في عام 1976م، عام التحضير لاتفاقية كامب ديفيد المشئومة التي كبلت مصر وصادرت قرارها السيادي، صدح صوت عاشقة القمر فيروز من على خشبة مسرح حديقة الأندلس في القاهرة بأغنية على نمط الموشحات الأندلسية كان مطلعها "مصر عادت شمسك الذهب" هذا المطلع الذي ألهب يومها مشاعر الجمهور المصري كان بمثابة ردة فعل على محاولة النظام الحاكم إلهاء هذا الشعب باتفاقية "كامب ديفيد" وبانفتاح مصر على الغرب في مقابل الابتعاد تدريجيا عن الخط الثوري المعادي للامبريالية وعن الخط العربي المقاوم للصهيونية الذي بدأ عند نكبة فلسطين عام 1948م. هذه المقطوعة التي مكنت المصريين ليلتها من الالتحام بهويتهم الوطنية والقومية من جديد لم يكن لها من تفسير يومها غير تفسير واحد وهو أن الرحابنة تنبؤ آنذاك بشمس ستسطع في سماء مصر ولكن بعد عقود سيحل خلالها صنوفٌ من الذل ومن الاستعباد ومن الانحطاط السياسي، ومن التقزم الرسمي والشعبي، وكأن الرحابنة بذلك التنبؤ كانوا يكتنزون هذا العمل الفني العظيم لما بعد عهد مبارك وبالتحديد ليوم إشراقة هذه الثورة التي تحققت في يوم الجمعة:11/2/2011م. ما أود التركيز عليه في سياق الحديث عن هذه الثورة هو العامل الذي سرع بنجاحها رغم المؤامرات الإقليمية والخارجية التي حاولت وبشتى الطرق والوسائل وأد هذه الثورة وحرفها عن مسارها وعن أهدافها المرسومة ... هذا العامل يتمثل بعدم ظهور أية واجهة حزبية او دينية او عسكرية تدعي تزعمها لهذا العمل الثوري أو على أنها واجهة الثورة الذي يمكن لاي طرف داخلي أو خارجي التخاطب معها أو التفاوض حول أي مطلب من مطالب الثوار في الساحات المختلفة من الإسكندرية شمالا وحتى أسوان في أقصى جنوب مصر. كل السفارات العربية منها والأجنبية في القاهرة والتي كانت عواصمها على علاقة وثيقة بالرئيس المخلوع مبارك وبنظامه والتي دأبت على إخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي على امتداد ثلاثة عقود زمنية, عجزت عن الالتقاء أو الجلوس مع أي من قيادات المعارضة التقليدية كون زمام الثورة وخيوط تحريكها كان يتحكم بها شباب الثورة من بروفسورات ودكاترة جامعيين وكبار المثقفين من أدباء وشعراء وكتاب وصحفيين ومبدعين في شتى مجالات العمل الفني الإبداعي وطلبة جامعات ودعاة دين متنورين همهم الأول والأخير هو نجاح الثورة لا كراسي السلطة ومغرياتها... جميع هؤلاء كانوا على قلب رجل واحد وعلى هدف واحد وهو إسقاط مبارك وإسقاط نظامه على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمساواة. للثورة المصرية مذاق أخر.... ليس لألق شمس هذه الثورة فحسب وإنما لما حِيك من خيوط شمسها الذهبية من منجزات كان من أهمها القبض على رأس النظام وعلى كل رموزه وكبار منتفعيه وتقديمهم للعدالة لينالوا جزائهم العادل لما اقترفت أيديهم من جرائم بحق الشعب ولما أقدموا عليه من نهب وسرقة وسطو لممتلكات الدولة ولثروات مصر وخيراتها فضلا عن حل الحزب الوطني الحاكم وحل المجالس المحلية وحل مجلس الشعب كون كل هذه المؤسسات كان يسكن مقاعدها أعضاء وصلوا إلى هذه المقاعد بالغش وبالتزوير وباستخدام المال العام تارة وبالقوة والجبروت تارة أخرى في إطار معادلة الترغيب والترهيب الذي اتبعها النظام على مر ثلاثة عقود من حكمه ناهيك عن إعادة النظر في قضية بيع مصر لإسرائيل مادة الغاز بأسعار بخسه ومجحفة ثم أخيرا الانقضاض على السفارة الإسرائيلية ونزع العلم الصهيوني من على قمة العمارة التي تقع فيها السفارة في حي الجيزة وإرغام السفير وطاقم سفارته على مغادرة مصر والعودة إلى "تل أبيب" ... كل هذه الانجازات المتسارعة لولاها لما أطلق على ثورة مصر بالثورة ولما عادت شمس مصر الذهبية تسطع على أراض الكنانة من جديد. ما يتعلق بثورتنا التي طال مخاضها والذي يعود تعسر ولادتها إلى كثير من العراقيل والصعوبات الداخلية والخارجية فان ما يجب علينا أتباعه كي تنجح هذه الثورة، وكي نرسم ملامح ثورة حقيقية على غرار ثورة مصر هو أن نتبع خطوات الثورة المصرية وان نمر بمساراتها وبمحطاتها والتي من أهمها التماهي في الساحات الثورية بحيث لا تظهر واجهة فيها غير واجهة الشعب المطالب بالتغيير وباجتثاث النظام الفاسد وبتقديم من تلطخت أيديهم بدماء أبناء هذا الشعب ومن تلوثت أيديهم بنهب المال العام إلى ساحات القضاء؛ لمحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم ومن فضاعات جنائية ومالية خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ما يتوجب علينا أتباعه أيضا لاسيما على من التحقوا بثورة الشباب في الساحات وبالتحديد ممن حموا الثورة واحتموا بها هربا من مخططات وبطش النظام مستقبلا بهم وبمصالحهم أن يضلوا جنودا مجهولين وان يؤثروا الوطن وشبابه وفقراءه ومظلوميه على أنفسهم وعلى مصالحهم وعلى طموحاتهم السلطوية، إذ يكفيهم من نشوب هذه الثورة ومن انتصارها هو خروجهم من مأزق الصراع الغير متكافئ الذي كان يُرتب له النظام والذي كان سيفرض عليهم بالتأكيد في حال عدم إحراق "محمد البوعزيزي" لنفسه وفي حال عدم التقاط شباب الثورة هنا لهذه الفرصة التي لم تكمن تخطر على بال احد ولو في الأحلام بما في ذلك أحلام هؤلاء الملتحقين بالثورة.