. لكن تلك الوسائل ذاتها عادت لتتحدث اليوم عن منع مقاتلي أنصار الشريعة مسيرة النازحين من الدخول إلى مدينة زنجبار، وتؤكد، بغير شعور ربما، أنهم اعترضوا المسيرة في المنطقة التي كانت تؤكد أيضا قبل أيام أن الجيش يقصف منها المسلحين في أطراف المدينة. ويتضح من خلال الأخبار التي تناولت مسيرة النازحين أن المناطق التي قيل إن الجيش يقصفها، والمناطق التي قيل إن الجيش يقصف منها، تقع تحت سيطرة مقاتلي أنصار الشريعة، بالإضافة إلى المناطق الأخرى التي لا يقصفها الجيش أو يقصف منها. وهنا نتساءل عن مدينة زنجبار التي تسابق النظام والمعارضة على النصر الذي قيل إنه تحقق فيها قبل أشهر، تماما كتسابقهم على تبادل التهاني والتبريكات مع الطرف الأمريكي به، نتساءل: هل كانت تلك المدينة هي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين أم مدينة أخرى تحمل هذا الاسم؟!!. وبالعودة إلى أخبار وسائل الإعلام تلك، فقد أشارت أكثر من مرة إلى أن المسلحين فخخوا المدينة بالعبوات الناسفة، كما قاموا بتلغيم المداخل والمخارج فيها، تحسبا لنجاح الجيش في عملية الاقتحام. لكن بما أن الجيش لم ينجح في ذلك، وبما أن الألغام والعبوات لازالت موجودة، إن كان ما قالته تلك الوسائل صحيحا، فلماذا بدتْ مستاءة من منع أنصار الشريعة مسيرة النازحين من الدخول!!. *الفضلي نازح لم يشارك في المسيرة الراجلة في قلب مدينة زنجبار يقع قصر الشيخ طارق الفضلي المشيد، والذي أتى القصف على جزء كبير منه، أما باقي أجزائه فلا يوجد فيها موضع إلا وبه أثر طلقة رصاصة أو تطاير شظية أو موجة انفجار، لكنه لازال شامخا بما تبقى من أطلاله، "فلا نامت أعين الجبناء". والشاهد أن الشيخ طارق الفضلي هو أحد سكان مدينة زنجبار الذين أجبرتهم الحرب الدائرة هناك على النزوح، إلا أنه يعيش وضعا أفضل، وإن كان هذا الوضع الأفضل، مقارنة بوضعه السابق، لا يختلف عن أوضاع النازحين من أبناء المدينة إلى مباني مدرسية في عدن أو لحج، بالنسبة له. ومع تضرره من النزوح، ورغبته في العودة إلى بيته في مدينة زنجبار، ليعيش شعوره السابق وتفاصيل حياته الباذخة على أكمل وجه، إلا أنه لم يشارك في المسيرة الراجلة، لأنها لن تعيده إليه، كما كان الفضلي واقعيا في تعامله مع الحدث الكبير في المدينة وفي المحافظة بشكل عام، حين أيد الأسبوع الماضي دعوة القاضي حمود الهتار حكومة محمد سالم باسندوة وأنصار الشريعة إلى الحوار، بغض النظر عن منطقية هذا الحوار من عدمها في ظل هذا النوع من الصراع ودوافعه. *أخبار المسيرة والتوظيف الحديث في وسائل الإعلام المحلية والخارجية كان عن منع مسلحي أنصار الشريعة نازحي أبين من الدخول إلى مدينة زنجبار، ولم يتطرق، من قريب أو من بعيد، لما دار بين المسلحين وبين المواطنين من حوار على مشارف المدينة التي اتضح أيضا أن الجيش لا يتواجد فيها وإنما في طرف قصي من الجهة الشرقية لها، ولا حول له ولا قوة. ولم يخلُ تناول خبر مسيرة الكرامة الراجلة من محاولة التوظيف السياسي، ولو في حدوده الدنيا، وبحسب مراسل صحيفة "الصحوة" الإخوانية