الصحافة بعناصرها الخمسة غير القابلة للاجتزاء وانما للتعاضد والتكافل وهي "الرسالة، المرسل، وسيلة الإرسال، والمستقبل، والتغذية المرتدة، او رجع الصدى" تعتبر مدرسة متنقلة تصل بعصارة الجهود وعطاء العقول وافرازات الحواس الى الموظف في مكتبه والجندي في ثكنته والعالم في محل عكوفه والفلاح في مزرعته والعامل في مصنعه، ومن جانب آخر فإن تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية اسهل من المحافظة على نقاوتها وتطورها وحصدها للالتفاف والقبول الاجتماعي، كما ان المحافظة عليها بصرف النظر عن الكم المجرد من الكيف اصعب من تكثير اعدادها لأن محاربيها عبر المراحل السالفة كانوا يملكون القاعدة الاجتماعية التقليدية من كون تكويناتهم كانت اطوع لإجابة التقاليد وحملاتها لقلة الهزات التغييرية،وبالتالي فقد ظلت الصحافة الناطقة بلسان الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا تعاني من حرب ضروس من قبل الشريحة الاجتماعية المتسلطة التي جبلت عبر تاريخها القهري والمأساوي على تكميم الافواه وتأميم الارادات لاعتقادها بأن الاحزاب ليست بمعزل عن الواقع الاجتماعي ولا عن الثقافة العامة وبالأخص الثقافات السياسية والفلسفية والأدبية والتاريخية لما تحمل هذه الثقافات مركبة من سمات التطوروانطلاق التغييرات من داخلها وجراء ذلك يمكننا القول بأن الصحافة بمحدوديتها كان يفترض ان ترى النور وتتحول الى مدارس متنقلة بعد قيام الثورة مباشرة إلا انها والأحزاب السياسية الناشئة ظلت في نظر انماط الشمول اشبه "بالمنكر" وسائر اصناف المخدرات وان كان بعضها كالإيمان والرسالة ومجلة الحكمة وقناة الجزيرة والطليعة قد رأت النور تحت الاقبية وشكلت تهديداً لعروش اعداء الكلمة والمرعبين يومها من حرية التعبير وحينما نقول كان يفترض ان ترى النور وبمشروعية بعد قيام الثورة مباشرة انما يستند الى فحوى البند الرابع او الهدف الرابع من اهداف الثورة وذلك تجسيداً للعناية التي كان من المتوقع ان تبذل لجيل الثورة أي للنشء الذي سبق ميلاد الثورة بسنوات والذي ولد معها والذي سيولد بعدها لأن بعض الشرائح الاجتماعية كانت غير موصولة بالعهد الذي قضت عليه الثورة لأنه كان في آخر العهد البائد، اما في براءة الطفولة واما في بطون الامهات واما في اصلاب الآباء، وهذه الشرائح المجتمعية هي التي كما كانت حينها ستعني الثورة بحسن تربيته في ظلها فيرضع افرادها مبادئها من الصغر فينشأ ديمقراطي الحس تعاوني النزوع من منطلق ان الهدف الرابع ركز على انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل يقبل التغيرات لأنه متغير من الداخل واهم اسباب رقي الحس الديمقراطي تنشأ بدايتها من البيت حيث لا تبتلع سلطة الأب او الاخ الاكبر ارادة بقية الإخوة والأبناء لأن التفاهم البيئي يخلق نواة تساجل الآراء وتلاقحها، كذلك المدارس بمراحلها فإن الحوار الديمقراطي المجرد بين الاستاذ والتلميذ يخلق في التلميذ الجرأة على الحوار الديمقراطي لأن الاستاذ علمه كيف يتعلم ولعل معرفة سبب أي شيء اهم من الشيء ذاته فليس حشو الرؤوس بالمعلومات اهم من تحريك الملكات الخلاقة التي تشعر التلميذ "المتلقي للرسالة" بقدرته على فهم على النظريات وكيفية تذليل الصعوبات وبهذا وأمثاله يرى المجتمع الديمقراطية افضل السياسات وجراء ذلك القصور حسابات التقصير وبعد ان اتضح للثوار غياب الديمقراطية وتبينت لهم نظريا تكافؤ الفرص وعدالة الحقوق والواجبات من وجهة نظر وطنية تأكد للجميع بأن ذلك الموقف النظري كغاية لا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق وحدة الوطن في اطار وحدة الامة، ومن مجمل ذلك كله يمكننا القول إن الصحافة لم تر النور وطبقا لمعايير منظمة وضابطة سوى بعد الوحدة وان كانت قد وجدت بعض الإصدارات في الثمانينيات ولكنها لم تكن محكومة بقانون، ومن تلك الصحف او الإصدارات صحيفة "حشد" الناطقة بلسان حال حزب الشعب الديمقراطي التي تصدر اليوم وبهذا العدد تعزيزا لسفرها المنتظم خلال مائتي عدد سالف الصدور وفي هذه الموضوعة سأحاول قدر الإمكان ان اضع القراء امام اهم المحطات التي تخللت ذلك السفر منذ النشأة وحتى التاريخ. واذا كنت في البداية قد استهللت حديثي بالقول إن الصحافة مدرسة متنقلة فإنني وبحكم عملي فيها كرئيس تحرير لفترتين متتاليتين توصلت الى العديد من الاستنتاجات أولها ان صحيفة "حشد" ومنذ ان نشأت وصدر منها العدد التجريبي صفر مثلت مدرسة لاستيعاب الممارسين لمهنة المتاعب لاداء الواجب بدءاً من البسيط وانتهاء بالمعقد بدليل ان الغالبية العظمى من القراء كانوا وربما حتى الآن يجهلون بأن الصحيفة سبقت الإمكانات بشقيها حيث لم تكن تمتلك قياسا بغيرها من الصحف سوى زملاء يقودهم مؤسسها الاستاذ صلاح مصلح الصيادي- أمين عام حزب الشعب الديمقراطي "حشد"- رئيس مجلس إدارة الصحيفة- وبعدد لا يتجاوز اصابع اليد، وبذلك ظل الاصرار على الصدور وفي ظل محدودية الإمكانات ان لم نقل شحتها يتكامل ويتلاقح مع المغامرة والتحدي وحب اكتساب معارف الاداء والمهام طبقا لحتمية اداء الواجب بروح الفريق الواحد والثقة غير المقيدة وتكافل الادوار وبطريقة الحفر في الصخر والتحدي الصلب للمعوقات تولد التخصص وتقسم العمل واكتساب المهارات وهي الطريقة التي يفترض ان تكون سابقة على ذلك التوليد فشحة الإمكانات خلقت في وسط الفريق الواحد دوافع خوضهم معترك الجمع بين الطباعة والإخراج والتصحيح الى ان فرضت الصحيفة نفسها ودفعت رسالتها بالمستقبلين لها بالتطوع بالكتابة لها في وقت كان اعتقاد المستقبلين لرسالتها بأن الصحيفة المحتوية على ستة عشرة صفحة والصادرة بانتظام مرده وجود وتوافر امكانات لا تقل من حيث الكم والتنوع عن نظيراتها ذات العلاقة بالإصدارات المؤسسية وثاني الاستنتاجات او الحقائق المجردة هي قياسا بالمواد والتبويبات ومضامين رسالتها انها ظلت تصدر وحتى التاريخ ناطقة بلسان حال الشعب بمختلف مكوناته وبما يسود فيه من متغيرات على ارض الواقع بما فيه من وقائع وقضايا بعيدة كل البعد عن التأليف، بمعنى آخر ان الصحيفة ظلت توجهاتها محكومة بتوجهات الشعب بمختلف فئاته وشرائحه بمعنى انها ظلت تغلب الموضوعية على الاحكام القيمية المسبقة وكسب القبول العام على الكسب السياسي ومقارعة النعرات وعدم الالتفات لادنى حدود الابتزازات الى درجة ان الرأي والرأي الآخر ظلا سمة حيرت بعض القراء لرجمها بأحجار الغيب بينما ذهب البعض الآخر صوب استهدافها بمختلف صنوف الاعتداءات بدءاً بمحاولة احراق مقرها مرورا بإطلاق النيران عليه وعلى سيارة رئيس مجلس ادارتها ومنزله في محاولات يائسة لاغتيال صوتها واثنائها عن مكاشفة الرأي العام بالحقائق المرفدة بالمسوغات وهي الحقائق ذات العلاقة بالفساد والافساد إلا ان "حشد" برغم ما استهدفتها من "رسائل" مكتوبة بحبر الجبناء ظلت تؤمن بأن رسالتها اقوى من رسائل خفافيش الظلام مهما كانت مشاربهم بل وترفدها بقوة مضافة للمضي قدما صوب مقارعة ارباب الضمائر الميتة بالكلمة الامينة الصادقة والشجاعة ولسان حالها يقول "قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا" وهو قول غير دنيوي واقوى من كل رسالة فاترة.