سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المصادر الداخلية للسياسة الخارجية السعودية: الإسلاميون والدولة ما بعد الانتفاضات العربية الإسلاميون السعوديون اختلفوا مع حكومتهم تجاه مصر وتونس، واتفقوا معها ضد الشيعة المنطقة الشرقية والبحرين والحرب ضد الحوثيين
الوسط متابعات بروكنجز نشر مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي التابع لمعهد بروكنجز، المؤسسة البحثية غير الهادفة للربح، ورقة عمل ضمن سلسلة دراسات ‘إعادة التفكير في الإسلام السياسي‘ بعنوان "المصادر الداخلية للسياسة الخارجية السعودية: الإسلاميون والدولة ما بعد الانتفاضات العربية"، تتناول الاستجابات المختلفة لساحة الإسلاميين المجزأة تجاه معطيات مختلفة مثل الانقلاب العسكري في مصر، والصراع الدائر في سوريا، والحرب على اليمن التي تقودها المملكة العربية السعودية. وفي حين أن هناك مجموعة من المثقفين وشباب الإسلاميين السعوديين يتبنون عناصر من التوجه الديمقراطي؛ إلا أن الحرب المشتعلة في سوريا، والنظام السياسي الاستبدادي، والنزعات الطائفية المحلية قد زادت من دعم نموذج التغيير السياسي العنيف الذي يتبناه تنظيم الدولة الإسلامية. ويخضع تحليل الإسلام السياسي في المملكة العربية السعودية لسياق السياسات الإقليمية للمملكة العربية السعودية. ونظرًا لمكانة المملكة العربية السعودية الحاسمة بوصفها بلدًا يحوي اثنين من الأماكن المقدسة في الإسلام، مكة والمدينة، بالإضافة إلى نهج السياسة الخارجية الاستباقية الذي تم اتباعه في الفترة الأخيرة؛ فإن مسألة معطيات السياسة الخارجية أصبحت مصدرًا للجدل بين الإسلاميين السعوديين. وبسبب وجود قيود حول النقاش في السياسات الداخلية، أصبحت النقاشات حول السياسة الخارجية ميدانًا لصراع القوى الاجتماعية المتعارضة. وتعتبر المملكة العربية السعودية إحدى أهم الدول العربية والإسلامية بسبب الموقع الاستراتيجي والموارد المالية الضخمة الموجودة تحت تصرفها؛ وبالتالي فإن هذه المناقشات بحق السياسة الخارجية تعد ذات أهمية كبرى لمنطقة الشرق الأوسط وخارجه. ويزعم الباحث أنه بعيدًا عن الجغرافيا السياسية للدولة، فإن العلاقة الديناميكية بين الدولة السعودية والإسلاميين السعوديين قد أصبحت عنصرًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية السعودية منذ العام 2011. ومنذ العام 2011، كان على الفاعلين الإسلاميين من السعوديين أن يتكيفوا مع البيئة الإقليمية المتغيرة على نحو متسارع، وكذلك مع صراعات السلطة داخل الأسرة الحاكمة التي بلغت أوجها بتتويج الملك سلمان وتعيينات الإدارة الجديدة في العام 2015. وبشكل عام، شعر الفاعلون الإسلاميون بالصدمة جراء الدعم السعودي العام للانقلاب العسكري في مصر. وعلى الجانب الآخر، تم استقبال ظهور تنظيم الدولة الإسلامية ببعض التعاطف؛ لأن الدولة الإسلامية يمكنها أن تدعم وجهة النظر المناهضة لإيران وللشيعة، وهي التي تم استثارتها بواسطة الخطاب الحكومي والإعلامي لحكومات المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي على مدار سنوات مضت. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت التطورات السريعة للجماعة في زيادة شعبيتها في المملكة العربية السعودية، كما ساهمت في الحقيقة القائلة بأن آلاف المواطنين المنتمين إلى السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي قد انضموا إلى الجماعة كمقاتلين وقادة ومنظرين. ولكن تدفق المقاتلين السعوديين والتمويل على سوريا تمت إدانته بشكل علني من قبل الحكومة، وخاصة بعد إعلان الخلافة في منتصف العام 2014. ويمكن للملك سلمان، الذي تولى السلطة في شهر يناير 2015، أن يبني على اتصالاته المكثفة مع مختلف القوى الإسلامية في المملكة، والتي أنشأها عندما كان أميرًا للرياض منذ العام 1963. وفي الواقع، يبدو أنه هو وإدارته الجديدة أقرب إلى الإسلاميين السعوديين، بما فيهم أنصار جماعة الإخوان المسلمين. ونتيجة لذلك، وربما لأن ذلك يصب مرة أخرى في مصلحة السردية السعودية الوطنية للمملكة باعتبارها المدافع عن "السنة" في المنطقة؛ تم تأييد الحرب على الحوثيين في اليمن والتي بدأت في شهر مارس 2015 من مختلف القوى الإسلامية السعودية من جميع أنحاء الطيف الأيديولوجي. وقد كانت هذه فرصة لرجال الدين الإسلاميين والشخصيات العامة لكي يعلنوا عن دعمهم للملك الجديد والقيادة السعودية، بالإضافة إلى السياسات السعودية الإقليمية، دون أن يفقدوا ماء الوجه أمام أنصارهم. الساحة الإسلامية المجزأة مسألة ما الذي يشكل الإسلام السياسي و"الإسلاميين" داخل المملكة العربية السعودية مسألة صعبة الإجابة. فعلى عكس معظم الدول العربية الأخرى، يتمتع العلماء المسلمون بقدر كبير من السلطة في النظام السياسي، ويشغلون مناصب رئيسة مثل القضاة والوزراء والمسؤولين في الشرطة الدينية. بينما في معظم الدول العربية الأخرى، يواجه الإسلاميون الأنظمة العلمانية أو القومية العربية على نحو ظاهر إلى حد كبير. وفي حين أن الحالة السعودية هي أكثر دقة، تقوم المملكة العربية السعودية رغم ذلك ببعض الأشياء التي يريد الإسلاميون أن يرونها مطبقة في دولة إسلامية مثالية، مثل فرض الأخلاق العامة، وطريقة اللبس، وإغلاق المحال التجارية وقت الصلوات، والفصل بين الجنسين، وجمع الزكاة، والدعوة في الداخل والخارج، ودور الشريعة في القانون؛ ولذلك فإن الساحة "الإسلامية" معقدة للغاية ومختلطة، والعديد من الشخصيات الإسلامية الكبيرة يتم توظيفها بواسطة الدولة. بينما هؤلاء الذين يعملون خارج أجهزة الدولة الرسمية يتداخل عملهم مع عمل المؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة في كثير من المجالات كما يحدث في المساجد والجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام على سبيل المثال. وبشكل عام، صنف الباحث الساحة الإسلامية السعودية على النحو التالي: أولًا: التقاليد الوهابية الرسمية. وتضم رجال الدين في هيئة كبار العلماء، والعلماء في القضاء والشرطة الدينية وبعض قطاعات التعليم. وبشكل عام، أيد رجال الدين هؤلاء استجابة المملكة لتحديات الداخل ولدورها في مناهضة الثورات العربية. وعلى سبيل المثال، قال عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة، الذي ينحدر من عائلة آل الشيخ الدينية التي تنحدر من نسل محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي، إن التظاهرات كانت ضد الإسلام، مانعًا إياها في الدول العربية الأخرى مثل مصر بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية. ثم أيد الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013 (على الرغم من أن مبررات الانقلاب العسكري في مصر تعتمد بشكل كبير على التظاهرات الكبيرة التي حدثت في 30 يونيو). كما أيد المفتي أيضًا الحملة ضد المعارضة وخاصة ضد الشيعة داخل المملكة العربية السعودية، كما أيد تدخل السعودية في اليمن. ثانيًا: المجموعة الثانية، وهي مجموعة مهمة، وهي ما يطلق عليها "الصحوة" أو ما بعد الصحوة، وهؤلاء هم الأشخاص الذين شاركوا في حركة تسمى الصحوة الإسلامية في بداية التسعينيات، والتي تحدت الهيمنة السياسية للأسرة الحاكمة. والصحوة: مصطلح يطلق على المجموعة