فإن لمسيرة رفعت شعارات تندد بتواطؤ قائد المنطقة الجنوبية العسكرية العميد مهدي مقولة مع الجهات المسلحة في أبين, وكتبوا لافتات مكتوب عليها" يا مقولة يا كذاب.. أنت داعم للإرهاب". *عودة قد لا تطول حتى لا يضطر سكان مدينة زنجبار للنزوح مرة أخرى فإن عليهم أن يفكروا بعودتهم هذه، لأن القصف القادم من مشارف المدينة حيث تتواجد ألوية عسكرية حكومية لن يتوقف حتى بوجود سكان داخلها، تماما كحاله حين بدأ مهامه في أشهر المواجهات الأولى وهم فيها. وكما يقول أنصار الشريعة فإنهم قدموا إلى مدينة زنجبار بعد أن اشتد القصف عليها من قبل اللواء 25 ميكانيكي عقب هروب قوة تابعة له من مدينة جعار. وكانت القوة التابعة للواء ذاته التي قدمت إلى مدينة جعار قد حوصرت من قبل المسلحين قبل أن يرفع الحصار عنها بوساطة قبلية. بعد الاستيلاء التام على مديرية خنفر، والخروج التام لقوات الأمن والجيش منها، كانت هناك مخاوف كبيرة من دخول المسلحين إلى مدينة زنجبار عاصمة المحافظة، لهذا كان الاستنفار العسكري والأمني فيها كبيرا جدا، بل وغير مسبوق، وكان الضرب يتم لمجرد الشك، وهو ما خلق موجة غضب عارمة في أوساط مواطني المدينة. ويقول من التقيت بهم من أبناء مدينة زنجبار إن جل مشاكلهم سببها اللواء 25 ميكانيكي الذي ظل يقصف المدينة بمختلف أنواع الأسلحة حتى قبل أن يدخل إليها المسلحون ويحاصرون اللواء بكامله كما حاصروا القوة التابعة له في مدينة جعار قبلا (هناك استطلاع مرئي يوثق موقف المواطنين في المدينة مما قام به لواء الصوملي). وإذا كان الضرب في السابق يتم لمجرد الشك، فكيف سيكون الآن ومسلحو أنصار الشريعة يحكمون قبضتهم على المدينة؟!. من هذه المخاوف نقول إن العودة المرتقبة للسكان قد لا تكون آمنة تماما، حتى لو انسجم مواطنو زنجبار مع المسلحين، كما هو حال إخوانهم في باقي مديريات ومدن وقرى محافظة أبين، لأن مصالحهم على هامش مصالح آخرين تهم الحكومة اليمنية، بالذات الجديدة، أكثر. *النزوح من جعار وأخواتها النزوح الكبير خلال المواجهات المسلحة تم من مدينة زنجبار، ولم تشهد باقي مدن ومديريات محافظة أبين سوى نزوح بعض الأسر التي سرعان ما عادت بعد أن عاد الأمن سريعا إليها، والسبب أن القوات الحكومية تمركزت في أطراف مدينة زنجبار بعد خروجها منها، وبدأت تقصف أحياء المدينة بشكل عشوائي. ولأن المواطن اليمني لم يعتمد على حكومته يوما في شيء، باستثناء ما توفره له في الجانب الأمني من اطمئنان هش، وهو كل ما يريده منها بطبيعة الحال، فقد وجد بمحافظة أبين في أنصار الشريعة ضالته، لكن الخوف كان من السماء أحيانا، حين كان الطيران متعدد الجنسيات يقصف مساجد وأسواق بعض مدن المحافظة كمدينة جعار ومدينة شقرة الساحلية. وبدلا من أن تثير تلك الغارات مشاعر كره لأنصار الشريعة في أوساط المواطنين، وهو ما كان يهدف إليه من قاموا بها، إلا أنها أثارت أكثر من تلك المشاعر للطرف الآخر، على اعتبار أن ما عاشوه في ظل سيطرة أنصار الشريعة على المحافظة، لم يعيشوه طوال فترة وجود النظام وقواته فيها، والتي لم يكونوا