استطلاع/ رشيد الحداد انهالت الاتهامات الأجنبية والعربية على اليمن بأن أراضيه أضحت مركزا للاتجار بالبشر من مثل الاستخدام غير المشروع للإنسان ونقل واستعباد وإخفاء واستغلال ولكن الجانب اليمني تارة ينفي ويؤكد تارة أخرى بذل جهود مضنية لمكافحة الاتجار بالبشر ولكن لا تزال الحقيقة غامضة كغموض إجراءات مكافحة تهريب الأطفال إلى السعودية ودور السفارة اليمنية في الرياض بالقيام بدورها في حماية رعايا اليمن.. أكثر من سؤال فرض نفسه حول ظاهرة الاتجار بالبشر والاتهامات الأمريكيةوالأممية ومخاوف الدول العربية .. إلى التفاصيل. تنامى الحديث عن ظاهرة الاتجار بالبشر في اليمن الذي صنف بممرر دولي لتهريب البشر إلى دول الخليج بل مركز عبور ومركز استقبال.. فتقارير الخارجية الأمريكية والمنظمات الحقوقية الدولية ومنظمة الهجرة الدولية تؤكد وجود الظاهرة بمفهومها الأوسع ولكن الحقيقة التي دفعتنا إلى البحث والتقصي عن نمو الظاهرة لم ترق إلى المفهوم الواسع للاتجار بالبشر باستثناء جزء بسيط منها الذي لا يخرج عن حدود نقل البشر من قبل عصابات منظمة من دولة إلى أخرى بدافع الحصول على مستوى أفضل للعيش أكان بالأمان من حروب مستعرة أو تحسين الحياة المعيشية كما هو حال الدافع الرئيس لعمليات التهريب المنظم لمئات الآلاف من البشر من اليمن إلى السعودية أو من دول القرن الإفريقي إلى اليمن ومن ثم إلى السعودية، لذلك تتداخل مفاهيم الاتجار بالبشر مع المهاجرين غير الشرعيين حسب تصنيف الأممالمتحدة ومنظمة الهجرة العالمية التي ألزمت الدول والحكومات باحترام المهاجر غير الشرعي باعتباره إنساناً حراً كريماً وأن تقدم له الرعاية الكاملة حتى يتم إعادته إلى موطنه الأصلي. تهريب الأطفال *في الفترة القليلة الماضية صار الحديث عن الاتجار بالبشر شائعا، أكان من الجانب الدولي والإعلام الدولي أو من قبل الجانب الحكومي في اليمن ومنظمات حقوق الإنسان، فالمؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر كشفت عن رصد 500 حالة اتجار بالبشر وتقرير الخارجية الأمريكية انتقد ضعف دور الحكومة اليمنية في مكافحة الظاهرة وصنف دورها في الحدود الدنيا، ولكن الدور الحكومي لم يتجاوز مكافحة تهريب الأطفال الذي تحول إلى سوق ترويجي كبير لحلب المزيد من الدعم الدولي لمكافحة الظاهرة، بل اعتبرت العديد من المنظمات العاملة في مجال حماية الطفولة في اليمن الظاهرة تجارة رابحة ولم تسع للضغط على الحكومة أو على البرلمان للقيام بدوره، خصوصا وأن تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق عن تهريب الأطفال في عام 2005م لا زال دون نقاش ولم يدرج منذ 5 سنوات في عشرة جداول أعمال في البرلمان ناهيك عن غياب قانون يحرم أو يجرم أو يتخذ أي إجراءات عقابية ضد المهربين الذين يتم إلقاء القبض عليهم بين فينة وأخرى دون عقاب وكل العقاب لا يتجاوز اجتهاد القاضي بالحكم بالسجن لعدة أشهر فقط، وبحسب الإحصائيات بلغ عدد المحاولات التي أحبطت من الجانب اليمني لتهريب الأطفال أكثر من 30 حالة ولا يوجد أي مهرب داخل السجن. اتجاهات العبور تنمو الظاهرة في اتجاهين بحرا من دول القرن الإفريقي وبرا من اليمن إلى السعودية عبر الحدود وهي الأكثر نموا ومن اليمن إلى الإمارات العربية المتحدة