التي تأثرت بشدة بشبكات جماعة الإخوان المسلمين في المملكة، وتقوم بخلط أيديولوجية الإخوان المسلمين مع التقاليد الوهابية المحلية. ومع ذلك، فإن الأحزاب السياسية محظورة في المملكة العربية السعودية، وتقوم كل هذه الجماعات بالعمل بشكل سري؛ وبالتالي لديهم هيكل أقل رسمية من بلدان المنطقة الأخرى. وقد أيد هذا التيار الثورات التي قامت في تونس ومصر بالإضافة إلى سورياواليمن، ورحبوا بوصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر. وقد قاموا هم ومؤيدوهم بزيارة مصر ومساعدة "إخوانهم" هناك، وإنشاء منافذ إعلامية، واستثمارات في البلاد. وتلك الجماعة تمتلك اتصالات مع أمراء سعوديين بشكل فردي ويمكن توظيفهم من قبل بيروقراطية الدولة. ولكن بشكل عام كان لديهم موقف حاسم من الموقف السعودي تجاه الثورات العربية. وقد وقع بعضهم، مثل رجل الدين الشهير سلمان العودة، على بيان يدعو لإصلاحات سياسية في أوائل عام 2011. وفي واقع الأمر، كان هناك بعض التفاعل في عام 2011 وعام 2012 بين إسلاميي الصحوة والليبراليين والإصلاحيين السياسيين من مختلف الانتماءات. وحاولوا دون جدوى الضغط من أجل الحصول على إصلاحات ديمقراطية في البلاد. وكانت جمعية الحقوق المدنية والسياسية إحدى المجموعات الرئيسة من وراء هذا التحالف، وقد تم سجن معظم روادها بسبب نشاطهم. وفي الفترة من 2011 إلى 2014، كان رجال الدين بحركة الصحوة ومؤيدوهم على خلاف بشكل أو بآخر مع الحكومة السعودية حول كيفية تعاملها مع التحديات الإقليمية باستثناء جزئي بالنسبة إلى الوضع في سوريا. ولكن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، واستيلاء الحوثي على صنعاء عاصمة اليمن في سبتمبر 2014 شكل تحديات خطيرة للمملكة العربية السعودية، وتسبب في إعادة التقارب بين الصحوة والنظام السعودي، وخاصة منذ وصول سلمان إلى الحكم في أوائل عام 2015. ثالثًا: الجهاديون وهم فاعل بارز للإسلام السياسي في المملكة العربية السعودية على الرغم من كونهم خارجين عن التقاليد الإسلامية المذكورة أعلاه. وقد كانوا ناشطين بشكل رئيس في العراقوسوريا، حيث تدعم السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية المعارضة المسلحة. ولكن النجاحات التي حققتها الدولة الإسلامية وإعلانها الخلافة قد قوض هذا التيار. ومن الملفت للنظر حدوث عدد من الهجمات الإرهابية في المملكة العربية السعودية منذ العام 2014، في حين أنه خلال الفترة من العام 2011 إلى العام 2014 لم تكن هناك هجمات جهادية في المملكة العربية السعودية على الرغم من الموقف القوي الذي اتخذته المملكة العربية السعودية لدعم الأنظمة القديمة وتقويض الآفاق الديمقراطية للإسلاميين في مصر وأماكن أخرى، ولكن الهجمات الجهادية قد زادت منذ صيف 2014 وخاصة الهجمات التي تشنها خلايا الدولة الإسلامية. وقد استهدفت الهجمات المميتة حتى الآن الأقلية الشيعية بشكل رئيس. رابعًا: المجموعة الأخيرة هي الإسلاميون الشيعة. وتتركز في المناطق الشرقية. وقد حدثت تغيرات كبيرة بين الشيعة منذ بداية الانتفاضات العربية. وظهرت حركة احتجاجات في العام 2011 واستمرت حتى أواخر العام 2013. وكانت الاحتجاجات يقوم بها الشباب، ولكن رجال الدين والزعماء الإسلاميين شكلوا قيادة الحركة. الدعم السعودي للانقلاب المصري منحت المملكة العربية السعودية لفترة طويلة ملاذًا آمنًا لأنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا يفرون من حملات نظام جمال عبد الناصر أو حافظ الأسد عليهم في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد ساعدوا في بناء الكثير