الأستاذ القدير / صالح باعامر ما زال في رحلته يتحفنا بجميل ابداعاته ونحن نتغلغل أكثر في عقله لمعرفة تجربته الرائدة في مجال القصة والرواية ،وأن إجاباته على أسئلتنا هي استخلاص ما يختزنه من ذكريات وأفكار كي تفيد أجيالنا الحاضرة والقادمة … ونبدأ هذه المرة بسؤالنا التالي : *هل أنت راضٍ عن دور النقد الأدبي في حضرموت ؟ (ج ) أولاً لابد أن نعرف ما هو النقد الأدبي ؟ وهل نحن نحتاج إليه ؟ وهل هو تابعٌ للأثر الأدبي أم جنس مستقل !!! النقد الأدبي كان في الماضي البعيد والماضي القريب يقتفي الأثر الأدبي .. فغالباً ما يمتدح الناقد صاحب النص أو يذمه بغض النظر عن إيجابياته أو سلبياته ، بينما يفترض على الناقد أن يقف أمام أية سلبية لينتبه إليها الكاتب أو الشاعر حتى لا يكررها في نصه القادم ويشيد بأية إيجابية ليطورها فذلك سيدفع المبدع أن يتقدم نحو غاياته الإبداعية . على الناقد أن يُقوِّم النص سلباً وإيجاباً وأن تكون قراءته النقدية مستقلة ، بل إنه بالإمكان أن يكتشف رؤى الكاتب أو الشاعر في النص التي لم يفكر فيها السارد أو الشاعر لكنه عندما يقرأها يحبذها .. إن أي أثر أدبي لا يمكن أن يبلغ الكمال ، وإذا اكتمل انتهى دور النقد الحيوي وتعاطى القراء معه واختفت حركيته بل حركية الأدب . الناقد الحق هو ذلك الذي تتوفر فيه أهميتين : الأولى أهمية معرفية وأقصد بها أن تتوفر لدى الناقد نظرية معرفية عن النقد ودوره في الحياة الأدبية والفنية والجمالية .. وأن يلم بكل المذاهب والمدارس الأدبية وأن يكتب نقداً عن الأجناس الأدبية ثم يعتني بجنس واحد فقط يتخصص فيه حتى يصب فيه معرفته وتجربته ويقدم الفائدة الأكثر للمبدع والقارئ . أن يلم الناقد بالعلوم الأدبية والفلسفة والعلوم الإنسانية عموماً فالفلسفة لدى الناقد ضرورية للأديب وللناقد أكثر ليتمكن من الكتابة برؤية ثاقبة وعميقة وأساس معرفي . وذلك سيتم بالتعلم والتعليم والثقافة لأن النقد كما يقال إبداعا آخرا . إن الذي يحبذ أن يغدو ناقداً عليه أن يهيئ ذاته علمياً وثقافياً قبلئذٍ ، وأن يقدم قراءته بأسلوب مقبول وأن يجمع بين العمق والبساطة بادئ ذي بدء وارى أن يكتب الناقد كتابة متدرجة ليلج التجريب النقدي شيئاً فشيئاً في النص .. من هنا سنجد لدينا ناقداً أدبياً أكثر جدة وجدية .. الناقد لا يتكئ على موهبته وحدها أو رغبته بأن يغدو ناقداً .. بل أيضاً أن يتكئ على المعرفة الواسعة في النقد وفي الثقافة عموماً بالقراءة الجادة والعمل الدائب للإلمام بكل ما يتصل بالعلوم كافة والعلوم الإنسانية خاصة ، وفي المقدمة القراءة المضنية .. ليؤسس ثقافته ويؤصلها . ومثل ما قلنا سابقاً ، إذا طغت تقنية على أخرى انتفت المعادلة المطلوبة التي يجب أن يتوخاها الناقد . الأهمية الثانية أن يربط الناقد بين المعارف المكتسبة والتي حددناها بالنظرية المعرفية ثقافية كانت أو فلسفية وبين التطبيق عند الكتابة وأعني بذلك أن يتناول النص ويقرأه القراءة الأولى من أجل التعرف على النص .. ثم القراءة الثانية ليتذوق النص .. ثم القراءة الثالثة ليسجل ملاحظاته ويضع الخطة التي يسير عليها ليخرج بالنتائج التي تؤهله ليكتب . ذلك سيكشف العدة والعتاد التي امتلكها هذا الناقد أو ذاك . وإذا كان النقد في الماضي القديم والماضي القريب والأقرب يعتني بالشعر أكثر أيضاً فلقد كان يركز إما على المضمون وحده أو على الشكل وحده بينما هذان الموضوعان يجب ألا ينفصلان عن بعضهما البعض .. الاعتناء بالشكل كان سائد قبل قيام الثورة العربية المتمثلة ب بثورة 23 يوليو 1952م وظهور حركات التحرر الوطني التي بعد قيامها ظهر ما يسمى بالالتزام سياسياً وطبقياً