أدلى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في 10/08 / 13 بحديث غريب لوكالة إخبارية احتفت به قلة من المواقع لو قرأه بعد نشره لتنصل منه، أو قال: لقد حرّفت أقوالي.. قال الدكتور: إن "الرئيس هادي يفكر بعقلية عسكرية جنوبية كان يتعامل بها الجنوبيون خلال الاستعمار البريطاني وإن الرئيس هادي يعتقد أن الولاياتالمتحدة هي من تحكم حاليا". من يعرف الدكتور سيشكك في نسبة هذا الكلام إليه لأنه بعيد عن الواقع، ولكن قد يحلو للبعض انتهاز الفرصة والقول بأنه يعبر عن نزعة شمالية تحمل الجنوب مسئولية المصاعب التي نعانيها مقابل نزعة جنوبية حملت ولا تزال تحمل الشمال وليس نظام صالح وحده وزر ما عاناه الجنوبيون في عهده الأسود من تهميش وإقصاء وامتهان وقمع. ومن يتطرف قد يقول بأن الدكتور غير راضٍ عن تولي جنوبي السلطة. في رأيي أن ما قاله الدكتور مستفز، وحقائق التاريخ لا تقف معه لأن الجنوب لم يكن يحكم من قبل أبنائه إبان فترة الاستعمار البريطاني سواء بعقلية عسكرية أو مدنية، وكان يحكم من قبل بريطانيا وليس من قبل عسكرية جنوبية مستقلة عن جيش الاحتلال وعن عقليته وعقيدته العسكرية. هادي كان ضابطا شابا ولم يكن مشاركا لا هو ولا كبار ضباط الجيش الجنوبيين في صنع القرار السياسي أو العسكري الذي كان البريطانيون في وزارة المستعمرات بلندن يضنون به على أصحاب البلاد الأصليين في كل مستعمراتهم. يضاف إلى ذلك حقيقة مهمة غابت عن الدكتور، وهي أن الجيش البريطاني جيشا محايدا، ولا يتدخل في شؤون الحكم وينفذ سياسات وقرارات الحزب الحاكم سواء أكان محافظا أو عماليا أو ائتلافيا كما هو الحال الآن. والحقيقة الثانية هي أن الجنوب لم يكن يملك جيشا مستقلا عن الإدارة البريطانية ومن ثم لم تكن هناك عقلية عسكرية جنوبية مستقلة في عقيدتها القتالية عن الجيش البريطاني. أما الحقيقة الثالثة فهي أن الجيش الجنوبي لم يحكم الجنوب لا قبل الاستقلال عام 1967 ولا بعده. إن تاريخ العسكرية الجنوبية بعد الاستقلال وعلاقة الجيش بالحزب الحاكم لا يؤيدان ما ذهب إليه، لأن القوات المسلحة الجنوبية بعد الاستقلال كانت تتبع حزبا كان هو القائد لكل المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وهذه حقيقة معروفة ولا جدال فيها، وأكدها كثيرون ومنهم البروفسور الراحل فرد هاليدي الأستاذ بجامعة لندن للاقتصاد، وقد تمت كل الصراعات الجنوبية بعيدا عن أي دور أو تأثير لهذه المؤسسة ما عدا دورها النشط والفاعل في الانحياز إلى جانبي الصراع السياسي والمناطقي في مجازر 13 يناير1986 الذي أنهى حيادها وكان علي عبدالله صالح طرفا مشاركا فيها وعلى علم مسبق بها، وهي التي حقق بها صالح حلمه في إضعاف الجيش والحزب في الجنوب ولو لم يحدث ما حدث في يناير لما قبل صالح بالوحدة. وبعد يناير نزح هادي إلى صنعاء. ألم يجد الدكتور ما ينتقد به الرئيس هادي سوى عسكريته في فترة مبكرة من حياته عندما كان شابا وفي بداية خدمته العسكرية وتكوينه السياسي والفكري ثم جنوبيته؟. أما عن العقلية الاستعمارية التي يحكم بها هادي فلا تعني سوى أن الطرف الآخر في المعادلة السياسية اليمينة مستعمر وأن المستعمر ليس هو هادي وحده ولكن كل الجنوب. لقد خان الدكتور التوفيق وهو بهذه الرؤية لا يسهم بجعل الوحدة جاذبة للجنوبيين. أما عن نوايا هادي للقيام بأعمال طيبة فأقول إن في السياسة تحاسب الأقوال والأفعال وليس النوايا، وإنه لم يُعلِ من شأن