إذا كان حكم الناس فنا أصيلا تمرست على إجادة مهاراته نخب من شعوب الأرض، حافظت على رفاه شعوبها وتمكين أصواتها في التعبير عن التطلعات المحتبسة فإن المعارضة لمن يحكمون الناس أكثر الفنون تعقيدا ويستلزم لكل من ينيط نفسه مهمة إنجاز المستقبل وتسريع وتيرة التطور ملكات ومواهب ودهاء وبصيرة نافذة إلى عمق الأشياء ومدققة في تفاصيل الواقع. إن أولى مستلزمات التعبير المعارض تلك المتصلة بوضوح الرؤية السياسية التي يتحدد على أساسها الدفاع المجتمع واحتشاد الأفراد حولها كونها تضع أمامهم خارطة التحرك نحو هدف قابل للإنجاز وواقعي ومشروع. والأمر الآخر براعة الاختيار للمواقع داخل النظام والتمييز في ذات الوقت عنه مخالفة في السلوك والتعبير كترجمة للرؤية السياسية وعلامة من علامات التفرد التي تجعل المعارض يقف في مواجهة من يحكم داخل دائرة النظام والقانون، وعلى قاعدة حق المواطنة في الاختلاف والتنافس. إن طاقة أي تحول ديمقراطي تتحدد من خلال حكم رشيد ومعارضة متبصرة تدفع من يحكمون نحو تجويد أسلوب الحكم ورفع سقف المطالب بالتطور السياسي، كون المعارضة عصب هذا التطور وثقافتها المتجددة وواحدة من وسائل تنوير المجتمع. لكن السؤال ونحن نرى احتقان الحياة السياسية وتخلي المعارضة عن استثمار نافع للحوارات التي هي جزء من قواعد اللعبة الديمقراطية هل أحزاب اللقاء المشترك استطاعت أن تكون ممثل الحكمة المختزنة لروح الديمقراطية اليمنية؟ وهل سلوكها يطور الديمقراطية ويعمق دورها في المنظور البعيد لتبلور قسمات نظام سياسي يحلق بجناحي السلطة والمعارضة؟ يمكن لأي مراقب للأدبيات والتصريحات والبيانات وكذا التحركات التي تقوم بها أحزاب اللقاء المشترك يجد نفسه أمام أخطاء فادحة على صعيد الاستراتيجية والتكتيك، الأمر الذي أفرغ مناورات المشترك وأسلوب إدارته للخلافات مع المؤتمر الشعبي العام من المعنى المستهدف ورغم أن الأخطاء كبيرة وكثيرة إلا أننا نجده قد فشل في تجاوز معوقات بنيوية تحول بينه وبين تحقيق أي هدف سياسي ومن هذه الأخطاء: 1) خطأ تحديد الهدف: التحركات السياسية والحوارات والتحشيد الشعبي والبيانات الصاخبة فشلت في تقديم الجواب الكافي والوافي لسؤال ماذا يريد المشترك من وراء افتعال أزمة تطوي في ثناياها قضايا الوطن وتلوح بالتهديد بتصديع الوحدة الوطنية كما أنها تضع الانتخابات البرلمانية كاستحقاق دستوري في مجال نيران الأهداف السياسية. فالمشترك لم يقل للرأي العام ماذا يريد؟ هل الخلاف مع المؤتمر سياسي أم صراع على الوطن لا تنافس على السلطة؟ أم أنه يتولى معالجة ملف أزمة الوطن حسب تعبيرهم بمكوناتها الاقتصادية والأمنية والسياسية وبأبعادها التاريخية كحرب 1994م، حسب تعبير محمد الصبري أم أن هدف المشترك الولوج إلى التعاطي مع القضية الجنوبية حسب تعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان؟ هذا التعدد في الأهداف يكون من الأخطاء المميتة لوزن وفعالية أي تجمع سياسي أو حزب فما بالك بهذا اللقاء الذي فشل في الإمساك بغاية واحدة ومشروعة. وهذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل طالما لم تتمكن العقول من تحديد الهدف فهل تستطيع هذه العقول إنجاز أي هدف وقد فشلت في إخفاء الضياع السياسي المتمثل بغياب الهدف عن أعين الرأي العام بعد جولات من الحوارات وإخفاقات متتالية في المداولات وتكسر المبادرات على صخرة هذا الضياع السياسي؟ 2) خطأ تحديد المركز: إن المنظومة الديمقراطية والتقاليد السياسية تفرض على أي طرف سياسي أن يحدد مركزه إن كان جزءا من بنية هيكلية تقوم على معارضة وحكم -أقلية وأكثرية- جمهوريين وملكيين- ديمقراطيين وسلفيين. تعيين المركز قضية حيوية لأنها تتصل بمسألة هوية ورقعة الانطلاق نحو الآخر. وهو الأمر الذي أخفقت فيه أحزاب اللقاء المشترك عن التعبير بلغة ومنهج يمنحها حق التعبير عن تلك القضايا رغم أنها شارفت بعض الأوقات وفي مناطق ومحطات معينة من الحوارات الوصول إلى امتلاك مركز التعبير المعارض في النظام، لكنها تتحدث كوصي عن كل الشعب اليمني. وفاحصة لكل تصرفات النظام وضاغطة بأدوات