كتب/عبدالرحمن الكبسي اتجه طواغيت العرب عقب زوال الحكم الرشيد إلى التأسيس لحكم إمبراطوري وفرضه على طبيعة العملية السياسية والحياة الثقافية بممالأة موارنة (الإسلام البطرياركي) الذين شرعنوا نهج الطغيان بهدف إخضاع ، تطويع المجتمع الذي دخل جراء ممارسة التضليل والارهاب الاستراتيجية المتبعة حتى اليوم حالة من اللاوعي، تعايش مع هذا النهج كأمر واقع طغى المشهد السياسي مذ 14 قرنا كما أن ادلجة هذا النهج وتحوله إلى ثقافة هيمن من ناحية أخرى على تفكير العقل العربي الذي ظل إلى وقت قريب اسيراً لهذه المفاهيم التي روج لها دعاة الانحطاط ، من امتهنوا تلميع البغاه وفي مقدمة هؤلاء صاحب (المقدمة) الذي جهد في محاولة تخدير المجتمع واستغرق في التنظير للانبطاح عندما حاول عبثاً في (مقدمته) فلسفة الدكتاتورية ومع أن الاطروحات المتأخرة لعدد من أعلام الفكر والاجتماع والسياسة صححت كثيرا من المفاهيم المغلوطة إلا أنها لم تترجم على ارض الواقع و لم يحدث تغير جوهري في طبيعة العملية السياسية رغم قيام أنظمة جمهورية عقب (ثورات) العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي فلم يسبق لرئيس عربي باستثناء سوار الذهب على محمد فال أن تخلى عن السلطة بمحض إرادته إلا مجبرا منفياً أحيانا وغالبا بعد استيفائه للأجل مقتولاً أو ميتا . على أن هذه النرجسية تجلت مؤخرا بوضوح ، على نطاق أوسع سيما في اليمن، فبجانب الزعيم القائد الرمز، (ملك) الجمهورية عائلة مالكة ترى في الشعب عبيدا أو رعايا في أحسن الأحوال تبيع دماءهم في المزاد ؛ والوطن مزرعة تنهب ثرواته ، تعبث بمقدراته ، تتاجر بسيادته في البازار وترهن أمنه واستقلاله في دهاليز السياسة وتنتهك في سبيل بقائها كل المحظورات وعملت على تعطيل دور المجتمع وإسقاطه من معادلة التغيير بكل الوسائل في محاولة لإعادته إلى مثل تلك المرحلة الآنفة الذكر والتي اعتقد كثير من المراقبين انه دخلها بالفعل وقد ينزلق إن حاول الخروج وكان بمقدوره التحرك إلى المجهول بحكم تركيبته المجتمعية المعقدة ونظرا لافتقاره إلى وجود قيادات استنهضته ورشدت دوره في مراحل تاريخية سابقة وقياساً بدور أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) ، الذي لم يلب أدنى متطلباته وظلت تراوح مكانها وتحديداً (الإصلاح) المكون الأكبر الذي التزم حالة المراوغة والوقوف في المربع الرمادي ولم تحسم موقفها تجاه عدد من القضايا كما غلبت مصالحها على مصالح المواطن الذي لم تلامس همومه وتعبر عن احتياجاته ، معاناته اليومية ما افقدها ثقته سيما عندما حصرت جل مطالبها بعد سنوات من الاخذ والرد وتبادل الاتهامات مع النظام في القائمة النسبية ، اللجنة العليا وكأن هذه المسألة آخر ما تحتاجه عملية الإصلاح والتغيير لتصبح المعارضة بدورها جزءا من المشكلة؛ وفي ظل الازمات الشائكة ومزيد من تدهور الأوضاع ظن البعض وبعض الظن إثم ان بمستطاع رأس النظام الممسك بمفاتيح الحل القيام بعملية الإصلاح والتغيير والتي يشكل