* الفوضى والغياب في معرض صنعاء للكتاب، وحكاية الوصي الغريب الذي أشترى كتباً حتى لا يقرأها أحد... هل عاد الرقيب؟؟ يأتي معرض الكتاب بالنسبة للكثيرين كفرحة العيد أو أشد، فالباحث المتعب سيجد المراجع التي تدعم رسالته العلمية، والمثقف الحصيف سيجد الكثير من الأفكار الجديدة والمعرفة البناءة والكتب القيمة، والقارئ العادي لن يعدم أن يجد كتاباً يحس معه بلحظاتٍ من سعادة، وقل عمن شئت ما شئت من علامات السعادة والحبور حتى تصل إلى صورة طفل يمسك بيد أحد أبويه أو كليهما منتشياً يمسك بيده كتابا مصورا.. هذا بالإضافة إلى فرص التعارف بين المبدعين ودور النشر، كذا الناشرين يبعضهم البعض. وكون المعرض هو الرابع والعشرون في تراتبية إقامته، إلا أنني ومع كثير من الفوضى الخلاقة أو قل الخرابة التي رويت لي من ثقات أو لمستها شخصياً، أحسست بأنه الأول في تلك التراتيبية. وأنا هنا لست في مجال انتقاد القائمين على المعرض، ولكن أنتقد نفسي أولا وجميع المحبين لوطنهم وتطوره، لأننا لا نبين مواطن القصور، إلا من باب الغيبة والشماتة في مجالسنا؛ أما من أجل التنبيه والعلاج فقلما. ونادراً ما يتجرأ أحدنا ويشير إلى الخلل. وحتى أدخل في صلب الموضوع دعوني أسرد لكم الكثير من الأخطاء التي أتمنى على الإدارة الحالية للمعرض تجنبها في العيد\ المعرض القادم:
* اليوم الأول- الاثنين: - وفد الافتتاح الرسمي في الداخل، و مسئولو دور النشر في الخارج.. السبب الحراس لديهم تعليمات أكيدة بمنع دخول من لا يحملون بطائق المعرض، والجميع للأسف ليست لديهم البطائق، والنكتة أن إدارة المعرض لم تسلم البطائق لهم..! لاحقاً سأعلم أن البطائق لم تسلم إلا في اليوم الثاني، بل وبعضها في الثالث. - هنا تأتي أوامر من إدارة المعرض بالسماح للناشرين الأجانب بالدخول. وهنا أيضاً ينفعل ناشر يمني شهير لعدم السماح، ويقول: والناشرين اليمنيين (عيال كلب)، ويطالب الناشرين بمقاطعة المعرض، قبل أن تحل المشكلة بعد أخذ ورد. - الوفد الرسمي غادر,.. الجمهور يريدون الدخول.. الحراس يمنعون.. إلى أن أمر رئيس هيئة الكتاب فارس السقاف بالسماح لهم بالدخول..!! الجمهور يريدون الشراء.. الفواتير غير موجودة، ومازالت في مقر الهيئة، (ماذا تعمل هناك)..؟ فوضى!! - بعض دور النشر مازالت كتبها في الخارج تنتظر دورها في الدخول، ولم تستطع الدخول إلا في مساء يوم الاحتفال.. بعضهم تصرف وجلب عمالاً من الخارج.. والنكتة فيما بعد أنه سيطالب بأجرة النقل من إدارة المعرض(دار الفارابي- مثلا).. والطامة أن بعض دور النشر لم تجد أماكنها من أصله، فتم في عجالة تلفيق أماكن عند بوابة الخروج. وبعضها لم يدبر لها مكان إلا في مساء اليوم الثالث (منشأة المعارف السكندرية)! - بعض دور النشر المهمة غابت لأول مرة،على سبيل المثال: المركز الثقافي العربي، المؤسسة العربية للنشر- بما تمثله من إنتاج مهم للفيلسوف المسلم المجدد طه عبد الرحمن، وأسماء كثيرة غابت: سليم بركات، إبراهيم نصر الله، إلى آخر القائمة المهمة من المبدعين والمفكرين الذين غابوا هذا العام. - جناح الكتب العلمية: قليل من الحضور، أسعار غالية، طبعات قديمة..! - تبحث عن الباحث الإلكتروني الذي صدعوا رؤوسنا بالإعلان عنه فلا تجده..! تسأل مدير المعرض(ربما أسمه منير)، فلا يرد..! تفاجأ بوجود برنامج: من ضمن فعالياته تكريم الدكتور عبد العزيز المقالح، وحفلات توقيع كتب، لا أحد يعلم عنها شيئاً، والبرنامج كأنه وثيقة سريه محفوظ في مكتب مدير المعرض، لكنه أعطاني نسخة منه على مضض. * اليوم الثاني- الثلاثاء: بحسب البرنامج حفل توقيع كتاب الإعلامي المعروف بقناة الجزيرة أحمد منصور(هزيمة أمريكا في العراق)، لكن المفاجأة أنه لم يأتِ( فوضى).. ويبدو أن من كتب البرنامج يسخر منا، فكيف يأتي اليوم الثلاثاء، ولديه حلقة مباشرة غداً من برنامجه بلا حدود، سيقدمها من المغرب! لا بد أن من كتب البرنامج فكر بأن أحمد منصور سيوقف الطائرة في اليمن ويوقع على كتابه ويتوجه إلى المغرب.. نحن في عصر السرعة!!