من المؤسسات التعليمية والدينية التي تم إنشاؤها في المملكة العربية السعودية خلال حالة الازدهار النفطي في السبعينيات عندما احتضنت المملكة العربية السعودية الإسلام السياسي كأيديولوجيا مضادة للقومية العربية والأيديولوجيات اليسارية. وفي أوائل التسعينيات، بدأ تيار الصحوة في انتقاد الأسرة الحاكمة بسبب تحالفها مع الولاياتالمتحدة ونشر قوات أمريكية على الأراضي السعودية من أجل "تنظيم" تحرير الكويت في العام 1991. وتضمن تيار الصحوة الكثير من القادة والمتعاطفين مع الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين التي برزت في الساحة كنتيجة لهجرة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى المملكة. وكانت الصحوة مزيجًا من الأيديولوجيا والمبادئ التنظيمية للإخوان المسلمين، والتقاليد الدينية الوهابية المحلية. ويُعتقد على نطاق واسع أن تلك الفترة كانت نقطة تحول في العلاقة بين آل سعود والإخوان المسلمين، وهذا يفسر إلى حد كبير مخاوف آل سعود وردود أفعالهم تجاه تمكين جماعة الإخوان المسلمين والفروع التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة منذ العام 2011. وكانت هذه المسألة أمرًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية السعودية منذ عام 2011، بالإضافة إلى مواقف الإسلاميين السعودييين والإقليميين تجاه آل سعود والنظام السعودي. وقد اعتمدت دول الخليج سياسة مناهضة للإخوان المسلمين، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللذين لعبا دورًا مهمًا في الانقلاب المصري لعام 2013. وقد اجتمع الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية في هذا الوقت، مع شخصيات عسكرية مصرية وحث الدول الغربية على دعم الانقلاب العسكري. كما أيد حزب النور السلفي المصري، الذي يقال إن لديه علاقات وثيقة مع السعوية، الانقلاب أيضًا. وعلى الجانب الآخر، انتقد بعض السلفيين وخاصة من التيار السروري في المملكة العربية السعودية الحكومة. وعبّر أنصار جماعة الإخوان المسلمين عن خيبة أملهم من دعم الانقلاب، وانتقدوا حزب النور لشرعنته للنظام الجديد. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كان يتم استخدام شعار رابعة على نطاق واسع بين السعوديين على موقع تويتر. وقد أدان معظم رجال الدين بالصحوة وغيرهم من القادة الإسلاميين بالمملكة العربية السعودية الانقلاب في مصر، ودور المملكة العربية السعودية في هذا الانقلاب. ولكن المملكة العربية السعودية بدورها ضيقت الخناق على هذه الأشكال من المعارضة، وخاصة على أي شخص يبدي تعاطفًا مع جماعة الإخوان المسلمين التي تم تصنيفها كجماعة إرهابية في مارس 2014. وأصبح استخدام رمز رابعة على تويتر جريمة. كما فرضت الحكومة قيودًا أيضًا على ناشر بارز يقوم بنشر نقد الإسلاميين لسياسات الحكومة السعودية ونشر دراسات نقدية للتقاليد الوهابية بعد أن أصبح وسيلة للصحوة والإصلاحيين الإسلاميين لنشر أفكارهم حول الانتفاضات العربية، وكنتيجة لذلك؛ اتهمت الحكومة الناشرين بالاتصال بجماعة الإخوان المسلمين، وداهمت معرض الناشر ومنعته من المشاركة بمعرض كتاب الرياض في المستقبل. وبعيدًا عن الحقيقة القائلة بأن السيسي والجيش قد قوض جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تم منع الجماعات التابعة للإخوان المسلمين في المملكة من الاستقواء بهم، فإن التحالف مع السيسي في مصر له بعد عسكري قوي. فبعد أيام من شن الحملة العسكرية بقيادة السعودية على اليمن، تم الكشف عن خطة بوجود قوة عسكرية عربية مشتركة، ومن المنتظر أن تلعب مصر فيها دورًا