قليلون هم القادة والمفكرون الذين خلد التاريخ أسمائهم وقليلون جدا من تحولت أسماؤهم إلى عناوين لتيارات سياسية واجتماعية وأفكارهم إلى قيم ومبادئ تبنتها الشعوب من بعدهم ودافعت عنها متجاوزة بها حدود الزمان والمكان من هؤلا القلة القليلة كان القائد المعلم جمال عبد الناصر الذي ولد في 15.1.1918 وتوفي في 28.9.1970 ومابين تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته يكمن تاريخ أمة حرة تنشد الاستقلال والحرية ومع كل ذكرى ميلاد له يولد لها حلم جديد بالعزة والكرامة والحرية ومع كل ذكرى وفاة يتجدد العهد من قبل الجماهير العربية مع القيم والمبادئ التي رفعها عبد الناصر وجسدها ودافع عنها وقضى عمره في خدمتها وكان نتيجتها تحرر من الاستعمار والرجعية المستبدة بكل صورها وإشكالها ذلك الاستعمار الذي يعربد اليوم على الأرض العربية بقواته ويجوب سمائها بطائراته بطيار وبدونه وتمخر بارجاته عباب البحار العربية والمياه الإقليمية تحت مسميات يسميها هو لنفسه مرة بإسم حفظ السلام وأخرى محاربة الإرهاب وثالثة القرصنة و…و.. مبررا بها تدخله في شؤون البلدان العربية والإسلامية في وقت انشغل السياسيون العرب بالتنكيل ببعضهم وتفننت التيارات السياسية في التآمر ضد بعضها الذي وصل حرصها عليه إلى أن تضع يدها في يد المستعمر أحيانا مثلما لمسناه واضحا في فلسطين والعراق وكثيرة هي الأيادي العربية التي امتدت له من فوق الطاولة ومن تحتها لافتقادها إلى قائد بحجم عبد الناصر تلتقي حوله وترص صفوفها خلفه . فناصر لم يكن مجرد رئيس دولة ينتهي تاريخه بنهاية رئاسته ويموت تأثيره بموته وإنما كان شخصية تاريخية تحمل مشروع تحرير لأمة تنشد الاستقلال والحرية اللذان لم يكن ناصر مبدعهما لأن التطلع إليهما كان سابقا عليه وإنما يحسب له إنه جسدهما في حركة تاريخية لها أفكارها وقوانينها الفاعلة فبرغم إنه لم يكن يملك سلطة رسمية خارج مصر إلا أن صورته كانت في كل بيت عربي لأن حبه قد تغلغل في وجدان كل العرب بعد أن وضع لهم هدفا للمستقبل ورسم لهم خطا للنضال وتقدم صفوفهم ليخرج بهم من منطقة النفوذ والهيمنة الاستعمارية في مصر وفي الجزائر وفي اليمن وفي كثيرا من البلدان العربية فقد كان داعما للنضال ضد الظلم حيثما كان في آسيا وأفريقيا .و كان ملهما لثوار إمريكا اللاتينية في نضالهم ضد الطغيان وقد جعل من كلماته القوية أفعالا أقوى تصيب حينا وتخفق حينا كأي تجربة بشرية تلك الإصابات والإخفاقات قد صاغت الفكر الناصري في فكر كل عربي وارتبطت حركات التحرر العربية بعبد الناصر وأصبحت تذكر به ويذكر بها لم تمحها كثرة المؤامرات على الأمة العربية ولإ إتساع حملات التشويه المنظمة التي امتهنتها أحزابا وسلطات وقوى ضد عبد الناصر طيلة فترة حياته وضد تاريخه من بعد مماته وما أن برزت أخيرا بعض تلك القوى على السطح بفضل جماهير عبد الناصر حتى بدأت حملتها في تشويه تاريخه الذي هو تاريخ تحررها وعزتها وكرامتها وتسرعت بعض رموزها تتعرى علنا عن حقيقة التاريخ عندما بدأت في شن حملتها ضد عبد الناصر الأنسان وعبد الناصر التاريخ في وقت لم يزل الشارع يزلزل الأرض من تحتها وكانت نتيجة ذلك أن أسقطت الجماهير صورها مبكرا وهي لاتزال على قيد الحياة بينما لم تزل صور عبد الناصر مرفوعة في كل مكان بعد أكثر من أربعون عاما على وفاته . وفي ذات الوقت ومثلما كانت الناصرية بالنسبة للجماهير العربية مشروع تحرير وواجهة نضال كانت لمتسولي السياسة وتجارها من الإنتهازيين مادة للمتاجرة يأخذون منها ما يشاؤون ويتركون ما غير ذلك وقد أسسوا بأسمها تيارات سياسية وأبرزوا شخصيات عملت في كثيرا من المراحل ضد إرادة الشعب الذي عمل عبد الناصر معه ومن أجله .فالناصرية هي حصيلة صراع الشعب العربي مع الاستعمار والصهيونية والرأسمالية المستغلة وليس من الناصريين من دعا للتطبيع مع العدو الصهيوني أو مارسه تحت أي مسمى وليس من الناصريون من قدم مصالحه الشخصية على مصالح الشعب . فالناصريون الحقيقيون ليسوا مجرد أفراد متأثرون بالا وعي بشخص عبد الناصر بل هم مناضلون من أجل قيم ومبادئ آمن بها عبد الناصر وصاغ منها أهدافا لثورة 23 يوليو وظل مناضلا من أجلها حتى مات رحمه الله . وقد تغير العالم العربي بعد عبد الناصر وتسابق زعما العرب على الوصول إلى أبواب العصابات الصهيونية في السر والعلانية بينما الناصريون الحقيقيون لا يزالوا على عهدهم بارتباطهم بالجماهير ملتزمين بقول معلمهم ( أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) ولو أرادوا سلطة أو جاه لحققها الكثير منهم بشخصياتهم البارزة من خلال تلميع هذا الصنم أو ذاك من أصنام العرب أو أسيادهم في الخارج مثلما يفعل الكثيرون ممن يجيدون القفز من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والعكس لكن الناصريون الحقيقيون لم ولن يكونوا من هؤلا لان الناصرية هي نضال مستمر من أجل حرية الشعوب ومستقبل حياتها .