يحملون لها أية مشاعر إيجابية أصلا، بسبب الحساسية الموجودة على خلفية ما يعرف ب"القضية الجنوبية". والشاهد هنا هو أن الحياة في زنجبار يمكن أن تكون كالحياة في باقي مناطق محافظة أبين إن كانت مصلحة أبناء المحافظة تهم الحكومة اليمنية بالفعل، وكانت الأولوية لها. واليمن بلد يعيش معظم أبنائه في مناطق خارج سيطرة الحكومة، خصوصا المناطق ذات الطابع القبلي. وتدير تلك المناطق شئونها بقوانين عرفية بعيدة عن الحكومة وقوانينها. *عودة آمنة طلب مقاتلو أنصار الشريعة من مسيرة الكرامة الراجلة أن تعود يوم السبت القادم لتتمكن من الدخول إلى مدينة زنجبار، وسبب هذا القرار هو أن هناك بالفعل الكثير من الألغام التي زُرعت في بعض مداخل المدينة تحسبا لدخول قوات الجيش، ويجب أن تزال قبل دخول المواطنين. كما اشترط المسلحون انسحاب قوات الجيش من أطراف المدينة، بحسب مصدر في أنصار الشريعة، حتى يبقى المواطنون آمنين، لأن القصف لم يتوقف يوما، بل تضاعف بشكل لافت في الأيام الأخيرة، بحسب المصدر. وكما يجب أن تكون العودة إلى مدينة زنجبار آمنة للنازحين، يجب أن تكون آمنة أيضا لمقاتلي أنصار الشريعة المسيطرين على المدينة، من وجهة نظر المقاتلين، وهذا يتطلب بعض الترتيب والاحتياطات اللازمة، وكذا وقتا قدره المسلحون بأسبوع، خشية أن تُستغل المسيرة لأغراض أخرى تتعلق بالمعارك الدائرة هناك، خصوصا وأن المسيرات الراجلة التي تمت مؤخرا، وُظفت لغير أهدافها من قبل بعض القوى. لكن شرط انسحاب الجيش من أطراف المدينة ربما يحول دون دخول النازحين. ومع أن المسيرات الأخيرة تمت في إطار العمل الثوري ومطالبه، إلا أن مسيرة الكرامة الراجلة من محافظة الحديدة إلى العاصمة صنعاء، والتي قيل إنها حوثية، لم تحظ باستقبال في ساحة تغيير صنعاء، كما حصل لمسيرة الحياة من محافظة تعز، لأن لمسيرة الكرامة أهدافا أخرى. كما قيل. وهكذا تحولت المسيرات إلى فكرة للاستغلال. غير أن أنصار الشريعة نجحوا في التفاهم مع مسيرة الكرامة الراجلة إلى مدينة زنجبار، وربما يجنبونها شر التوظيف إن وافقت قوات الجيش على شروطهم. لكن الخوف الأكبر سيكون مما بعد العودة وليس من العودة ذاتها، خصوصا وأن شيئا لم يستجد على مستوى المواجهات بين الجيش وبين مقاتلي أنصار الشريعة. وبحسب صحيفة "أخبار اليوم" فإن المعارك مستمرة بشكل يومي، كما أن القصف، سواء من الجو عبر الطيران الحربي أو من البر والبحر عبر المدفعية وصواريخ الكاتيوشا، يطال يوميا معظم مناطق المدينة التي رفض المسلحون السماح للمسيرة بدخولها، حسب الصحيفة ذاتها. *مخاوف ما بعد العودة يعتقد من يديرون الحرب ضد أنصار الشريعة في محافظة أبين أن الوضع الإنساني للسكان، سواء النازحين أو غيرهم، يحرج مقاتلي أنصار الشريعة كثيرا، لأنه ارتبط بوجودهم في محافظة أبين، وبما أنهم (أي من يديرون الحرب) فشلوا في إخراج أولئك المقاتلين بالقوة من المحافظة، ورغبة في خلق مزيد من الإحراج للمقاتلين، ربما يعملون، كما عملوا من قبل، على تعقيد الوضع الإنساني بشكل أكبر، من خلال أعمال عسكرية يراد لها