احتشد مئات الالاف من المحتجين في الميادين العامة وجرى تريد الشعارات والتلويح باللافتات وروعت قوات الامن مما دفعها الى التوقف عن اداء مهمتها وتنحى المستبد الذي كانت تكال اليه اللعنات او فر الى الخارج. لكن ماذا بعد؟ انه سؤال ليس موجها وحسب للمصريين الذين اطاحوا الرئيس حسني مبارك يوم الجمعة لكنه سؤال واجه اولئك الذين وقفوا خلف ثورات اطاحت الانظمة الاستبدادية في عشرات الدول خلال العقود الاخيرة من الزمن. ونادرا ما تستمر النشوة طويلا، فبعد السكرة تأتي الفكرة ويحل محلها تحدي بناء مجتمع يقوم على العدل والديموقراطية والوفاء بتوقعات المؤيدين الذين ربما حركهم توقهم للحرية السياسية بقدر ما حركتهم المصاعب الاقتصادية. وتظهر الدراسات بالقطع سجلا متباينا من النجاح طويل الامد للانتفاضات الشعبية، مثل تلك التي زلزلت للتو دولا عربية مثل مصر وتونس. وذكر تقرير لمجموعة «فريدوم هاوس» لحقوق الانسان ومقرها واشنطن تحت عنوان «كيف تظفر بالحرية من المقاومة المدنية الى الديموقراطية الراسخة»، ان العديد من حالات الانتقال من الحكم الشمولي لا تفضي الى الحرية. فرصة الحرية بعد انفتاح سياسي يتمثل في سقوط (زعيم) سلطوي ليست في حد ذاتها ضمانا لنتيجة مثلى للحرية على الامد الطويل». وتابع ان من بين 67 دولة انتقلت من الحكم الاستبدادي على مدى الجيل السابق، اصبحت 35 دولة «حرة» و23 «حرة جزئيا» وتسعة «غير حرة». وأضاف التقرير ان من بين العوامل المرجح ان تسهم في ارساء ديموقراطية راسخة وجود ائتلاف مدني قوي متماسك قبل التغيير وانتهاج المعارضة اساليب بعيدة عن العنف. وعلى العكس، يقول محللون ان فرص بناء ديموقراطية مستقرة يمكن الاضرار بها اذا توصلت المعارضة الى اتفاق مع قوات الامن لاطاحة حاكم، مثلما يشتبه البعض في انه ربما يكون قد حدث في مصر. وقال دانيال سيروير، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الاميركية، ان المتظاهرين في صربيا وعدوا اجهزة الامن بانها لن تتحمل المسؤولية عن الافعال السابقة اذا ساعدتهم في اطاحة الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش عام 2000. واضاف سيروير الذي يعمل حاليا في معهد جون هوبكينز للدراسات الدولية المتطورة، «هذا الاتفاق انزل كارثة بالانتقال الديموقراطي لصربيا الذي كان لولا ذلك سيقطع شوطا طويلا في الاتجاه الصحيح». وتابع: «من المرجح ان يواجه المصريون مشكلة مماثلة هم اعتمدوا على القوات المسلحة لاطاحة مبارك. السؤال الان سيكون ما اذا كانت القوات المسلحة ستسمح باستمرار الثورة حتى النهاية»؟ ويعتقد بعض المحللين ان فرص احداث تغيير دائم تتعزز اذا كان لدى دولة تاريخ من الديموقراطية على الاقل. وكان ذلك هو الوضع مع الفيليبين حيث بدأ الديكتاتور فردناند ماركوس الذي اطاحت به اضطرابات حاشدة عام 1968 كرئيس منتخب، ومع اغلب دول حلف وارسو التي تخلصت من الحكم الشيوعي عام 1989 وانضمت لاحقا الى الاتحاد الاوروبي. واندلعت اعمال عنف خطيرة في دولة واحدة، هي رومانيا. والاستثناء الذي يثبت القاعدة بين الدول الاوروبية في التكتل السوفياتي السابق، هي روسيا البيضاء، وهي دولة لها لغتها الخاصة لكن من دون تاريخ يذكر كدولة مستقلة وهيمنت عليها موسكو طويلا. وفي حين ان دول البلطيق المجاورة، لاتفيا وليتوانيا واستونيا، القريبة جغرافيا وثقافيا من الدول الاسكندنافية ينظر اليها كمثال للتحديث، وصف القادة الغربيون الكسندر لوكاتشينكو رئيس روسيا البيضاء منذ عام 1994 بأنه اخر ديكتاتور في اوروبا. وكان الملوك يحكمون ايران الى ان اطيح اخر شاه، وهو محمد رضا بهلوي عام 1979 في ثورة اسلامية. ومن قبيل المصادفة ان النظام الملكي في ايران سقط في 11 فبراير بالتحديد، اي قبل 32 عاما من اطاحة مبارك. ومع استخدام الجانبين العنف، احتلت ايران مرتبة متأخرة في قائمة «فريدوم هاوس» للدول المعرضة لخطر زوال مكاسبها الديموقراطية. وسرعان ما نحى المحافظون المعتدلون جانبا لتشكيل دولة دينية يقودها فعليا رجال دين غير منتخبين. لكن ديفيد كورترايت، من معهد كورت للدراسات الدولية للسلام في نوتردام، يقول انه حتى ايران اجرت انتخابات ديموقراطية على الاقل قبل 2009، عندما قال متظاهرون معارضون ان انتخابات رئاسية جرى تزوير نتائجها. ( رويترز )