قبل نحو عقدين من الزمان، ومع بشائر إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، كتب الأستاذ زيد بن علي الوزير كتاباً نفيساً عن اليمن ومشاريع التوحيد بعنوان (نحو وحدة يمنية لا مركزية)، ووضع فيه عدداً من المقترحات من تجارب أمم مختلفة، وكان أهم ما تناوله تجربة سويسرا والكانتونات فيها.. الكتاب الذي كتبه الأستاذ زيد، ككل كتاباته، رصين ومشبع بالمعلومات وحسن العرض والسبك واللغة الراقية، لكن الإخوان المسلمين لم يرضهم ذلك حينها، فأنهضوا أحد فتيانهم واسمه الحارث الشوكاني لكتابة رد على الكتاب، وكان الرد عدوانياً وغير مؤدب، وقال في الكاتب والكتاب ما لم يقله مالك في الخمرة كما يقول العرب. **** الآن، وبعد عقدين من الزمان يتبنى تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن بقوة مشروع الأقلمة الذي من شأنه تمزيق وتشتيت اليمن الموحد بطريقة لا يدري العاقل فيها ما المراد حقيقة منها، إن لم يكن هو تفتيت الكيان اليمني العربي التاريخي الذي يقع جنوب جزيرة العرب والذي يحرس خزان النفط الكبير. **** كنا نعلم منذ ما سمِّي بحرب الخليج الثانية أن هناك مؤامرة لتفتيت كيانين بشريين عظيمين لهما عمق تاريخي وحضاري وثقافي ويحرسان برميل النفط الكبير في جزيرة العرب.. هذان الكيانان هما العراقواليمن، وقد دارت الأيام دورتها وشارف المشروع على تمامه مع مغالبة القوى الخيرة لهذا الهدف، خصوصاً في العراق الذي سبق اليمن في السير على خطى (الفدرلة والأقلمة)، ولكن القوى الفاعلة فيه ظلت تستميت لتفوت هذا الهدف على قوى العدوان والشر، رغم أن العراق قد أصبح حطاماً.. **** نحن في اليمن صرنا حطاماً أيضاً، ولو بقدر أقل، وتهيكل الجيش لينتهي نفس النهايات العراقية ويصبح هدفاً مباحاً لقوى مشروع الشرق الأوسط الكبير للإجهاز عليه بعد أن نُهبت معداته وسُرقت أسلحته وتشتت قواه وقتل قادته وجنوده، ولا يزال. **** نحن إذن أمام تفتيت للتاريخ والجغرافيا والسكان، ونحن أمام تدمير ممنهج للجيش أفقده كل القدرة ليس على حماية الوطن فحسب، بل وعلى حماية أفراده.. ويظل المشروع سائراً في طريقه بغير تردُّد ولا إبطاء. **** في مشروعنا الذي لا يشبهه مشروع في تاريخ الأمم يحظى الشباب بنسبة تمثيل في الهيئات التشريعية والرسمية 20% فيما تحظى المرأة بنسبة 30%.. فيما يحظى جنوب الوطن بنسبة تمثيل شاملة تصل إلى خمسين في المائة من كل هيئات الدولة وفرص التوظيف والتعليم وغيره. **** أنت لا تدري ولا أدري أنا من هم الشباب ومن هي المرأة التي يقصدها المشرِّعون لهذه الأقلمة غير من يعرفونهم من أعضاء التنظيمات السياسية التي اتخذت لها وجوهاً عديدة وعناوين لا تحصى ولا تعد، كما رأيناها في مؤتمر الحوار الوطني طوال عشرة أشهر.. ثم أنك لا تدري كيف سيكون لأكثر من ثلثي الشعب اليمني نسبة تمثيل تساوي نسبة تمثيل أقل من الثلث، ولماذا يا ترى هذا التفنُّن في تعميق الحقد وإثارة البغضاء والضغائن بين أطياف الشعب الواحد المتجانس.. **** العراق ومصر وسوريا وتركيا والمغرب والجزائر وتونس ولبنان والمملكة السعودية، ناهيك عن غيرها من الدول، تخضع لنظام يرجع جذوره إلى صدر الإسلام وأيام الخلافة الأولى، ولم تتغير حتى المسميات في بعضها، ونحن اكتشفنا خلال عشرة أشهر بعبقريات أممية أن مشكلتنا تختلف عن الجميع ولا حل لها إلا بتفكيك البنية الإدارية التي ضمتنا لعقود وقرون وإعادة الدولة الواحدة إلى دويلات وبتصميم يستعيذ الشيطان نفسه من أن يتبعه.. *** لا تقل لي هكذا فعل الشيخ زايد رحمه الله.. فالشيخ زايد جاء على إمارات متناثرة في الصحراء تحكمها أعرافها القبلية، وأوجد منها دولة واحدة موحدة قوية بعد أن كانت أشتاتاً، ونحن نريد فعل العكس، وشتان بيننا.