وفكرياً ليس إلا . إذ أن المعادلة الفنية كانت تكمن في المضمون والانتماء القومي ثم الانتماء الطبقي والفكر الاشتراكي وإن غرد البعض خارج السرب . وقد برز عندئذٍ الأدب الاجتماعي الواقعي ، والواقعية الجديدة والواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية . بعد انتكاسة حزيران 1967م وانكسارات المشروع الحضاري والثقافي القومي الناصري تغير كل شيء ومثلما تغيرت النظرة السياسية والاقتصادية تغيرت كذلك النظرة الثقافية والفكرية والإبداع والنقد وظهرت مذاهب نقدية ابتعدت عن القارئ والمتلقي العربي . وعاد الاعتناء بالشكل أو التشكيل الذي بدأه العرب قديماً وتركته الأجيال اللاحقة وأخذه الغرب وطوره وظهرت نظريات نقدية جديدة تنتمي إلى الحداثة وما بعد الحداثة وأسموها بأسمائهم وهذا هو حال المكتشف والمنتصر . فظهر ما يسمى بالانزياحات والتفكيك وموت المؤلف والسيميائية والمنلوج والديالوج والفلاش باك والمفارقة والمونتاج والتداعي وغيرها من المفردات الجديدة والمصطلحات التي غزت حياتنا الأدبية والثقافية . إننا مع الحداثة وعلينا أن نأخذ ما يفيدنا لكننا يجب أن نبتعد عن الطلسمة ، همنا الأول الارتقاء بالقارئ وذلك لن يأتي عن طريق الطلسمة والألغاز فإن ذلك سيولد التشويش الذهني وإذا كنا مصممين على هذا النهج فلماذا لا ندخل هذه النظريات إلى مناهجنا الدراسية من المدرسة وحتى الجامعة .. إننا نقرأ أحياناً موضوعات نقدية وكأنها كتبت بلغة أجنبية لأنها بعيدة عن روح ثقافتنا وثقافة الآخر التي جاءت بسبب عدم فهم النظرية . لابد أن نوجد قارئ يتماهى والنظريات الحديثة وإلا وجد الانفصام وثمة شيء لابد أن نستدركه وهو أن الناقد لابد أن يتمكن من امتلاك أدواته بامتلاك الثقافة والأبعاد الفلسفية ليتمكن من تحليل النص حتى لا ندخل في الإغراق أو في الإبهام أو التعميمات أوالعبارات والجمل الواحدة التي نسقطها على أنها نص عند كل قراءة . يبقى ثمة سؤال يلح علينا : هل لدينا نقاداً يتوفر فيهم ما ورد سابقاً ؟ أعتقد أن النقاد الجادون الذينلدينا لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين وكلهم يكتبون نقداً على الشعر عموماً أما السرد فأقل من القليل . *سبق أن كنت عضواً في لجنة النصوص التي كانت تمارس عملها في إدارة الثقافة لكننا اليوم لم نسمع بوجودها ؟ (ج ) لجنة النصوص وجدت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وكانت تابعة لإدارة الثقافة ومهمتها كانت تنصب في إجازة النصوص الغنائية والمسرحية التي تقدم جماهيرياً وتقف أمام النص من الناحية الفنية والموضوعية واستطاعت أن تحد من وجود أي أغنية أو مسرحية هزيلة ومنفلتة . كانت تأتي العشرات من النصوص لإجازتها فيجاز الجيد ويرفض الهابط ، هذا إلى جانب مراقبة الأشرطة الكاسيت والفيديو كاسيت التي تذهب أو تأتي من الخارج . وكانت اللجنة تتكون من : اتحاد الأدباء واتحاد الفنانين والثقافة الجماهيرية ويرأسها مدير إدارة الثقافة ولها لائحة تنظم عملها . بعد عام 1990م لم تفعّل هذه اللجنة ، بسبب عدم وجود مثيلاً لها في وزارة الثقافة وصار اليوم ينشر ويطبع كل شيء ويقدم كل شيء دون رقيب أو حسيب ونحن في مكتب الثقافة لدينا دائرة المصنفات التي تراقب وتجيز الأغاني والمسرحيات التي تأتي وأحياناً تأتينا طلبات من بعض الفنانين في الخارج تؤكد موافقة الشاعر أو أسرته على هذا النص أو أي غنائي فنؤكد التفويض بعد موافقة الشاعر أو أسرته . في الاسبوع القادم يتجدد اللقاء بكم في حلقة جديدة من حلقات الحوار مع الروائي والقاص صالح سعيد باعامر تمنيات لكم بالسعادة الدائمة .. ودمتم في رعاية الله وحفظه .