واشنطن- حذرت وزارة الخزانة الأميركية أمس من أن تخلف الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها "قد يكون سابقة وكارثة محتملة" مع تداعيات قد تكون أكثر خطورة من الأزمة المالية العالمية التي حدثت تفجرت في عام 2008. ويتعين على الكونغرس قبل موعد 17 أكتوبر الجاري رفع سقف الدين العام لتفادي سقوطها تحت طائلة التخلف الولاياتالمتحدة عن سداد التزاماتها المالية. وقالت الوزارة في تقريرها قبل أسبوعين من الموعد النهائي المحدد إن "سوق التسليف قد يتجمد وقيمة الدولار قد تنهار وأسعار الفائدة الأميركية قد ترتفع بقوة، ما يقود الى أزمة مالية وانكماش سيذكران بأحداث 2008 وحتى أسوأ من ذلك". وقال وزير الخزانة جاكوب لو في بيان: "كما رأينا قبل عامين فإن الغموض الطويل الأمد بشأن معرفة ما اذا كانت أمتنا ستدفع في الوقت المحدد كامل مستحقاتها المالية، سيضر باقتصادنا". وأضاف أن "تأخير رفع سقف الديون حتى اللحظة الأخيرة هو بالتحديد ما لا يحتاج إليه اقتصادنا". ويتمتع الكونغرس بصلاحية رفع سقف ديون الولاياتالمتحدة البالغة حاليا 16.7 تريليون دولار، وترفض الغالبية الجمهورية في مجلس النواب القيام بذلك في خضم معركة مع إدارة الرئيس باراك أوباما حول الموازنة الأميركية. وفي صيف 2011، أدى وضع سياسي مماثل حول سقف الديون إلى شل واشنطن ما دفع بوكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني إلى حرمان الولاياتالمتحدة من تصنيفها الممتاز "أيه.أيه.أيه". تنازلات جمهورية مربكة في الأثناء تبنى مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون، اجراءات لفتح بعض خدمات الدولة الفدرالية ولكن باراك أوباما هدد باستعمال حق النقض. والخطة هي الخامسة التي يصوت عليها مجلس النواب منذ السبت ولكنها ستفشل هي أيضا إذ أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يطالبون بقانون مالي عام لستة أسابيع يغطي مجمل الدولة الفدرالية وعلى عكس علاجات الجمهوريين المؤقتة. وتبنى مجلس النواب مشروعين صغيرين لقوانين مالية محددة جدا تطال الخدمات الفدرالية في الحدائق والمتاحف والمؤسسات الصحية التي تقوم خصوصا بمشاريع أبحاث ضد الأمراض الخطيرة مثل السرطان. واقروا أيضا اجراء تمويل الخدمات البلدية في مدينة واشنطن والتي تعود ميزانيتها إلى الكونغرس. ولكن المعارضة الديمقراطية صوتت ضد هذه المشاريع باستثناء المشروع المتعلق بالعاصمة الفدرالية الذي تم تبنيه بالإجماع. وتساءل زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب هاري ريد خلال مؤتمر صحافي "بأي حق يمكنهم اختيار الجزء من الدولة الذي يريدون تمويله؟" في حين قال الجمهوري ستيف ستوكمان في تغريدة على تويتر إن "زعيم الديمقراطيين قال للأطفال المصابين بالسرطان أنه لن يساعدهم". ورد الديمقراطي كريس فان هولن بالقول "إذا اردنا أن نفتح حدائقنا الطبيعية وإذا أردنا فعلا أن نساعد أبطالنا، فهناك طريقة بسيطة جدا للعمل على الفور: يجب ان يدعو رئيس مجلس النواب الى تصويت" على قانون عام للمالية. وحتى إذا أقرت مشاريع القوانين هذه في مجلس الشيوخ، فإن البيت الابيض أعلن أن باراك أوباما سوف يستعمل حق النقض ضدها. أوروبا متوترة بسبب الأزمة وفي أوروبا تزايدت الدعوات غير المباشرة الموجهة للولايات المتحدة لحثها على الخروج من مأزق الميزانية، وصدرت بالخصوص عن كل من رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي ووزير الاقتصاد الفرنسي بيار موسكوفيسي. ورأى دراغي أن "اغلاق الحكومة الفدرالية"، سيشكل "خطرا على الولاياتالمتحدة والعالم اذا ما استمر"، لكنه عبر عن تفاؤله بامكانية التوصل الى حل قبل موعد 17 اكتوبر. وقد وافقه عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين، بينهم بنجامين كارتون الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات المستقبلية، الذي أكد أن الوصول الى التخلف عن السداد أمر غير ممكن. وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية "اذا ما وصلوا الى هذه المرحلة، يجب ان يساورنا القلق حيال مستقبل الولاياتالمتحدة". واعتبر وزير الاقتصاد الفرنسي أن الأزمة في الولاياتالمتحدة "يمكن ان تكبح الانتعاش الحالي"، اذا ما عجزت الولاياتالمتحدة عن التوصل الى اتفاق على رفع سقف الدين، كما ذكرت الأربعاء المتحدثة باسم الحكومة نجاة فالو بلقاسم. وأضافت "ننتظر أرقاما اكثر دقة، لكن يبدو في الواقع ان كل يوم تعثر يؤدي الى خسارة مالية مهمة للولايات المتحدة وبالتالي الى عواقب على شركائها". وبسبب تعثر الاتفاق على الميزانية بين الجمهوريين والديموقراطيين، اضطرت الدولة الفدرالية الأميركية الثلاثاء إلى اغلاق أجهزتها غير الأساسية وبات مئات آلاف الموظفين في بطالة فنية. وقال بنجامين كارتون إن الخطر الاكبر يكمن ايضا في "الشكوك الكبيرة حول الطريقة التي ستعتمدها الولاياتالمتحدة للسيطرة على عجزها في الميزانية". وأشار هذا الخبير الاقتصادي الى أن هذه الشكوك الكبيرة "ستؤثر تأثيرا كبيرا على السياسة النقدية، لان البنك المركزي الأميركي يجد نفسه مضطرا لإدارة الفوضى، في الوقت الذي لديه أمور أخرى ليهتم بها ولاسيما إنهاء سياسته المتساهلة جدا". ويرى كارتون في قلق الأوروبيين أيضا "ارتياحا طفيفا" للإشارة الى المشاكل الأميركية التي من شأنها أن "تقلل من اهمية الأزمة المؤسسية في منطقة اليورو" التي وجهت إليها واشنطن انتقادات حادة.