في السياسة إذا لم تكن لاعبا فالترقب ليس توقفا بل متابعة. ما يجري في المنطقة العربية هذه الأيام من أحداث متسارعة وتحولات هائلة لم تكن كشفت أن ما ظل في الاعتقاد "جمودا" عربيا خارج التاريخ وغير قابل للحركة، فما كان يقوم على رؤية قاصرة وخاطئة، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان وقع انطلاق قاطرة التغيير بهذه المفاجأة المذهلة والصاعقة على الأوساط والأطراف المتشابكة، وما كانت الحيرة والارتباك أصابت من ظلوا يعتقدون أنهم قابضون على زمام كل شيء في هذه المنطقة، وهم بعيدون راهنا عن استنفار ما لديهم في اتجاه احتواء ما يجري ووضع الحسابات لما ستذهب إليه. وربما كان مناسبا في النظر إلى هذه الإشارة إلى ما يمكن وصفه الرؤية والأجواء المزدوجة التي يعبر عنها الرأي العام الأميركي من جهة، وما يخيم على أركان الكيان الصهيوني من جهة ثانية، تجاه ما تشهده المنطقة العربية، ويطلق عليها عديد أوصاف منها "ربيع العرب" و"العالم العربي الجديد" و"الثورة الشعبية الجماهيرية التي أطلقتها حركة التغيير الشابة"... هي تؤشر لبداية أميركية في الرأي العام تجاه المنطقة. * في الولاياتالمتحدة وحسب استطلاع للرأي قام به باحثون في جامعة "ميريلاند" ونشرت نتائجه الاثنين الماضي وجرى من الأول إلى الخامس من ابريل الجاري أيد 75 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع قدرا أكبر من الديمقراطية لو كان ذلك يعني مقاومة أكبر للولايات المتحدة فيما اعترض 40 بالمائة على ذلك. وقال 65 بالمائة من شملهم الاستطلاع إن السير نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط سيكون ايجابيا للولايات المتحدة في المدى القصير، بينما يعتقد نحو الثلث منهم أن ذلك سيكون سلبيا. وأظهرت النتائج (وهذا ليس شاملا لكل ما تضمن) أن 56 بالمائة من الأميركيين لهم نظرة ايجابية إلى الشعوب العربية وأن هذه النسبة ترتفع إلى 70 بالمائة عندما يتعلق الأمر بالشعب المصري. وفي مقابل هذا يعتقد 59 بالمائة من الأميركيين أن الثقافة العربية تنتج "التطرف" و"العنف" أكثر من الثقافات الأخرى. * في الكيان الصهيوني يهيمن القلق من "ربيع العرب"، وهذا ما عبر عنه أركان هذا الكيان في تصريحاتهم. وبحسب استطلاع أشارت إليه صحيفة "فايننشال تايمز" فإن 56 بالمائة من "الإسرائيليين" يعتقدون بأن الأحداث الراهنة في المنطقة العربية ستكون سيئة ل"إسرائيل" مقابل نصف هذه النسبة أي 28 بالمائة يرون أنها مفيدة. وبدون الخوض في ما يسوق صهيونيا في هذا الشأن، بالنظر إلى طبيعة وجود هذا الكيان صارت مخاوفه مفتوحة على وجود العرب قبل حقوقهم المسلوبة وبخاصة الفلسطينيين، من المناسب الإشارة إلى ما أوضحه شلومو افنيري، أستاذ العلوم السياسية والمدير العام السابق بوزارة الخارجية في الكيان الصهيوني، الذي يعطي لنفسه حق توصيف ثورة مصر ب"الفوضى" دون أن يذهب إلى العموميات. قال: "إن جدول الأعمال في إسرائيل يختلف عنه في أوربا وأميركا". ويضيف: "إن كنت تعيش في أوربا وقد تحولت مصر إلى فوضى فهذا سيئ جدا. أما هنا (في "إسرائيل") فليس فقط سيئا جدا، بل هو تغيير حياة. لقد كان لدينا سلام مع مصر على مدى ثلاثين عاما. أما اليوم فلا نعرف".