من أجل حماية أمن دول الخليج في مقابل الدعم المالي والسياسي. وكما سيتضح لاحقًا، يعتقد كثير من السعوديين أن هذا التحالف أمر مفيد، ولكن معظم الإسلاميين السعوديين وخاصة الصحوة ينظرون إلى نظام السيسي في مصر على أنه نظام غير شرعي. تحدي الدولة الإسلامية فيما يتعلق بالقضية السورية، كان هناك التقاء مصالح بين الدولة السعودية والإسلاميين، ولكن كلا الطرفين كانا يدركان أنهما يؤيدان الثورة السورية لأسباب مختلفة. وقال سلمان العودة بأن حكومة المملكة العربية السعودية قد استخدمت القضية السورية لتصوير نفسها على أنها بطل القوى الثورية بعد أن أصبحت الراعي الرئيس للثورات العربية المضادة. وذكر أن المملكة العربية السعودية كانت تسعى نحو مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وهذا هو سبب دعمها للثورة السورية. ولكن عندما بدأت الجماعات الجهادية في التطلع نحو طموحات إقليمية أكثر بدلًا من سورياوالعراق فقط، وهو ما يرمز إليه بظهور الدولة الإسلامية، بدأ هذا التحالف بين النظام السعودي والإسلاميين بشأن الملف السوري في التلاشي. وفي وقت مبكر نسبيًا من بداية الثورة السورية، بدأت الأموال والمقاتلون في التدفق من المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج الأخرى وخاصة قطروالكويت على سوريا. وأصبح الكثير من رجال الدين بالصحوة داعمين أقوياء للثورة السورية، وقاموا بحث السعوديين على إرسال الأموال إلى الثوار، وفي بعض الحالات شجعوا السعوديين على الذهاب للقتال في سوريا. وكان لإعلان الخلافة في الدولة الإسلامية في العراق والشام تأثير كبير على المملكة العربية السعودية؛ حيث أجبر ذلك الحكومة السعودية على إعادة تقييم دعمها للمعارضة في سورياوالعراق؛ لأن الدولة الإسلامية نددت بالملكية السعودية وتعهدت بالتوسع إلى المملكة. وقد كان هذا أمرًا منطقيًا بالنطر إلى حجم السعوديين المشاركين في التنظيم، وبالنظر إلى أنه بمجرد إعلان الخلافة، أصبحت مكة والمدينة أهدافًا رئيسة للتنظيم. كما أصبح التنظيم أكثر نشاطًا على نحو متزايد داخل المملكة وقام بتنفيذ العديد من الهجمات داخل المملكة العربية السعودية بيد سعوديين؛ مما أثار التساؤلات عن مدى الدعم الذي تحظى به الدولة الإسلامية داخل المملكة ومدى استعداد الدولة لحماية الأقلية الشيعية فيها. وأصبحت هذه القضية أكثر إلحاحًا عندما زادت الهجمات على المساجد الشيعية بواسطة ولاية نجد التابعة للدولة الإسلامية والتي تعهدت بتطهير شبه الجزيرة العربية من "الروافض". كما زاد النهج الطائفي الذي تستخدمه المملكة العربية السعودية من أجل احتواء الشيعة في المملكة وفي البحرين من حدة المشكلة. وقد أدى التدخل العسكري في اليمن، وهو إحدى أكبر مغامرات السياسة الخارجية في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث، والذي كان يهدف إلى تثبيت حكومة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، إلى تمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية التي استفادت من الفراغ الموجود في السلطة والمشاعر المعادية للحوثيين في جنوباليمن. وبعد أن تم تفكيك شبكات تنظيم القاعدة في السعودية، اندمج البقية منها مع فرع تنظيم القاعدة باليمن واتخذوا اليمن قاعدة رئيسة لهم، وقاموا بتوسيع نطاق عملياتهم بشكل تدريجي. وعلى عكس معظم مبادرات السياسة الخارجية السعودية الأخرى، تم تأييد حملة اليمن بقوة من قبل الإسلاميين في المملكة. وقد يرجع هذا بشكل جزئي إلى الانتماءات والارتباطات بحزب الإصلاح وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن، والذي