نائب رئيس كتلة التجمع اليمني للإصلاح في مجلس النواب جريمة القتل البشعة التي حدثت الأسبوع الماضي في العسكرية بحبيل جبر محافظة لحج، تبعث إشارات الخطر، وتنذر بالأسوأ إذا لم يقف الجميع عندها بمسئولية، وهي تبين الإنحدار المخيف في القيم، وتنبئ عن اهتزاز في النسيج الاجتماعي بشكل غير مسبوق.
وقد أعجبني استنكار جميع القوى السياسية للجريمة، بما في ذلك الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، وقادة الحراك، ولكن هذا لا يكفي، كما أن الحكمة تقضي بعدم التشكيك في مصداقية هذا الاستنكار، والمطالبة بسرعة تقديم القتلة للقضاء ليأخذوا جزاءهم.
وإذا كنا نستنكر على السلطة استخدامها للعنف، وإطلاق النار الحي على المتظاهرين سلمياً، فإننا أيضاً نطلب من قادة الحراك في المحافظات الجنوبية أن يعلنوا أنهم مع أخوة شعبهم ووحدته، وأنهم ضد التمييز بين المواطنين بحسب مناطقهم، حتى يعلم دعاة الكراهية أن أعمالهم إجراماً لا يقره عقلٌ ولا دين ولا منطق.
إن التعبئة الخاطئة من السلطة لأبناء القوات المسلحة والأمن، هي نفسها ما يقوم بها بعض دعاة الحراك، والتي ماتزال تعزز ضغائن وأحقاداً لا تتفق مع سماحة الإسلام ولا تنسجم مع ماضي شعبنا اليمني.
وحتى أولئك الذين يقولون إن الحادث جنائي، فإن القتل بهذه الصورة تعبير عن اختلال في التربية والوعي، ودليل على الفشل في المحافظة على الثورة والوحدة ومبادئهما، ولاشك أن السلطة تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية باعتبارها تمتلك كل الإمكانات التي تعمق المحبة والوئام والأمن والعدل والسلام، وأي جذور أخرى لا تأتي ثمارها بغير توجه صادق من السلطة مدعوم بالسلوك والعمل.
سنظل نؤيد وندعو إلى العدل والمساواة وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين كل المواطنين، مع إنصافهم وعدم مصادرة حرياتهم، ولن نكلّ أو نملّ عن استنكار سياسة الاستحواذ والاستئثار التي حطمت نفوس اليمنيين وجعلت أكثرهم يشعر بالغبن والجبن، وقد يفقد بعض منهم الشعور بالانتماء لهذا الوطن، ولكنا نعتقد أن الصبر والتحمل في طريق النضال السلمي هو الذي سيعيد الأمور إلى نصابها، وعلينا أن نعلم أن ممثلي السلطة وأصحاب النفوذ لن يقبلوا طواعية وبمحض إرادتهم بتطبيق الدستور على الجميع، لكنهم حتماً سيخضعون للإرادة الشعبية في حال إصرارها على التمسك بحقوقها، وسيتم ذلك في فترة قد تطول أو تقصر.
وبنفس الحماس علينا أن نصارح من يدعو إلى الانفصال أو يغذي الأحقاد بأن مايفعلونه عقوق وتقطيع لأواصر القربى والرحم، ونذير شؤم بمستقبل قاتم لا يبشر بخير، وأن أخطاء السلطة يجب أن لا تقابل بمثلها.
ولابد أن يتضح أن أسلوب إدارة البلاد بالقوة والاستبداد والاستئثار قد أفرز هذه النتوءات الخطيرة، وأن التصعيد المقابل يشعل نيران الحقد والكراهية لكنه لايبني وطناً ولا يحل مشكلة ولا ينصف مظلوماً!!
لابد أن تشبع ثقافة القبول بالآخر، والرضا بأن يتعايش أبناء اليمن جميعاً أو أن يتمتعوا بخيرات بلادهم بالسوية، ونؤكد أن سياسة الإقصاء المستمرة ومنذ أكثر من خمسة عشر سنة قد أوصلتنا إلى مرحلة خطيرة وزرعت الضغائن وسببت في فقدان الأمل عند كثيرين، ولابد لها من نهاية، ومن الخير أن تكون النهاية التسليم بحق جميع المواطنين في أن يعيشوا كراماً في وطنهم، لهم حقوقهم وعليهم واجبات تطبق على الجميع، لا أن يعطى بعضهم الحقوق ويطلب من البعض الآخر الواجبات.
نتوقع من السلطة أن لا تقفل أبواب الأمل، ولا تحول دون التداول السلمي للسلطة، وأن لا تستخدم إمكانات البلاد للتغلب على المنافسين السياسية، وعلى المعارضة أيضاً وهي تسعى للطرق السلمية للوصول للحكم، وهذا من حقها، ولكن يجب أن تبعث رسائل طمأنة مستمرة بأنها لن تكرر أخطاء الحزب الحاكم وأنها ستعمل ليكون الوطن واحة تتسع لجميع أبنائه، والمطالبة بالحقوق لا يصح أن تتحول إلى تقطيع أوصال المجتمع ووشائج الرحم والقربى.