النوايا سوى المرحوم حسن البنا في رسالته إلى المؤتمر الخامس للإخوان عندما قال: إن "نية المرء خير من عمله"، وهذا كلام لا يقبله العقل. من جهة أخرى لو قال المتوكل إن هادي لا يزال أسير العقلية العسكرية لعهد صالح لكان الأمر مقبولا لكن أن يذهب بعيدا إلى ما قبل استقلال الجنوب عام 1967 فذلك لعب بالتاريخ. وعن اعتقاد هادي طبقا للمتوكل بأن الولاياتالمتحدة هي التي تحكم اليمن فيشاطره في ذلك آخرون ولكن هادي ليس من بينهم. إدارة هادي لليمن محل نقد لأنه لم يترجم في ثلاثة أرباع الفترة الانتقالية شعاره الانتخابي"معا نبني اليمن الجديد" إلى أفعال نشعر فيها بأن هناك قطيعة مع الماضي، وأن أسس اليمن جديد توضع ويرعاها هو. لا يعني ما سبق أنني ضد حرية التعبير والحق في نقد كل مسئول ومن بينهم رئيس الجمهورية لأن ثورة فبراير 2011 لم تهدف إلى تكميم الأفواه وتأليه الحاكم التي كانت تحسدنا عليه شعوب أخرى وتتمنى تصديره لها وإعطاءه شهادة حسن سير وسلوك كما فعل البعض عندما عبر عن عدم رضاه عن هادي بقوله: "حمّيته" لو لم يفعل كذا وكذا. إن المرحلة الانتقالية لا تسير كلها وفق المبادرة الخليجية وهذا بفعل مقاومة أكثر من طرف (العدالة الانتقالية كمثال). لقد أصبح لدينا مبادرة تتعثر آليتها التنفيذية المزمّنة التي يكثر الحديث عنها في برنامج قضايا وأحداث الإذاعي اليومي وفي الأخبار الرئاسية. ومن المريب أن المعرقل الأول لها هو من يزعم أنه صاغها بنفسه وأصر على زمنيتها. الأحزاب والسلطة: ساذج من يتوهم أن الأحزاب جمعيات خيرية لا تريد السلطة وبيت مال المسلمين معها. هذه الحقيقة يعيها أستاذي وصديقي الدكتور المتوكل، ولكنه في خضم حملته ضد رفاقه السابقين في المشترك تاهت عنه الحقائق ولوى عنقها وفقد بوصلة الموضوعية والتجرد. الدكتور دأب على خلط الأوراق وزرع اليأس في نفوس قوى التغيير، وهو يرى أن ثورة الشباب كانت صيحة في واد وتحولت إلى مغانم وظيفية لطرف بعينه وأن الشباب خدعوا أو خدعهم من منحوه ثقتهم وأسهم في إدارة دفة ثورتهم وهو واحد منهم بطبيعة الحال ولا يستطيع التنصل من مسئوليته في عملية الخداع إذا كان واثقا من حدوثها. هنا من حقنا أن نفهم وأن يفضي الدكتور بما لديه أو فليصمت. وقد يشاركني آخرون في صعوبة فهم مقاصد الدكتور والتفريق بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي وما يصب في مصلحة التغيير وما يؤدي إلى خدمة الدولة العميقة في حملة التيئيس التي يقوم بها ضد ثورة الشباب الذي كان واحدا من قادتها والتي لا نختلف معه في أنها لم تحقق سوى نزر يسير من أهدافها وأن البعض لا يرى لها إلا هدفا وحيدا وهو تقوية أحد مراكز القوى المحافظة وليس إحداث تغيير مجتمعي عميق يسمح لنا بالقول إننا شركاء البشرية في الألفية الثالثة وليس في المؤخرة، لا مراء في أن الدولة العميقة لا تزال مهيمنة وأن كثيرا من المخرجات الرئاسية ليست سوى مدخلات هذه الدولة العميقة، بكل أطرافها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. إصرار شباب الثورة على التغيير لم يمت والشباب والشابات لا يزالون على قيد الحياة ورغبتهم في تغيير حقيقي لم تخبُ وجاهزين للذهاب إلى الساحات والميادين عندما يدركون أنهم فعلا خدعوا أو أن ثورتهم اختطفت. هؤلاء لم ولن يبيعوا ثورتهم، حلمهم، فرصتهم الوحيدة للمشاركة في صنع القرار وصنع المستقبل ولن يفرطوا بدماء شهدائهم الزكية. المؤلم أن الدكتور وحده الآن..