عانى من التقدم الحوثي ومن ثم تم إعادة تأهيله كحليف تكتيكي للمملكة العربية السعودية منذ بداية التدخل في اليمن. عاصفة قاتلة على اليمن في أعقاب الحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، حدث تحول ملحوظ بين الإسلاميين في المملكة العربية السعودية والمنطقة فيما يتعلق بموقفهم تجاه النظام الملكي السعودي؛ حيث تم النظر إلى السياسات الإقليمية للمملكة العربية السعودية في مرحلة ما بعد 2011، وخاصة دعم السعودية للانقلاب في مصر وهجماتها على تنظيم الدولة الإسلامية وإعلان جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية، من قبل معظم الإسلاميين السعوديين على أنها سياسات سيئة للغاية. وعلى الرغم من تباين مواقف شخصيات الإسلاميين تجاه إدانة الانقلاب في مصر بشكل علني؛ إلا أن موقفهم قد اتفق بشأن الغارات الجوية ضد الحوثيين حيث تم الإجماع عليها تقريبًا، حتى من قبل أولئك الذين كانوا يشتدون على الأسرة الحاكمة وموقفها من الثورات العربية. والطائفية هي عامل مفسر رئيس في هذا الصدد، وخاصة عندما يتناقض موقف الإسلاميين السعوديين بشأن مصر. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: سلمان العودة الذي أيد بقوة التدخل في اليمن بل وأعطى مبررات دينية لقتل الحوثيين. وفي مقابلة له مع قناة الجزيرة العربية، ردد السردية الحكومية بأن إيران كانت تسيطر على الأراضي العربية وتحتاج أن يتم معاقبتها، مما يجعل التدخل السعودي في اليمن أمرًا مشروعًا. كما أيد كل من محمد العريفي وعائض القرني وعوض القرني الحملة السعودية على اليمن عن طريق توظيف الخطاب الطائفي المعادي للدولة الصفوية والإمبراطورية الفارسية. ومن المثير للاهتمام، أن الحركات الإسلامية حتى الإقليمية منها بما في ذلك المسلحون الموجودون في سورياوالعراق قد أشادوا بالملك سلمان والنظام الملكي السعودي لتدخله في اليمن. وفي الواقع، كان هناك بالكاد أصوات معارضة من داخل المملكة العربية السعودية للحملة على اليمن. وفي حين كان هناك الكثير من الدعم للمجهود الحربي؛ إلا أن نقص الأصوات المعارضة له علاقة بالقوانين الأمنية المشددة على الإنترنت. والأشخاص الذين يتحدثون ضد الحملة العسكرية على موقع تويتر في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مثل البحرينوالكويت، يتم إلقاء القبض عليهم على الفور. وكانت الأصوات السعودية المعارضة للحرب تقريبًا تأتي من قبل المعارضين بالخارج. وقد أيد سعد الفقيه، وهو ناشط إسلامي سعودي معارض مقيم في لندن، الحرب قائلًا إنه يدعم الدفاع عن الحدود السعودية و"الأمن القومي"، ومع ذلك انتقد المعاناة التي سوف تلحق باليمنيين جراء ذلك، وانتقد عدم تعاون المملكة في وقت مبكر مع حزب الإصلاح والذي من وجهة نظره كان من شأنه أن يحدث تغييرًا كبيرًا في الموقف. الإسلاميون الشيعة يشكل السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية من 10-15% من إجمالي السكان، ويتركزون بشكل أساسي في المنطقة الشرقية بالبلاد، وخاصة حول القطيف والأحساء. ومنذ السبعينيات، أصبحت الحركات الإسلامية هي القوة السياسية الأقوى بين الشيعة، لتحتل مكانة الحركات اليسارية والقومية العربية التي كانت شائعة في المنطقة الشرقية منذ الخمسينيات. وقد قاموا بانتفاضة في العام 1979 تم قمعها. وقد قضى العديد من قياداتهم سنوات طويلة في المنفى، وظلت التوترات مع الدولة مشتدة خلال فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات. وقد أعاد اتفاق العفو الذي تم توقيعه في العام 1993 معظم المنفيين، وأدى إلى تحالف الدولة مع حركة الشيرازي