حتى الآن، وبعد انتهاء قمة شرم الشيخ دون نتائج تذكر، لم ينجح الفريق/ المفاوض الفلسطيني التعلق بالقشة من أجل النجاة والخروج من النفق المظلم للمرحلة الصعبة والمعقدة التي تعيشها القضية، مع إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاستيطان والكشف قبل يوم واحد فقط من القمة عن إمكانية بناء حوالى 13 الف وحدة "استيطانية" على الفور في الضفة الغربيةالمحتلة لدى انتهاء مهلة التجميد المؤقت -(المزيف حقيقة) -للاستيطان في 26 ايلول الجاري. وحتى لا نتحدث عن "فشل القمة"، يكفي الإشارة إلى الخلافات على جدول الأعمال التي سبقت عقد القمة وأدت إلى تأخرها ساعة كاملة إذ طالب الفلسطينيون بمناقشة مسألة حدود الدولة الفلسطينية المقترحة وتحديدها بالعودة إلى تاريخ 4 حزيران 1967. كذلك مثّل الرفض الإسرائيلي لقرار "تجميد الاستيطان" نقطة خلاف جوهرية، إضافة إلى اشتراط الإسرائيليين على الفلسطينيين الاعتراف ب "يهودية إسرائيل"، الأمر الذي أدى إلى إلغاء مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيس محمود عباس ونتنياهو، فيما أكد المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل موقف واشنطن المؤيد لتمديد تجميد "الاستيطان". والحال كذلك، لم يكن مستغربا أن يقول كثيرون- (فصائل وغيرها) -أن ما يجري إنما هو شعارات إسرائيلية فارغة عن السلام، ومس خطير بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال وتقرير المصير، وتنازل عن قرارات المنظمة الدولية، بل وتراجع عن بنود المبادرة العربية، مع ضغوط لفرض حل الأمر الواقع الإسرائيلي (أوقفوا التحريض، أجهضوا حالة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، اقضوا على المقاومة المسلحة وأضعفوا الشعبية منها، تجاهلوا الاستيطان)!!! بالمقابل، تقول منظمة التحرير الفلسطينية أن لجنتها التنفيذية وافقت على المفاوضات المباشرة على قاعدة تأكيد اللجنة الرباعية التزامها الكامل ببياناتها السابقة، بما يشمل التأكيد على عدم اعتراف المجتمع الدولي بضم إسرائيل للقدس الشرقية. هذا في الوقت الذي لاحظ فيه مراقبون مدققون بأن صيغة البيان الأخير للجنة الرباعية ينطوي على قبول ضمني وتشريع للاستيطان والحصار ومشروع الدولة المؤقتة ويمثل تنازلا عن بيانها في آذار الماضي الذي أكد على أن الاستيطان غير شرعي وطالب بوقفه بما في ذلك ما يسمى بالنمو الطبيعي في مدينة القدس والأراضي المحتلة. من هنا، يرى الفريق الرافض للتفاوض الجاري ان الاتكاء على بيان الرباعية مجرد خداع وتضليل للرأي العام الفلسطيني، فهي مفاوضات معزولة عبثية لا تمثل إلا من يشارك فيها، باعتبارها، كما ترى فصائل فلسطينية عديدة، خارجة عن الإجماع الوطني ورضوخا من جانب السلطة الفلسطينية للإرادة الاسرائيلية. فالرباعية ما زالت عاجزة عن صياغة موقف سياسي واضح وملزم. وما كان بيانها إلا للتغطية والضغط على الطرف الفلسطيني للذهاب للمفاوضات دون تحقيق أي من الشروط التي سبق ووضعتها: من وقف للاستيطان أو تحديد لما يسمى بمرجعية المفاوضات. كما أن اللجنة، في بيانها الأخير، تخاطب نفسها ولا ترى، هي نفسها، في هذا البيان صيغة دعوة الى المفاوضات ولم تطالب أيا من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الموافقة عليه باعتباره الإطار الذي على أساسه تنطلق هذه المفاوضات، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية حين دعت الى البدء بالمفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة، وما أكده ديوان نتنياهو الذي أعرب عن سعادته لأن خطاب الدعوة الى المفاوضات المباشرة أسقط أساسا مرجعيتها مثلما أسقط مطالبة اسرائيل بوقف نشاطاتها الاستيطانية. في تقرير رئيسي وكاشف، أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "هناك افتقارا إلى الثقة من كلا الطرفين فى أن تنجح حكومة أوباما فى تحقيق هدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل فى غضون عام حسبما يرجوه أوباما. فالمحادثات تجمع بين عدم الرغبة وعدم الاستطاعة بين طرف قوي، هو الائتلاف اليميني الإسرائيلي بزعامة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي ليست لديه الرغبة في التوصل إلى اتفاق، وبين طرف غير قادر ممثلا في قيادة فلسطينية معتدلة نسبيا ومنقسمة أضعف من أن تضطلع بهذا الأمر". وأضافت الصحيفة قائلة: "النغمة الرافضة لا يعبر عنها فقط الرافضون سواء قادة حماس التي تتولى الحكم في غزة أو قادة المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية فقط بل يتبناها اتجاه سائد من المفكرين". ومن جهته، يؤكد (يوسى بيلين) الوزير الإسرائيلي ورئيس حركة ميريتس الإسرائيلية سابقا، ان تحديد زمن المفاوضات بعام واحد هو "خطأ فادح.. فليست هناك أدنى فرصة للتوصل إلى السلام في غضون عام واحد أو عامين أو ثلاثة أعوام، فالفجوة بين الجانبين هائلة فنتنياهو لم يأت في منصبه ليقسم القدس أو ليوفر حلا للاجئين الفلسطينيين". على صعيد متمم، تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" في إحدى افتتاحياتها مؤخرا حول: "ما إذا كان نتنياهو ملتزما بحق بحل الدولتين، وما اذا كان الرئيس عباس مستعدا بشكل نهائي بحق في قبول حق اسرائيل في العيش كدولة يهودية"؟. والاستنتاج الأميل إلى الحقيقة يتجلى فيما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن "نهاية لعبة المفاوضات" التي ينبغي أن تتم بحلول نهاية عام 2011 يتزامن مع اقتراب حملة الانتخابات الرئاسية في أميركا في عام 2012. كما أن الإعلان عن بدء المفاوضات المباشرة قد يساهم بقدر في تعزيز فرص الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس التي ستجري في تشرين الثاني المقبل خاصة وأن أوباما واجه حملة هجوم وانتقادات من مجموعات يهودية أميركية وأنصار إسرائيل من المسيحيين الإنجيليين البروتستانت بدعوى أنه كان شديدا جدا تجاه إسرائيل". وتنقل الصحيفة عن مدير التحالف اليهودي الجمهوري ماثيو بروكس قوله إن المضي قدما بمحادثات مباشرة الآن هو "لعبة خطرة جدا.. إنها مقامرة قوية من قبل حكومة أوباما". وختاما، لا يصح إلا الصحيح، فالوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة المقاومة والصمود والتمسك بالبرنامج الوطني الفلسطيني (برنامج الحد الأدنى على الأقل) هي الطريق لانتزاع الحقوق وحماية القدس والأقصى والمقدسات، وتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية. كما أن بديل المفاوضات، وبالذات إذا ما استمر نتنياهو في اشتراطاته، هو السعي من اجل حشد التأييد الدولي لإعلان حدود الدولة الفلسطينية، وبناء جبهة موحدة للمقاومة الشعبية، وتعزيز التواصل مع حركة التضامن الدولي.