وهي الأقل ومن الجانب البحري ينشط تجار البشر على خطين رئيسين، الأول على الشريط الساحلي لليمن المقدر ب1300 كيلومتر بين المناطق الساحلية الصومالية وجنوب خليج عدن وعلى 510-571 ميلا بحريا ينشط تجار البشر الصوماليون في تهريب عشرات آلاف البشر حال استقرار حالة البحر وتعد منطقة كالولة- بوصاصو- وكاندلا مراكز تجميع ومراكز انطلاق لتهريب البشر، حيث يبدأ خط الانطلاق من تلك المناطق وتنتهي في المناطق الساحلية لمحافظة أبين وشبوة وحضرموت وتعد ميفعة، وحجر، والشجيرات، عرقة، الخبر، حورة الساحل مناطق استقبال المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة وتستخدم هذا الممر البحري عدة جنسيات: صومالية، اريترية، أثيوبية، سودانية من قبيلة الرشادية أما الخط الآخر عبر البحر الأحمر غربا وتتم من أثيوبيا وجيبوتي وتنتهي في ساحل القطابر والخوخة وذباب والمخا وجزء من الساحل المحاذي إلى الجنوب من المحرق وهي الأقل خطورة نظرا لقصر المسافة.أما من الجانب الآخر فيتم التهريب من اليمن إلى السعودية عبر حرض والحصامة والمثلث والمشنق والملاحيط والمزرق من الجانب اليمني إلى الخوجرة والمصفق والخوبة والبحطيط والموسم، وهي قرى سعودية أشبه بمراكز تجميع للمهربين السعوديين الذين يتولون عملية التهريب إلى كل أرجاء المملكة ويستحوذون على نصيب الأسد من الأموال التي يحصلون عليها مقابل النقل وتصل نسب المبالغ التي يستحوذون عليها 75% من إجمالي أجور النقل التي يأخذها مهربو البشر و25% يستحوذ عليها ما يطلق عليهم بالدلالين اليمنيين الذين يتولون عملية جمع الضحايا من الأراضي اليمنية، أما عبر عمان كما يحدثنا مجاهد أحمد الذي حاول عدة مرات التسلل إلى الإمارات مع مهربي الأجهزة الإلكترونية من الغيضة إلى إمارة العين عبر عمان وولاية الظاهر والمثلث والدخول إلى الأراضي الإماراتية فقد انحسر وارتفعت نسبة المخاطر. الحرب السادسة والتهريب قبل الحرب السادسة التي خاض فيها الحوثيون حرباً ثنائية مع القوات اليمنية والقوات السعودية كان البعض من مهربي البشر من جنسية سعودية يقومون بنقل المهاجرين غير الشرعيين من المواطنين اليمنيين من الأراضي اليمنية، حيث كانت عدد من السيارات الجمس تتواجد في حي دار سلم في العاصمة صنعاء الذي كان مركز تجميع لمن يريد السفر بطريقة غير شرعية إلى العاصمة السعودية الرياض مقابل 1500 ريال سعودي، بينما كان يعمل العشرات في العاصمة صنعاء من المهربين بتجميع المهاجرين غير الشرعيين إلى المملكة وتهريبهم عبر صعدة مقابل 1300 ريال سعودي أو عبر منفذ الطوال 1500 ريال. خلال فترة إعدادي لهذه المادة زرت عدداً من اللوكندات الشعبية في صنعاء التي كانت تستقبل المئات من الشباب شهريا وكان يتواجد العشرات فيها من المهربين اليمنيين والتي تقع في باب اليمن وشارع تعز وخولان ودار سلم لمعرفة مستوى انسياب المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي السعودية، فكانت النتيجة تراجع نسبة القادمين من المحافظات إلى العاصمة استعدادا لمغامرة التهريب إلى السعودية بحثا عن فرصة عمل تلبي أدنى الأحلام الجميلة التي دفعت آلاف الشباب إلى المغامرة بحياتهم هربا من واقع مأساوي. الملاحظ أن المهربين ومعظمهم ينحدرون إلى مديرية مراد محافظة