وهي أبرز الحركات الإسلامية الشيعية. وقد حافظت حركة الشيرازي إلى حد كبير على موقفها الموالي للحكومة ولم تدع صراحة إلى الاحتجاجات كجزء من الثورات العربية في العام 2011. ولكن معظم السعوديين الشيعة أيدوا الانتفاضات في البحرين، ورأوا في الثورات العربية فرصة للتغيير. وقد دعت مجموعة منشقة عن حركة الشيرازي بقيادة رجل الدين نمر النمر، وهو من العوامية، إلى التظاهرات، وبدأت الاحتجاجات في فبراير 2011. وقد كانت احتجاجات سلمية بالأساس ولكنها تضمنت في بعض الأحيان اشتباكات مسلحة مع قوات الأمن. وقد ظل هناك فصيل مسلح صغير خاصة في العوامية. ومع ذلك، تم القضاء على الانتفاضة بحلول نهاية العام 2013 بسجن مئات الأشخاص وأكثر من عشرين قتيلًا. وتم اعتقال نمر النمر وحكم عليه بالإعدام. ولازال يوجد هناك تحالف غير مركزي من جماعات الشباب والمعارضة يدعو أحيانًا إلى التظاهر على الرغم من مشاركته الضعيفة. كما يوجد توجه آخر للإسلاميين الشيعة وهو التوجه الموالي للحركة الإسلامية الإيرانية المعروفة باسم خط الإمام؛ في إشارة إلى أتباع خط الإمام الخميني. وقد شكل أنصار هذا الاتجاه جماعة مسلحة عرفت باسم حزب الله الحجاز. وقد دعم خط الإمام على نطاق واسع الثورات منذ عام 2011 وطالب بالإفراج عن السجناء الشيعة المسجونين بسبب دورهم المزعوم في تفجيرات أبراج الخبر في العام 1996 ولكونهم أعضاء في حزب الله الحجاز. ولكن خط الإمام لم تتخذ موقف المواجهة مع الحكومة كما فعلت جماعة نمر النمر. وفي نهاية المطاف، حث عبد الكريم الحبيل زعيم جماعة خط الإمام في القطيف الشبابَ على إيقاف الاحتجاجات والامتناع عن استخدام الأسلحة ضد قوات الأمن. وفي الواقع، فإن الحملة الحكومية على المحتجين الشيعة كانت سببًا آخر للتقارب بين الحكومة والإسلاميين السنة وتم تبريرها جزئيًا بحجج طائفية. الخاتمة شهدت الفترة من عام 2011 إلى عام 2015 تغيرات سياسية عميقة في منطقة الشرق الأوسط جنبًا إلى جنب مع التغيرات في السياسة الخارجية السعودية. وكان على الفاعلين الإسلاميين في المملكة العربية السعودية أن يواجهوا هذه التطورات السريعة. وكانت الأحداث الرئيسة التي حددت موقف الإسلاميين منذ العام 2013، وهي أحداث الثورة السورية والانقلاب العسكري في مصر وظهور تنظيم الدولة الإسلامية وإعلانها الخلافة والحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وبشكل عام لم يتفق الإسلاميون السعوديون مع سياسات الحكومة تجاه مصر وتونس، ولكنهم اتفقوا على الحملة ضد التظاهرات الشيعية في المنطقة الشرقية والبحرين والحرب ضد الحوثيين؛ وبالتالي فإن الطبيعة المجزأة لساحة الإسلاميين في المملكة العربية السعودية أدت إلى استجابات مختلفة من قبل الإسلاميين السعوديين تجاه الاضطرابات الإقليمية منذ العام 2011. وتعد مسألة الإفراج عن السجناء السياسيين إحدى المسائل القليلة التي يتفق عليها جميع الفاعلين الإسلاميين في المملكة. كما أن هناك تنوعًا كبيرًا في وجهات النظر بين الإسلاميين السعوديين حول قضايا مثل الثورات العربية وظهور فاعلين إسلاميين جدد والديمقراطية وتطبيق الشريعة واستخدام العنف. فقد تبنت مجموعة من الإسلاميين الديمقراطية والانتخابات، في حين أن البعض الآخر أصبح أكثر اهتمامًا بإرث الحركات اليسارية والقومية العربية في المنطقة ويستوحون شخصيات مثل عزمي بشارة الذي أصبح رمزًا لتطلعات بعض الشباب السعوديين. بينما على الجانب الآخر، ارتفع عدد الأشخاص الذين يتبنون العنف كأداة ثورية للتغيير كنتيجة لفشل التجربة الديمقراطية المصرية وارتفاع نجم تنظيم الدولة الإسلامية.