أن تطال المدنيين وتوقع ضحايا، كما حدث في مدينة جعار القريبة. وهنا يمكننا أن نتساءل عن سبب سماح قوات الجيش المرابطة خلف منطقة الكود لمسيرة الكرامة الراجلة بدخول مدينة زنجبار رغم أن معارك تلك القوات مع أنصار الشريعة لم تنته بعد، ورغم أن أنصار الشريعة لا يزالون مسيطرين على المدينة من ألفها إلى يائها. هل يعني هذا أن قوات الجيش سلمت بالأمر الواقع الذي فرضه المسلحون على الأرض، أم أنها تريد أن تفرض أمرا واقعا على المواطنين وأنصار الشريعة في نهاية المطاف. وقطعا لا يبدو أنها سلَّمت بأمر واقع فرضه المسلحون على الأرض، لأن أمر التسليم من عدمه لا يرجع إليها، بل ولا إلى وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء أو إلى الحكومة اليمنية، وإنما لجهات أخرى لولا خوفها على مصالحها لما كانت هنالك حرب أصلا. ومن هنا ستتحمل قوات الجيش ووزارة الدفاع أية متاعب تحصل للسكان جراء أي عمل عسكري تقوم به في وقت لاحق. *لكن إلى أين؟ سيسمح أنصار الشريعة لنازحي مدينة زنجبار بالعودة إلى المدينة السبت القادم، بما وضعوه من شروط، ومنها ضرورة انسحاب الجيش وبقاء المدينة، بل والمحافظة برمتها، تحت إدارة المسلحين، كما هي الآن، لكن إلى أين سيعود هؤلاء السكان إذا كانت أكثر المناطق في مدينتهم قد تحولت إلى ركام جراء القصف الجوي والبري الذي طال المدينة طوال فترة المواجهات. كما أن الخدمات، بكافة أشكالها، متوقفة تماما في المدينة، وتحتاج إلى عمل جبار وإلى وقت طويل لإعادتها، وهو ما يعني أن ما كان يتوفر لهم أثناء وجودهم نازحين في مدينة عدن وغيرها، قد لا يتوفر لهم في مدينة زنجبار أو الحد الأدنى منه. وفي حديث ل"الوسط" قال أحد مقاتلي أنصار الشريعة في مدينة زنجبار إن نسبة 95% من البنية التحية للمدينة منتهية تماما، وإنهم حدثوا النازحين بذلك، لكن النازحين، حسب المتحدث، قالوا إنهم يريدون دخول المدينة على أية حال. وخلال زيارتي لمدينة زنجبار وجدت الدمار قد طال أجزاء كبيرة فيها، رغم أن الزيارة كانت قبل القصف الذي تم خلال الأيام القليلة الماضية، والذي قيل إنه كان عنيفا وطال أماكن كثيرة في المدينة، وشارك فيه إلى جانب الطيران الحربي اليمني طيران تجسسي أمريكي وطيران حربي سعودي، بحسب مصادر في أنصار الشريعة ل"الوسط". ومع أن العودة، إن تمت، قد تدفع السكان إلى محاولة إعادة الحياة إلى المدينة بأي شكل وفي ظل أية ظروف، إلا أن عودة القصف أو المواجهات قد يعيدان وضع السكان إلى أسوأ مما كان عليه في السابق. ولا أدري هل يدرك السكان حجم الدمار الذي طال المدينة أم لا. لأنهم قد يتخذون قرارات أخرى إن أدركوا ذلك، قبل أن يجدوا أنفسهم نازحين أو أسوأ من ذلك في مدينة زنجبار نفسها. *أنصار الشريعة يطالبون شباب الثورة بتحديد موقف في سياق وثيق الصلة بالحرب الدائرة هناك وبموقف شباب الثورة منها، توجه أنصار الشريعة برسالة عتاب للشباب في الساحات بسبب مواقفهم المؤيدة لحرب النظام ضدهم أو للجيش الذي يقال إنه مؤيد للثورة، وجاء في الرسالة الموقعة باسم "أنصار الشريعة في مدن وقرى قبائل أبين" : إلى الأبطال في ثورة الشباب السلمية.. إلى الذين قاموا ضد الظلم والاستبداد.. إلى الشرفاء.