في عمر السادسة والسبعين، يؤكد "ليون بانيتا" بابتسامة جميلة أنّه "قام بجولة تامّة في واشنطن" حيث شغل تقريبًا جميع الوظائف السياسية التي يمكن تصورها؛ إذ إنّ هذا الجمهوري المعتدل الّذي أصبح ديمقراطيًا في عام 1970، والحاصل على شهادة في العلوم السياسية، ودكتوراه في القانون، قد عاصر جميع الرؤساء من ريتشارد نيكسون إلى باراك أوباما، وحصل على هالة فريدة في المعسكرين. شغل بانيتا بين عامي 2009 و2011 منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ال "سي آي إيه"، وأشرف على ملاحقة أسامة بن لادن، وتصفيته، ومن ثمّ عُيّن بين عامي 2011 و2013 وزيرًا للدفاع؛ حيث نسّق الانسحاب النهائي من العراق (رغمًا عنه) والانسحاب التدريجي من أفغانستان، مع الدعوة إلى الدعم الكثيف للمقاومة السورية المعتدلة (بلا جدوى). أمّا حصيلته السياسية فتشمل علم التسوية الّذي طبّقه الرؤساء "الجيّدون" مثل روزفلت وترومان وريغان. وفي حوار معه يقول ليون بانيتا: إذا عاد توكفيل اليوم إلى الولايات المتّحدة سيكتشف مؤسسات متصلّبة وكونغرسًا مشلولًا وحياة سياسية متعدّدة الأقطاب. هل الديمقراطية الأمريكية مريضة؟ خلال السنوات الأربع الأخيرة الّتي أمضيتها في واشنطن، من عام 2009 إلى عام 2010، كنت قلقًا للغاية؛ إذ إنّ النوّاب والقادة كانوا أكثر انقسامًا كما لم أشهد من قبل على مدار 50 عامًا من الحياة السياسة، وكانوا معادين لفكرة التسوية سواء تعلّق الأمر بالميزانية أو بمسألة الهجرة. عملت على خلق توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قضايا الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، ولكن كان الطرفان حريصين جدًّا على الوصول إلى الحكم ودفع بيادقهما. يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية 18 شهرًا، وهذا وقت طويل للغاية، في حين أنّ السياسة الأمريكية قد أصبحت معتمدة كثيرًا على المال وهذا التطوّر خطير على الديمقراطية؛ لأنّه يوسّع الفجوة بين الشعب ونوّابه، وهذا من شأنه أن يشجّع على الامتناع والتطرّف مثلما اتّضح من ظهور حركة الشاي خلال انتخابات 2010. هل يعكس هذا الضعف الديمقراطي تراجعًا يستفيد منه خصوم أمريكا؟ تكمن قضية الأمن القومي الرئيسة الّتي نواجهها في الفشل التامّ في واشنطن، السخافة التامّة للكونغرس الّذي لا يستطيع التصويت على ميزانية الأمن الداخلي والحدّ من العجز، والتصويت على الإصلاح الطموح للهجرة لتسوية وضعية 11 مليون مهاجر غير شرعي، وتمويل أشغال البنية التحتية للطرق على الرغم من الحالة المزرية للطرق السريعة. أيّ دور تلعبه وسائل الإعلام في هذا الانحراف؟ في عصر المعلومات المستمرة، يجد المرشّحون أنفسهم في حملة دائمة، في حالة شواء مستمرة وتحت أعين وسائل الإعلام والجهات المانحة الممكنة والمتطرّفين. ويؤدي هذا إلى جيل من القادّة لا يفضّل ركوب المخاطر؛ إذ خسر قادتنا الشجاعة عندما سمحوا بدخول تخفيضات الميزانية التلقائية حيّز التنفيذ بمليارات الدولارات في عام 2013، بعد أن فشلت في الاتّفاق على الموازنة وكان هذا "العزل" عنيفًا لدرجة أنّني ذهبت لرؤية شخصيات كبيرة في الكونغرس والرئيس في البيت الأبيض لأتوسّل إليهم تجنّب هذا. وما سمعته أخافني: رفض ضمني؛ إذ لم يبذل هؤلاء جهدًا حتّى لإجراء مناقشات جادّة حول الطاولة. لم يفكّر إلّا في رفع مكاسبهم الشخصية حتّى وإن كانت البلاد تعاني. لست ساذجًا: الحكم قضيّة صعبة تنطوي على التحدّث مع ناس صعبة. ولكن هذا جوهر السياسة: أنت لا تحصل على ما تريد. لقد عرفت هيلاري كلينتون عندما كانت السيدة الأولى بين عامي 1993 و2001، ومن ثمّ وزيرة للشؤون الخارجية بين عامي 2009 و2013، ودعمتها في الانتخابات الأولية الديمقراطية في عام 2008. فما هي حظوظها في 2016؟ إنّها تملك جميع المميزات لتكون رئيسة ممتازة: شعور القيادة ورؤية مكان أمريكا في عالم متعدّد الأطراف والخبرة والمعرفة الوثيقة بدوائر السلطة في واشنطن ومن ثمّ القدرة على التكيّف مع أيّ وضع. وكما تعلمون، آل كلينتون لا يقبلون الهزيمة ويقاتلون حتّى النهاية. والرئيس القادم يجب أن يظهر الروح القتالية. ولكن هيلاري عمرها 69 عامًا... العمر لا يهمّ، إذا الناس لا يزالون مثمرين مع تقدمهم في السنّ، ومن ثمّ أعيد انتخاب رونالد ريغان في العمر نفسه في عام 1980 (بلغ من العمر 70 عامًا يوم 6 فبراير 1981، بعد أسبوعين من دخوله إلى البيت الأبيض). وأمضى ولايتين بعد ذلك، وقدّم الكثير للرئاسة. سأقول لكم سرًّا: ما يحتاجه الأمريكيون اليوم حقًّا هو رئيس لا يضطّر لتعلّم عمله مع دخول المؤسسة. ما الّذي ينقص باراك أوباما؟ هناك طريقتان للحكم: في حالة الأزمة الدائمة أو من خلال ممارسة قيادة حقيقية. ومن السهل الحكم في ظلّ أزمة دائمة دون التفاوض علنًا مع الخصوم، ولكن عليك هنا أن تدفع ثمنًا باهظًا؛ حيث سيصرف الأمريكيون الأنظار عنك وعن المؤسسات. يجب اليوم استعادة الثقة المفقودة. يجب التوقّف عن الحكم بمراسيم رئاسية؛ لأنّ المرور بالقوّة يخلق دائمًا حالة ارتداد. يجب التدخّل والتحلّي بالصبر وإيجاد حلول وسط والتحليّ بالمسؤولية على الساحة الدولية من خلال استعادة صلاحيات أمريكا، سواءً في مواجهة الإرهاب أو في العراق. وفي سوريا، كان من الضروري تسليح المقاومة المعتدلة وفقًا لما أوصيت به في عام 2011 (وما أوصلت بها هيلاري كلينتون ولكن بلا جدوى). وإذا ما أعلنتم عن "خطّ أحمر" (مثل حالة استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013)، يجب أن تدرك كيف تُحترم وأن تكون مستعدًّا للتدخل. أن تحكم يعني أن تركب المخاطر. هل تبشّر كوبا وإيران بنجاح ملحوظ في السياسة الخارجية؟ إنّ التقارب مع كوبا يعتبر إنجازًا ملحوظًا، ستستفيد منه الزراعة والأعمال التجارية والسياحة إلى حدّ كبير، ولا مفرّ منه الآن؛ إذ إنّه في مواجهة الصين ورغم ذلك اقتصاداتنا مترابطة، وبالتالي يمكن أن ننجح في الأمر نفسه مع كوبا، ولكن هذا يمرّ عبر رفع العقوبات في الكونغرس. يجب السعي نحو رفع العقوبات وانتزاع الدعم واحدًا تلو الآخر. يجب أن نشمّر عن السواعد وتلويث اليدين من خلال دقّ الأبواب بابًا تلو الباب وفقًا للممارسات القديمة. أمّا بالنسبة لإيران، يبدو الاتّفاق حول النووي الّذي يراجعه الكونغرس حاليًا على أساس الاستقطاب الثنائي أوّل علامة ملموسة على أنّ إدارة أوباما تسير في الاتّجاه الصحيح؛ إذ إنّ الجمهوريين الّذين فازوا في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر يريدون إثبات أنهم قادرون على الحكم، وإذا ما استغلّ باراك أوباما هذه الفرصة من أجل التوصل إلى حلّ وسط؛ يمكن أنّ يحصل على تقدم أيضًا فيما يتعلّق بمسألة الهجرة والميزانية وكوبا. ولكن يجب إعادة بناء الثقة والتوقّف عن سياسة الطعن في الظهر عند كلّ منعطف.