الرجل أمامها عقبة كأداء.. وما بين ضعف دور، ميوعة موقف المعارضة المتلكئة وبين تعنت ، استهتار واستخفاف نظام غير مكترث ومع انسداد آفاق الحل تشتد سوداوية المشهد وتتصاعد نذر انفجار عاصف يهدد الكيان برمته وترتسم سيناريوهات كارثية مجرد التفكير في ابسطها يصيب المرء بالهلع ويرسخ حالة اليأس والإحباط وفي ظل هذه الحالة واتت بوادر الانفراج من حيث لايحتسب عندما تحرك عشرات من شباب الثورة والتف حولهم المزيد عقب سقوط النظام التونسي والمصري؛ واغلبهم مستقلون والعناصر المنتمية سياسيا التي تعد على أصابع اليد بداية ،سواء اندفعت أو دفعت فالأمر سيان والمهم أن أحزاب المشترك وإن دفعت لاحقا منتسبيها إلى الساحات والميادين بكثافة، لو سبقت لما قامت الثورة ومن تدابير القدر لا من باب الصدفة أن المسار بدأ بهذه الكيفية الضامن الأول على الأقل حتى هذه اللحظة لاستمراريتها وبقائها كثورة شبابية شعبية . ثورة ثقافية اجتماعية: ما حدث أكد للمستبدين أن الشعوب لا تموت وليست ملكا أو عبيدا لأحد والشعوب العربية ليست بتلك الدونية التي كان ينظر إليها الآخرون والشعب اليمني تحديدا لم ولن يكون (شعباً عرطة) بل من اعظم وأرقى الشعوب، أكثرها تمدنا واشدها توقا للحرية.. عرى شبابه المعارضة وبرهن على عبثية وتخلف المنطق القبلي .. كشف ظلال فقهاء الاستبداد ، اسقط نظريات الكهنوت واقنعة اللاهوت عن كرادلة ( الإسلام الكاثوليكي) ،فضح زنادقة ( الاجتماع ) ،نسف مبدأ احتكار السلطة ودحض دعاوى حق الوصاية على (الرعية) .. وان الحاكم بإرادة الشعب هو وحده الحاكم بأمر الله .. ولذا لا يمكن فصل البعد السياسي والاجتماعي عن الهدف السياسي للثورة بمعنى ان أي محاولة لأدلجة الثورة واستثمار الجماعات الاسلاموية المناخ القادم لنشر أفكارها التي اسهمت في صناعة الاستبداد وتغذيه الصراعات مذ 3عقود، تعد نسفا لمبادئ وأهداف الثورة، وتكريسا لثقافة الإلغاء وإنعاشاً لحالة الانقسام الذي تراجعت حدته في أوساط المجتمع الذي اجمع بكل فئاته ، أطيافه ، انتماءاته على مطلب إقامة دولة مدنية حديثة تكفل الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية واحترام حرية الرأي والقبول بالآخر .. إلا أن جناح الخوارج في (الإصلاح) لم يؤمن بعد بهذه المبادئ على ما يبدو أو تحرر من قيود الراديكالية التي تملي كيفية تعاطيه في عمله السياسي ومزجه بالدعوي لتبرز مواقف تبلور ثقافة تسلطية تعبر عن عشق غريزي للاستبداد يستعصى على الكتمان، فما يحدث في ساحات التغيير من ممارسات تجاوزت إقصاء الآخرين والسيطرة على مختلف اللجان إلى حد الاعتداء على النساء .. هكذا يتصرف حملة (المثل والقيم) أتباع (اليدومي) بمشاركة (صناديد) النكبة الأولى مدرع جنود القائد (المظفر) .. يا هؤلاء قليلا من الحياء ..