تعز.. أكبر مدن اليمن من حيث الكثافة السكانية، ومن الظلم وكثير القسوة معاً أن تتنفس برئة واحدة! رئة بعيدة وكئيبة وتنتهي الحياة فيها مع حلول المغرب كما لو أن الأوادم فيها مجرد دجاج عليهم العودة سريعاً إلى البيوت!؟ الناس هنا تختنق ، ويزيد خطباء بعض المساجد-الله يسامحهم- يغلّقوا ما نقص.خطب لا تنتهي عن تفسّخ المجتمع وعن انهياره وعن الغناء والاختلاط، متناسين أن تعز خليط من الناس، خليط من الحياة. جميعهم مروا من تعز.. قادة الفكر والدين والأحزاب والأدب والفن.. والفراغ أيضاً. هل سيبدو الحديث عن(الشبزي) مناسباً هنا؟ ربما، طالما وهي مدينة يطلق عليها الآن عاصمة للثقافة. حسناً..من تعز أيضاً- وبقصائده الغنائية- قاد أعظم حاخامات يهود اليمن على الإطلاق (موري سليم شبزي) قبل قرابة500سنة أكبر عملية لتحرير اليهود اليمنيين الذين نفاهم (المتوكل على الله إسماعيل)من مناطق الجبل إلى السهل إثر وشاية تحدثت عن علاقة حب جمعت إحدى بنات القصر الحاكم بأحد أبناء الطائفة اليهودية آنذاك. كان الشبزي ثائرا وعالما وشاعرا تلجأ إليه حتى النساء المسلمات للتداوي من العقم. ولعله من المفيد الانتباه جيداً إلى أن (الجنبية) و(البندقية) لم تحضرا دائماً في ذاكرة هذه المدينة كما هي الكلمة حاضرة. الثائر الصوفي(أحمد بن علوان) هو الآخر كان شاعراً وقاد بالكلمة ثورة قديمة ضد الظلم، وله في "يفرس" إلى الغرب من تعز ضريح لا يزال حتى اللحظة يُعد كمزارٍ. إنه يمكن لسياحة دينية أن تقوم هنا وبامتياز.. ليس ضريح (الشبزي) أو(ساقية) الماء التي استخدمها لمداواة المرضى من اليهود والمسلمين، ولم تزل تجري حتى اللحظة. ليست الساقية لوحدها، رغم بداوة الإهمال الرسمي، هي التي بوسعها أن تقدم لعشاق السياحة الدينية فرصة للانبساط. جامع(الجند) الذي بناه العام 6 للهجرة(معاذ بن جبل) على بعد 20 كيلو من المدينة هو الآخر بوسعه فعل ذلك أيضاً، باعتباره أول مسجد رُفع فيه أذان الإسلام في اليمن. كما يوجد في قمة جبل صبر3200 قدم فوق مستوى سطح البحر، مسجد (أهل الكهف)..لكن، لا كلب باسطٌ ذراعيه هناك كما الإهمال الذي ضرب قلبها كثيرا! هذه هي تعز الآمنة.. تعز الثقافة.. تعز الحضارة والتاريخ وصوت الأذان الذي رفعه معاذ بن جبل إلى الله وليس إلى الحزب. يمكن لتعز أن تصبح مدينة سياحية بامتياز إذا ما تم استغلال الشريط الساحلي الممتد من المخا إلى باب المندب . لدى المحافظ "شوقي أحمد هائل" روح جميلة وإحساس مفعم بالحياة ما يجعل الناس ينظرون إلى أن ميلاد تعز الجديدة سيكون على يديه، والواجب الأخلاقي والوطني معا أن يسانده الناس، أو في أسوأ الاحتمالات: دعوه يعمل.