أوروبا الغربية، وخاصة بريطانيا وفرنسا لم يكونا موافقين على نظرية المبادأة الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، غير أنهم انخرطوا في المعادلة انخراط المجبور الذي لا مفر له من الاتساق مع العربة الأمريكية القائدة للغرب السياسي العالمي، وعندما أزفت ساعة الاحتفال البريطاني بالنصر المبين بعد سقوط نظام صدام حسين، هرول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنئذ.. هرول ليُبشِّر ملكة بريطانيا بالنتيجة، ويقترح عليها احتفالاً كبيراً بالمناسبة ، فكان رد الملكة المباشر: ليس بعدُ يا توني. وبهذا القول بدا واضحاً أن الاستشارات السياسية البريطانية العاقلة أدركت مُبكراً أن ما جرى في العراق لن يصنع نظاماً ديمقراطياً مثالياً، ولن يقدم نموذجاً صافياً للنظام العربي الجديد، بل العكس تماماً، وقد ثبت بالدليل القاطع ما افترضه حكماء أوروبا، فالعراق تحوَّل إلى دولة فاشلة، رغماً عن ملايين براميل النفط التي تُصدَّر يومياً، وأصبح القتل والموت المجاني فيه يتجوَّل يومياً كما لو أنه قدر مقدور على العراقيين، وتحوَّلت الطائفية السياسية المقيتة إلى بؤس يشمل الجميع، ولم يعد أحد يرى في النموذج العراقي الماثل سوى تأكيد فاقع على مآلات بائسة كئيبة، مسارها الدماء الغزيرة، ولُحمتها الزحف نحو موت جماعي مرعب. من شواهد الإدراك البريطاني المُبكِّر لهذه الحقيقة واقعة الموقف العلني، لكبير مفتشي أسلحة الدمار الشامل ديفيد كيلي، الذي رفض رفضاً قاطعاً التوقيع على وثيقة تبرير حرب العراق الأخيرة بحجة امتلاك النظام لأسلحة دمار شامل، وكانت النتيجة بعد يوم من ذلك الرفض العلني ما نقلته الصحف البريطانية من أن ديفيد كيلي وُجد ميتاً في منزله الريفي بعد أن انتحر قهراً. ثم جاء التأكيد التالي بالتخلِّي العلني عن مدير مكتب رئيس وزراء بريطانيا السيد الستر كامبل. الذي تحمَّل لوحده الاتهام بعدم تمرير رسائل التحذير البريطانية لرئيس وزرائه توني بلير. [email protected]