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الكرام لقد قامت ثورتكم المباركة على الظالم المستبد ففرحنا بها واستبشرنا وأيدناها بل نحن معكم نفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم، فنحن من أبناء هذا الوطن قاسينا مرارة الظلم والاضطهاد والفقر والتخلف الذي مارسه النظام على كافة أبناء الشعب بسبب تنحية للشريعة الإسلامية، ولكن الذي راعنا اليوم ما يبثه الإعلام المقروء والمسموع من تأييدكم للحملات العسكرية التي تدك البيوت وتشرد الأسر وتهدم المساجد وتقتل النساء والأطفال.. فهل هذا صحيح عنكم ؟.. هل تؤيدون الحملات البرية والبحرية والجوية علينا ؟.. هل تؤيدون أن نضرب بالطائرات الأمريكية صباحاً ومساء ؟.. وهل خرجت ثورتكم عن السلمية ؟ أم أنها سلمية على نظام علي صالح فقط ؟.. وتابعت الرسالة أسئلتها: أيها الشباب الحر: كيف التحمتم مع علي صالح لحربنا.. فما أن يندحر لواء علي صالح إلا وتقدم لواء مساند لثورة الشباب ثم كل فريق يتهمنا إننا مع الأخر ؟ وأضافت الرسالة: يا شباب الثورة.. إنا نقتل ونشرد وندمر، فإن كنتم بريئون من دماء وأشلاء الأطفال والنساء وتدمير المساجد والممتلكات فلماذا ترضون بهذا الحملات علينا ولا تستنكرونها خصوصاً وهي تنسب إليكم؟. كما طالبت الرسالة شباب الثورة بإرسال لجنة تقصي للحقائق لمعرفة من الذي يقتل الأطفال والنساء ويروع الآمنين ويدك المنازل ويدمر المساجد أنصار الشريعة أم الحملات العسكرية، حسب ما جاء في الرسالة. وتابعت الرسالة: إننا حملنا السلاح في وجه نظام لا يرحم صغيراً ولا كبيراً نحمي به أنفسنا من بطشه ولم نوجه سلاحنا يوم إلى بريء مسالم ألا ترو كيف فعل في صنعاء وكيف يفعل في أرحب وتعز، فلماذا دمائكم دماء ودمائنا ماء، ألا يحق لنا أن ندافع على أنفسنا وأعراضنا، ومتى كانت الألوية المناصرة لثورة الشباب تقتل الأبرياء وتعطل المصالح، ومتى انضمت المنطقة العسكرية الجنوبية لثورة الشباب، ومتى كان اللواء 25 ميكا مع ثورة الشباب؟. مضيفة: "إننا نتطلع لحياة كريمة شريفة خاضعة لكتاب الله وسنة رسوله نرفض الظلم والاستبداد ونحذر أن يتاجر(بدمائنا ودمائكم)الذين يتزلفون للأمريكان في محاربة الإرهاب فعلي صالح وابنة أحمد عميل قديم والمعارضة عميل جديد ومن منهم سيقدم عرض أقوى ليكون محل الثقة عند الأمريكان والثمن دمائنا إنهم لا يتاجرون بدمائنا فحسب إنما يتاجرون بدماء شعبهم كما تاجر به النظام من قبل". وختمت الرسالة: أيها الشباب.. إن إخوانكم أنصار الشريعة ماضون في دحر النظام الظالم المستبد يضحون بدماء الرجال الشرفاء، ووالله لن نخون دماءهم ونسلم الأرض لمن قتلهم، وعدونا يعرف شراستنا في القتال وعشقنا للموت ويعلم كم كبدناه من خسائر هذه الأيام. ولكن الذي يهمنا هو مواقفكم ممن يريد أن يحرف ثورتكم عن سلميتها إلى أن تكون حرباً على المظلومين والمضطهدين من أجل أن يرضى عنة المجتمع الدولي من الصليبيين وعملائهم.