إن كنتم ترون غيركم كفارا فيا أيها الذين اسلموا ولم يؤمنوا (لا ينهاكم الله أن تبروهم وتقسطوا إليهم).. الله اكبر عليكم .. كلم لك قراش. وطالما أنها ثورة اجتماعية فينبغي على مراكز القوى القبلية (التضامنية) سيئة الصيت التي كانت شريكا في الفساد والاستبداد وأيدت الثورة بدافع الانتقام من رأس النظام عندما اتجه للاستفراد بالسلطة دونها أن تعي جيدا أهمية الابتعاد عن التفكير بعقلية ضيقة والتخلي عن ذات الممارسات كي ترمم صورتها امام المجتمع الذي ركبت موجته وبخلاف ذلك ستجد نفسها معزولة ولن تلقى سوى مزيد من نفور وازدراء وسخط الشعب الذي خرج للتعبير عن إحتقاره للمرتزقة عبيد الدينار والدرهم الذين يرهنون ولاءهم للخارج واستعذبوا الذل والخضوع لآل سعود . المعارضة والمسار الثوري كما ترتبط إمكانية النجاح في تأسيس دولة مدنية، بدرجة رئيسية بكيفية تعاطي أحزاب المشترك في المرحلة المقبلة وحتى موعد الانتخابات؛ لابد لها أن تفهم أولا انه لم يكن في متناولها صناعة الحالة الثورية وان مجال تحركها ظل محصورا في إطار العمل السياسي وتحت قبة البرلمان وان النخب السياسية والمثقفة وكثيراً من قواعد وقيادة الحزب الحاكم وأعضاء في الحكومة ما كانت لتنضم لولا أن الثورة شعبية وكانت ستعارض أي تحرك تقوم به المعارضة كما كان بإمكان النظام عزلها بسهوله لو نزلت إلى الشارع والذي من ناحية أخرى لم تعبر عن نبضه والإحساس بمعاناة المواطن بالدعوة إلى مظاهرة واحدة أو تؤيد تظاهرات الحراك الجنوبي الذي ما دعا للانفصال إلا ليأسه من تحقيق مطالبه؛ أو الاعتصامات المنددة باعتقال ، اختطاف وتعذيب الصحفيين والناشطين مايعني ان قيادات المشترك ربما لم تكن تتخيل مجرد رؤية الحالة القائمة فضلا عن صناعتها.. لذا على المشترك وحتى موعد الانتخابات الا يحاول لعب دور اكبر مما قدمه. ثورة فوق الطاولة: كما ظل يطالب النظام بتغيير نهجه حتى بعد قيام الثورة وكأنها قامت في إحدى دول الكاريبي وليس في اليمن مبررا موقفه المغاير لموقف الشباب و المناقض للمبدأ الثوري بضرورة ترشيد العملية الثورية ومواكبة العملية السياسية التي لو وجدت طريقها الى الحل لما قامت الثورة التي تجمدت بفعل هذا الترشيد الذي قد يؤدي الى (تمشيط) الثورة خصوصا بعد استعراض (الاصلاح) ذراعه العسكري بدخول القائد علي بن المحسن -الغارق بالدماء حتى شحمة أذنيه- على الخط لتتحول ساحة التغيير الى محطة اطلاق صناع المقابر الجماعية ، لصوص التاريخ أدعياء الوطنية الى (السبع الطباق) التي يتعذر على الشخصيات (الممنوعة من الصرف) اختراقها (بالمعاني والبديع) ؛ موجة الاعتصامات الى مطية (للجماعة) التي لا يستبعد ان تحاول الذهاب الى تنصيب مرشدها مرشدا للثورة ؛والمعتصمين ودماء شباب الثورة وشهدائها الذين لم يكن بينهم احد من أبناء قادة المعارضة ورقة للتفاوض الذي يفترض ان يتوقف بمجرد قيام الثورة.. وأين؟ في الرياض التي سئمنا (خيراتها) المتدفقة منذ 5عقود وحتى اليوم الذي (اهدت) فيه شباب الثورة 160 آلية عسكريه. يا معارضة (سجلات القيد) ذهابكم إلى الرياض في الوقت الذي شرعت الى جانب احتفاظها بأدواتها التقليدية بفتح قنوات مع عدد من مراكز القوى وشخصيات نافذة وقيادات عسكرية من غير المعروفة بتحالفاتها مع المملكة كي تضمن استمرار وصايتها على اليمن يضع الثورة أمام مفترق طرق ويجدد ضمنا وصاية قرن الشيطان واستمرار تعاملكم بنفس اسلوب النظام مع الرياض مؤشر لايطمئن على إمكانية الخروج من حالة الارتهان .. ليست الرياض المكان الوحيد الآمن ولا العاصمة (الامينة) ام ان الرياض ستبقى القبلة السياسية وربما الدينية يا قادة المشترك. قد يرى البعض في هذا مبالغة وتخوفاً غير مبرر لكن إستراتيجية المملكة تجاه اليمن ، التجارب المريرة ، تجعل منه أمراً مشروعا ،كما ان فشل العملية السياسية قد ينسحب إن لم يكن قد بدأ بالفعل خلال مواكبتها وتجميدها للعملية الثورية على أهداف الثورة التي لا يعد رحيل رأس ورموز النظام مقياساً لنجاحها ، فتباطؤ إيقاعها وإطالة مرحليتها يحولها إلى شركة مساهمة يتقاسمها (الإقطاعيون) نهاية (الحول) ، تفوز بالنصيب الأكبر الشقيقة الكبرى التي تسعى لتأميمها بالكامل ومثلما تمكنت بعد إجهاضها ثورة سبتمبر من فرض هيمنتها وصارت الحاكم الفعلي تطيح برئيس و تنصب آخر ، فلن تألو جهدا في إجهاض الثورة والى جانب الأبواب الخلفية يأتي دخولها الساحة بطلب من النظام وبرمجة مناوئيه الذين يجمعهم (العيش والملح ، أواصر العقيدة) بآل سعود من خلال مبادرات تدرجت في انحيازها للنظام ، تعزيز موقفه بهدف تمييع القضية وإطالة أمد الأزمة التي قد يقدم الرجل خلالها على تفجير الموقف وهو ما يمكن المملكة من اللعب بالأوراق كما تشاء ، فكل ما يهمها أن تأتي ب علي عبد الله صالح آخر ؛ على أن اخطر بند نص في المبادرة الثالثة التي رفض الرجل التوقيع عليها وقال انها لا تخصه باعتبار فخامته رئيس دولة موزمبيق على وقف فوري للاحتجاجات وانسحاب الاعتصامات ، ينطوي على سوء نية لتنفيذ مخطط واضح الأبعاد . يا معارضة (القائمة النسبية) الثورة قيامة شعب ، قيمة حضارية تاريخية وطنية ينكرها ولا يطيقها آل سعود أعداء اليمن والقيم، الذين أذاقوا الشعب الويلات.. (ودفت يا ثور لا يد الجزار).. الذهاب إلى الرياض هو الانتحار السياسي بعينه .. لماذا خرج الشعب إذاً هل خرج بالملايين لكي تذهبوا إلى الرياض ؟ هل سقط مئات الشهداء كي تكون طلبات الملك عبد الله أوامر ؟ التفاوض أغرى النظام بارتكاب مزيد من الجرائم بقدر ما أغرى آل سعود بتكرار تجربة الستينات لاحتواء الثورة . الشعب ثار ضد الظلم والاستعباد والفساد .. انتفض لكرامته وحريته وحقوقه وسيادة و استقلال وكرامة الوطن ورفض هيمنة شياطين نجد الذين باعوا كرامة الأمة وعاثوا في الأرض الفساد .. الثورة ستنجح بفضل الله وصمود ، وعي الشعب العظيم بشبابه و الشرفاء المخلصين داخل وخارج المعارضة وأساتذة الجامعات والنخب المثقفة، التي لابد ان تقوم بدورها في اكثر من اتجاه والمشايخ الذين لا يغريهم درهم ولا دينار ، والقيادات العسكرية التي يعول عليها في إعادة بلورة عقيدة المؤسسة العسكرية وترسيخ ولائها للوطن وإعادة هيكلتها في المرحلة المقبلة وقطع الطريق على المتآمرين.