شاءت الاقدار ان نرى شبابا في عمر الزهور يغطون في غياهب الهم ويغوصون في اعماق اليأس ويسكنون في صحراء القلق الجافة..نعم لقد رأيت بعيني نماذج لهؤلاء الشباب الذي اصبحوا اسرى لمنازلهم ورهائن لعرفهم في عزلة ليس اساسها المرض العضال الذي الم بهم بل لمرض اشد قسوة واعنف،ألا وهو مرض البطالة المزمن الذي امتدت جذوره في سائر انحاء الكرة الارضية عموما وفي البلاد العربية على وجه الخصوص وهذا الوباء الخطير بدأت تظهر اعراضه واضحة للعيان،قلما يوجد منزل لا توجد فيه حالة ان لم تكن اكثر،اني ارى زهورا وقد اعياها العطش وكساها الاصفرار الباهت وانهكها الانتظار وحطم طموحها فيروس الواسطة الوبائي،وحمى المجاملة المتصدعة كان هؤلاء الشباب بركاناً يتأجج وطاقات مليئة بالنشاط والحيوية ومعين لا ينضب وحماسا متوقداً ليس له حدود حتى اصتدموا بجدار الواقع المر المؤلم واصبح لزاما عليهم الانتظار حتى إشعار آخر. نعم..البطالة خطر يهدد شبابنا ويقضي على طموحاتهم ويدمر مواهبهم،ويهبط حماسهم اللا محدود مما جعل شهادة الثانوية العامة لديهم شبحا مرعبا مزعجا يؤرق مضاجعهم وكوابيس لا تنفك عنهم صباح مساء لأنهم استسلموا لمصيرهم الذي ينتظرهم وأكدوا الحجز مسبقا في قطار المتعطلين..ويبدوا الطلاب وكأنهم لا يريدون من هذه السنة ان تنقضي لكي لا يدب في اجسادهم عرض البطالة المزمن فالطالب اصبح بمجرد معرفته بنتيجته وخاصة الثانوية العامة ما عليه إلاّ معرفة اليوم وتحديد التاريخ ليحتفل سنويا بيوم ميلاد البطالة لديه.. اذاً من الطبيعي ان نرى بوادر المرض النفسي تغرس جذورها في تربة هؤلاء الشباب وفي مركز شعورهم أن هذا الشاب الخريج قد احس بأنه اصبح عالة على اهله وعلى مجتمعه وحتى على نفسه..ناهيك على انه احس بنقص عن زملائه الذين توظفوا وظائف لا تكفي بالكاد متطلباتهم الشهرية. هذا هو حال درعنا المتين وواجهتنا الحضارية ومستقبلنا الواعد ولبنة مجتمعنا..هذا هو حال شبابنا اليوم فهل نتركهم هكذا ام نقف صفا واحدا متحدي الايدي كالقطاعات العامة والخاصة لنقول ملء افواهنا" لا للبطالة" ويجب ان نبحث عن انسب الحلول لهذه العلة المزمنة الدخيلة على مجتمعنا والتي كرهنا حتى ذكر اسمها..