غير سياسية لفرض مقولة الأزمة على أجندة الحوار وإكراه حزب الأغلبية على قبولها وهو مؤشر على خلل في تعيين هذا المركز، وخلل في إملاء هذا المركز قبل التفكير في التمدد لتمثيل قطاع أعرض، فهم يزعمون أنهم يمثلون الأغلبية -حسب الصبري- أما لعتواني فيعتبر تصويت الأغلبية على اتفاق سياسي تقاعسوا على الالتزام به وترددوا في الوفاء بمتطلباته بتحديد أسماء ممثليهم في اللجنة انقلاب الأغلبية على الأقلية وهو بذلك يكرر منطق الرفض لتحديد الموقع والانطلاق منه للتعبير عن المراكز السياسية داخل النظام الديمقراطي حدا يجعل الميوعة في المركز لأحزاب اللقاء المشترك ينقلب إلى طغيان الأقلية في مواجهة الأغلبية. 3) خطأ التحرك خارج النظام والقانون: وهو ما تمثله الدعوة المطالبة باعتماد ديمقراطية التوافق الوطني وهي وصفة أطلقها المتوكل لتعالج الصداع السياسي الذي دخله المشترك ولم يستطع التملص منه، وهذه الوصفة تعني إسقاط الدستور، وإلغاء إرادة الشعب وتجاهل المؤسسات والهياكل الديمقراطية، كما تعني إلغاء أو شطبا لإرث الخبرة الوطنية في الانتخابات التي عينت المراكز والأوزان لكل قوة من القوى السياسية بل هو رفض صريح للعمل بقانون انتخابات، ويعني التوافق أن يتم إهدار خبرة الشعب في الاختيار والتعلم من الخطأ والعودة مرة واحدة إلى 1993م، تلك الفترة التي انطلق فيها مبدأ الوفاق الذي كان ضرورة للتأسيس الديمقراطي ولكنه إذا استمر بعد 2008م يعني أننا نستخف بإرادة الشعب ونستهتر بالدستور ونعيد طبخ كل عملية انتخابية حسب الحصص والتوافقات. الأمر الذي يجعلنا نسأل: ما الذي أبقت هذه الوصفة من كلمة الديمقراطية؟ إلا أن هذا الخطأ يوحي ليس فقط بضيق المشترك بالديمقراطية وكذا مخالفته للعديد من الدعاوى التي يطلقها بأنه يريد دولة حديثة وإعمال قانون ويطالب بالبناء المؤسسي ولكنه في حيقة الأمر وعند كل اختبار بصدقية هذا الزعم يكشف أنه على النقيض مما يدعو، كما أنه يوحي أنه يخاف من الانتخابات أكثر من خوفه على الديمقراطية التي ممكن أن يقدمها قربانا للحفاظ على المراكز والأوزان التي أمنتها التوافقات السياسية السابقة. وهو خوف يقر بأن المشترك على يقين من أنه أقلية وسيبقى كذلك بل يريد الحفاظ على هذا الوزن في خارطة التمثيل في المؤسسات الديمقراطية. 4) خطأ سوء الإرادة السياسية للتناقضات: يمثل اندفاع المشترك بخطوات غير محسوبة نحو التحشيد الشعبي والنزول إلى الشارع قبل تعيين الهدف الواقعي الممكن إنجازه والمشروع سياسيا والمبرر قانونيا بالإضافة إلى شن حملة إعلامية لا تتردد في الإساءة والتعريض لحزب المؤتمر والظهور بين فينة وأخرى ببيانات تعلن القطيعة أو الانسحاب من حوار وجر عشرات القضايا من صعدة إلى الغاز والقضية الجنوبية واللجنة العليا في لائحة مطالب تصبح معها قضية الانتخابات جزئية حسب تعبيراتهم، فيما ينكفئ الحوار أو يتموضع في الغرف المغلقة عند نقطة اللجنة العليا وقضية التعديلات القانونية على لوائح وإجراءات تنظيم العملية الانتخابية، هذا الاندفاع جعل المشترك لا يملك حق التراجع إلى الوراء بشكل مدروس ومنضبط ليستمتع بما يمكن أن يحصل عليه من تنازلات ممكنة ومقبولة من المؤتمر الشعبي العام لكن انطلاقته الشريدة إلى مجاهيل ودروب لا تفضي به إلى شيء يدل على أنه يخطئ في إدارة الخلاف بحنكة ومهارة. وهذه الأخطاء مجتمعة تمكنا من الحكم أن تجربة اللقاء المشترك وفكرة تبلور معارضة في المنطقة الرمادية بين السلطة والمعارضة الإيجابية ما زال بعيدا عن تقديم صور النضج السياسي وبعيدا عن ملكة التكييف والتمثيل للدور الجديد الذي يختبرونه دون أن يكون لهم إرث سياسي في هذا المجال فجميع أحزاب اللقاء المشترك والأساسية منها لم تجرب اختبار فن المعارضة. كما أن فترات اشتراكها في الحكم لم تكن هي الأخرى تنذر بامتلاكهم لمهارة إدارة السلطة، فهم خرجوا من حكم لم يحسنوا توظيف قدرات فيه ووجدوا أنفسهم معارضين لا يميزون بين الصواب والخطأ بين ما يجعلهم شركاء دائمين في النظام السياسي وبين رفضهم لكل شيء في النظام السياسي. المصدر : صحيفة الوسط اليمنية