مأرب وإلى محافظة البيضاء وقليل منهم إلى محافظة ريمة وجميعهم لا يمتلكون أي وسيلة نقل بل يتنقلون مع الضحايا من منطقة إلى أخرى حتى يصلوا المناطق الحدودية ويقطعون مسافات كبيرة راجلين وصولا إلى المهربين السعوديين ولا يتجاوز دورهم دور السمسرة. حظ شؤم ومخاطر كثيرة علي البيضاني شاب في الثلاثينيات من عمره يعمل في تهريب البشر إلى السعودية منذ خمس سنوات.. يقول: كنت أرحل 4 دفع كل شهر إلى جدة وإلى الرياض أو وادي الدواسر والآن أصبح التهريب محفوفاً بالمخاطر نتيجة التواجد الأمني الكثيف والنقاط الكثيرة وأبراج المراقبة.. ويتابع: كنت أقطع ساعة من الملاحيط مثلا إلى قرية البتول السعودية، الآن أحيانا اضطر إلى السفر سبع ساعات وأحيانا كثيرة لا يحالفنا الحظ، حاولت معرفة المقابل المادي الذي يأخذه المهرب على التهريب حاليا فقال لي ارتفع من ألف ريال سعودي إلى 1600 ريال للسعوديين ونحن نستلم 400 ريال سعودي مقابل تقديم الضمانات للمهرب السعودي والمتهرب اليمني الذي يدفع المبلغ المتفق عليه في الرياض أو جدة أو الدواسر ونحن أحيانا نأخذ مالنا من نصيب عندما نتجاوز الحدود.. وحول زملائه من سماسرة التهريب أشار إلى أن حرب الحوثي قطعت أرزاق الكثير منهم، ومن خلال البيضاني حاولنا معرفة أسماء المهربين السعوديين فقال ليس لهم أسماء كاملة وإنما أبو وليد أبو سعيد أبو إبراهيم. مجهولون بشاحنة سعودية قبل عدة أيام ألقى أمن الطرقات القبض على 101 مخالف لنظام الإقامة (أي مجهولين يمنيين) وذكرت وسائل الإعلام السعودية أن سائق شاحنة سعودي كان يقوم بأكبر عملية تهريب على متن شاحنة من نوع تريلا وتم إلقاء القبض عليه في مركز السليل إلا أنها ألقت القبض على الضحايا ومن المتوقع أن تترك الجاني سيما وأن آلاف الحالات المشابهة كان فيها المجهول اليمني الطرف الأضعف، كما انتقدت منظمة الهجرة العالمية ومنظمات دولية السلطات السعودية في بيان صحفي قالت إنها تسببت بموت 30 مهاجراً غير شرعي من أصل إفريقي بعد أن رحلتهم إلى الحدود اليمنية وقالت المنظمة إن السعودية تقوم بترحيل المهاجرين غير الشرعيين بصورة مهينة وتلقي بهم دون أن تضع أدنى اعتبار لإنسانيتهم. مأساة طفلين الطفل أحمد صالح محسن مفدى 13 عاما من أبناء محافظة حجة يقبع في دار الرعاية الاجتماعية منذ سبعة أشهر بتهمة التهريب إلى السعودية.. يقول أحمد -الذي التقيناه في الدار-: كنت أنا ومحمد وسعد وخالد -وجميعهم أطفال- نحاول اجتياز الحدود وألقي القبض علينا ولكن تم إيداعي دار التوجيه في حجة وظللت عدة أشهر وبعد ذلك تم إرسالي قبل سبعة أشهر إلى هنا.. يتحدث أحمد ببراءة عن حاله فيقول: ليش التهريب إلى السعودية جريمة، الواحد يتهرب يقصد الله.. وبعد صمت سألنا أحمد: هل أنت محام؟ والدمع يتساقط من عينيه.. فقلت: لماذا؟ فرد علي: ما حكموش عليّ إلا الآن.. وحال سؤالنا عن أسباب التحفظ عليه في الدار قيل لنا إنه يرفض العودة إلى والده وهو ما أكده أحمد رافضا الكشف عن السبب، أما محمد مجاهد إسماعيل 14 عاما الذي ينحدر إلى بيت عذاقة محافظة عمران فيقضي 7 أشهر في ذات الدار بالأمانة يقول الطفل محمد: كنت داخل السعودية و(رجموني) وحبسوني ثلاثة أشهر في دار التوجيه في حجة و4 أشهر في حرض ولكن مشكلة محمد مجاهد الذي يحفظ رقم تلفون والده أن والده رفض استلامه من دار الرعاية الاجتماعية إلى اليوم، وخلال لقائنا بالطفلين أحمد ومحمد تبين لنا زيف مركز إعادة تأهيل الأطفال الذين يتم تهريبهم إلى السعودية، خصوصا مركز إعادة تأهيل صنعاء الكائن في شارع الستين وكذلك الظاهرة الصوتية التي تروج لها منظمات المجتمع المدني المتخصصة في مكافحة تهريب الأطفال والتي لا زالت إلى اليوم لم تزر الطفلين المذكورين أو تقدم لهما أدنى مساعدة. اليمن بلد عبور رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر علي صالح يقول: اليمن ليست مركزاً دولياً ولا إقليمياً للاتجار بالبشر بل بلد عبور بسبب العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية ويعيد سبب تفشي ظاهرة الاتجار بالبشر إلى عدم وجود قانون لمكافحة الاتجار بالبشر ما عدا مادة في قانون الجرائم والعقوبات وهي المادة رقم (254) التي تنص علي "تجريم أي شخص يستخدم أي شخص آخر بطريقة غير شرعية وتعاقبه بالحبس عشر سنوات" وبسبب الخلل القانوني يسرح تجار البشر ويمرحون دون أن يلقوا أي عقاب ولم يتم محاكمة أي عصابة من العصابات التي تم إلقاء القبض عليها وأضاف: رصدنا 180 حالة اتجار بالبشر "تجارة أعضاء" ورصدا أكثر من 50 حالة تهريب وقال: العصابات تدرس حالات كل بلد وتمارس نشاطها لذلك ندعو إلى إيجاد قانون الاتجار بالبشر، وناشد وزارتي الشئون الاجتماعية والعمل وحقوق الإنسان إلى إنشاء غرف عمليات في كافة المحافظات لمكافحة الظاهرة وإيجاد قاعدة معلومات عنها واختتم تصريحه بالتأكيد على أن نظام الكفالة في دول الخليج يعتبر نظاماً عبودياً ويندرج في إطار الاتجار بالبشر. الحقيقة لا تعد اليمن بلد عبور للاتجار بالبشر بل بلد عبور لتهريب البشر والهجرة غير الشرعية. 695 ألفاً في 720 يوماً 695 ألف متسلل حاولوا التسلل عبر الحدود هي تلك الإحصائية غير الدقيقة التي أفاد بها الجانب السعودي في الفترة الأخيرة لحجم الظاهرة التي يعتبرها السعوديون مشكلة بالغة التعقيد وتستدعي إعادة ترسيم الحدود اليمنية السعودية ثقافيا، متهمين أسرا من أصول يمنية بتسهيل عملية التهريب إلى الأراضي السعودية ولم تكتف بإطلاق النار الكثيف على مجاميع المتسللين دون أدنى اعتبار لحقهم في الحياة، في الآونة الأخيرة سعت السلطات السعودية إلى بناء الجدار العازل لمكافحة التهريب بمختلف أنواعه وتعزيز أبراج المراقبة الحدودية، ونشر 120 نقطة على طول شريطها الحدودي وتعزيز الدوريات على طول الحدود السعودية اليمنية في سبعة قطاعات سعودية فيها 43 مركزاً حدودياً تعمل فيها 210 دوريات أمامية وخلفية، كما يصل عدد النقاط الخاصة بالمراقبة على طول الشريط الحدودي -من ضمنها نقاط العارضة والدائر والطوال- إلى 120 نقطة يضاف إلى مئات كاميرات المراقبة النهارية والليلية التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء على مدى 24 ساعة وأن ذلك حق لكل دولة في حماية حدودها فإن للإنسانية حق الحياة، فكثير من المهاجرين غير الشرعيين يقضون حتفهم برصاص الشقيقة الكبرى كما حدث للمواطن عادل حميد الشرعبي الذي تعرض لإطلاق نار من قبل حرس الحدود السعودي في منطقة الجبل الأسود مما أدى إلى مقتله وأودع ثلاثة موتى مستشفى في أبها باسم يماني مجهول.