أذهلتني تلك اللوحة الفنية الجميلة لتلك النَّسمة النائمة في ساحة الحرية بعدن, وكأنها رضيع يفترش حِجر أمه لينعم بدفئها وحنانها. تمعنتُها جيدا قلَّبتُ طَرَفي فيها, جَالَ خاطري وَصَال فكري, ورام القفز لذلك العالم الصغير. ما عساه يدور في تلك المخيِّلة الصغيرة؟ ما الذي تراه في سكونها وهدوئها؟ بماذا تحس؟ وبماذا تشعر؟ سأتركُ مواقفي جانبًا وقناعاتي بعيدة, لأعيشَ تلك اللحظة الدافئة مع تلك النسمة البريئة. حمدا لله أن جعل الأحلام في صندوق مخيلاتنا, فلا يراقبها غفيرٌ ولا أمنٌ سياسي, ولا تخضع لتحليل سياسي ولا نقد ناقد. تعيش وحدك مع حلمك, تهاجر معه, وتحلَّق وإيِّاه في فضاءٍ واسعٍ خالٍ من غدر الإنسان وقمعه. نَمْ يا صغيري فحلمُك في مخيلتك ولن يسرقه منك أحد. لا تستيقظ ولا تفتح هاتين العينين الصغيرتين, لتبقى مع حلمك الجميل. ربما العيشُ مع الأحلام في زماننا خير من مخالطة الأنام. لا تفتح عينيك لأن مَن حولك يتصيَّدُ حلمَك وأملَك. كنتُ مثلك يا صغيري؛ غُلاما غضًّا طريًّا. كنا غلمانًا حَزَاوَرَة نردِّدُ في طابورنا الصباحي في ساحة مدرستنا الصغيرة: (( لنناضل … وتحقيق الوحدة اليمنية)). لم يكن الهُتاف حينها سوى أمل عابر نعيشه لحظات طابورنا الصباحي فقط. حتى شبًّ عودُنا واشتدَّت سواعدُنا, ورأينا حلمنا الذي نهتف به صغارا, واقعا معاشا, وهتفنا بعدها باسم القائد العظيم محقق حلمنا وأملنا. في طرفة عين أصبحنا من مواطني الوحدة اليمنية. وقد توقَّفَت حناجرُنا عن ترديد شعار الثمانينات يا صغيري. عشنا سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة, ثم بدا العدّ التنازلي. حينها أيقظتنا سرقةُ الحلم والمتاجرة به. جعلونا نلعن هذه اليقظة, ولو عشنا نردد ذلك الشعار ليومنا هذا لكان الحال غير الحال. يا بني النائم: أرى الصورة تتكرر اليوم , والحدث يعيد نفسه, أتدري لماذا؟ لأن من صَنعَ حلمنا هو من اغتاله, وأخشى أن من يصنع حلمك اليوم يغتاله غدا يا بني. يا بني أنت تفترش الأرض وتلتحف السماء, ومن تنتظره أن يخلِّصك ينعم بالأرائك هناك في باريس الشرق. لا تستيقظ يا بني ولا تفارق حلمك, فالنوم خير لك من صحوةٍ تلعن فيها هذا الحلم الذي أنامك في تلك الساحة. حلمُك يا بني ستتخطَّفه منك الضِّباع الخبيثة الماكرة, سوف تسرق بسمتك وتمتصُّ طراوة عمرك, وترميك لسنوات عجاف. أخشى عليك يا بني أن تضلَّ على حالك من شُبٍّ إلى دُبٍّ تفترش ساحتك وتطارد حلمك يا بني.