شهدت اليمن خلال الفترة الماضية طفرة في إنشاء الصناديق الخاصة التابعة لبعض الوزارات والجهات الحكومية مثل صندوق التشجيع الزراعي والسمكي وصندوق رعاية النشء والشباب وصندوق تنمية التراث وغيرها من الصناديق التي لجأت الحكومة إلى إنشاءها لتغطية عجز الموازنة الحكومية في تمويل بعض الأنشطة والبرامج والمشاريع وهذه كانت فكرة لا باس بها لو تم تسييرها والاستفادة منها بموجب قرارات انشاءها لكنها تحولت إلى مصدر ثراء لبعض الشخصيات ومصدر قلق للمستهدفين منها. وقد يقول القائل كيف تشكل هذه الصناديق مصدر قلق للمستفيدين منها؟ ويمكنني هنا الرد بسهولة فمثلاً صندوق التشجيع الزراعي والسمكي تحول إلى ازعاج للمستفيدين لأنهم عولوا عليه الكثير والكثير ورسموا الكثير من الاحلام باعتبار ان الصندوق سيعمل على تمويل المزارعين ودعمهم وتشجيعهم على الانتاج من خلال تمويل مشاريع زراعية وسدود وحواجز وشراء مدخلات زراعية لكن المسئولين عليه حملوه اكثر مما يحتمل من خلال رصد مشاريع تقدر بمئات الأضعاف من موازنته مما ارهقه وجعله غير قادراً على الإيفاء بها ومثله صندوق رعاية النشء والشباب الذي تحول إلى صندوق رعاية البطون لبعض الناس وأهمل الشباب وجعل المستفيدين يكرهون اليوم الذي عرفوا فيه هذا الصندوق الأمر الذي ينسحب على صندوق تنمية والتراث والمبدعين الذي نام وأصبح في عداد المفقودين الذين نبحث عنهم في برنامجي نوح الطيور ونداء المغتربين وهكذا اصبحت هذه الصناديق مصدر قلق للمستفيدين ورغم فشلها إلا أن هناك أناس مازالوا يدافعون عن وجودها.
وعموماً ربما ان فكرة إنشاء صناديق لدعم جهود الحكومة عبر استقطاعات من ضرائب بعض السلع فكرة جيدة إلا انه يجب ان يتم تقييم أوضاعها ودراسة اخفاقاتها وكيف اخفقت ؟ ولماذا فشلت ؟ وكيف نطورها ؟ حتى يتم الاستفادة من اي افكار جديدة تصب في مصلحة البلاد والعباد لكننا عندما نتبنى فكرة او مشروع لا نخضعه للتقييم كأحد شروط التخطيط الناجح والإدارة المتميزة ولا نحاسب من تسبب في ضياع وإهدار المال العام وأفشل تجارب كان يمكن ان تكون ناجحة وتنهض بالبلاد.
هذه المقدمة الطويلة كان لابد منها للدخول إلى الموضوع الرئيسي الذي اود الحديث عنه والمتمثل في وضع الطفولة في البلاد وغيابها التام عن رؤى الحكومة ومشاريعها وبرامجها ولم تفكر أي حكومة من الحكومات المتعاقبة في أن يكون لديها رؤية وإستراتيجية خاصة بالطفولة على الواقع فربما يرد اي مسئول حكومي ويقول ان اليمن لديها استراتيجية الامومة والطفولة وصادقت على المواثيق الدولية المتعلقة بالطفولة وهذا صحيح لكن هل هناك تطبيق فعلي لهذه الاستراتيجيات والقوانين والمواثيق؟ أنا اشك في ذلك واتحدى اي شخص يقول لي ان هناك تنفيذ حقيقي وواقعي لها والا لكان اطفال اليمن ينافسون اطفال العالم في الرفاهية لكنهم يتفقدون لأبسط حقوقهم والدولة والحكومة غائبة تماماً عنهم وهذه هي الكارثة التي ستحل باليمن في المستقبل فطفولة بائسة ومعذبة لا شك ستنتج اجيال ضائعة ومجتمعات مريضة ومستقبل مجهول.
اتمنى من الحكومة ان تلفت نظرها للطفولة وتهتم بها ويمكن ان يكون هناك دراسة علمية معمقة لإدراج مشاريع الطفولة وبرامجها ضمن اولويات الحكومة واهتماماتها وموازناتها وإطلاق استراتيجية جديدة للطفولة تتضمن رؤية حديثة لمعالجة قضايا الاطفال في اليمن وإنشاء صندوق للطفولة يتم تمويله من القطاع الخاص وبعض المنظمات الدولية العاملة في مجال الطفولة يهدف إلى دعم هذه الاستراتيجية وتنفيذ مشاريع مختلفة من شأنها الارتقاء بوضع الاطفال في بلادنا ويكون صندوق الطفولة هو الحاضر الأساسي وليس صناديق انحرفت عن مسارها وأهدافها وغابت عن أداء مهمتها الاصلية إلى مهام هامشية كما هوا الحاصل الان.