- الشكوى ما زالت مستمرة من الفوضى.. الرفوف غير مكتملة في الزوايا، لذلك فقد أضطر العارضون إلى وضع الكتب في الأرض مباشرةً عند تلك الزوايا، لأنها محسوبة من ضمن الإيجار- (40) دولارا للمتر- وحين سئل المنظمون عن سبب عدم وجود أرفف هناك تعللوا بأنهم لم يستطيعوا تركيبها.. (فوضى)! ومن طلب طاوله ليسد عورة الزاوية ويضع عليها كتبا فعليه دفع (20) دولار للطاولة.. ومن هنا يبدأ الابتزاز فعدد الأرفف المجهزة قليل جداً، ومن أراد رفاً زائداً فليدفع عشرة دولارات مقابل الرف- يعني حوالي (50) دولاراً لخمسة أرفف على الأقل، والذي لا يعجبه يعرض بغير الفائض من كتبه على الأرض..! العارضون اليمنيون أحضروا أرفف من مكتباتهم حلا للمشكلة.. هذه الحركات وغيرها جعلت مندوب دار عربية شهيرة يشعر بالأسى على مشاركته، وقرر أن يقدم اقتراح بعدم المشاركة في العام القادم..! - فوضى اختيار التوقيت بعد إجازة العيد أثر على القدرة الشرائية المنهارة أصلاً.. وتزامن التوقيت مع مهرجان الأدب اليمني الذي يقيمه إتحاد الأدباء والكتاب في عدن، السبت 27\10\2007 .. ألم أقل لكم فوضى..!؟ * اليوم الثالث والسيد الوصي: - في مساء هذا اليوم ظهر ولد مع جهاز كمبيوتر عرفت أنه الباحث الإلكتروني، فقلت أن يأتي أخيراً خيرا من ألا يأتي..! - تكريم الدكتور عبد العزيز المقالح في اليوم الرابع بحسب البرنامج السري، لكنك لا تجد حتى إعلان صغير يشير إلى ذلك.. وتسأل عن المسئول عن تنظيم الحفل فلا يجيبك أحد..! - أما أغرب ما شاهدته من فوضى فهو عند مروري بدار الساقي اللبنانية الشهيرة، فقد كان المسئول عن الدار يتبادل أطراف الحديث مع شخص ذو مظهر محترم يطلب منه عدم بيع كتاب بعينه، وحينئذٍ قررت شراء واحد، لكن ذلك الشخص المهذب قرر شراء جميع النسخ، وحين سألناه عن السبب حتى نستفيد أعطى الكتاب لرجل سمين، ذو لحيةٍ خفيفة يمتلئ وجهه بالزوائد اللحمية ليطلعنا على السر الخطير.. وها أنا أنشر اسم الكتاب والسطر الخطير، وأطلب حكمكم: أسم الكتاب: ( الفكر الشيعي المبكر: تعاليم الإمام محمد الباقر)، تأليف: الرزيبة لا لا لي، أما السطر الذي اطلعنا عليه فكان كما أتذكره: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى الإمام علياً خليفته بعد مماته)..! أسألكم بالله لو سألنا طالب ثانوي ألن يقول لنا أن من الاختلافات بين الشيعة الجعفرية وبقية المذاهب أنهم يقولون بأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم سمى علياً خليفةً له!؟ والعجيب أن بجوار ذلك الكتاب كتاب أخطر يفلسف للمثلية الجنسية، ويحلل آيات القرآن حتى لا تتعارض مع حقوق الشاذين بالتراضي.. مع العلم بأن ذلك الكتاب ممنوع من أغلب الدول العربية. الحقيقة أنني عبرت عن استغرابي لذلك الرجل المهذب الذي حمل النسخ مع شاب ثالث جاء معه وهو يعتذر لمندوب الدار بأدب رفيع. ولكنني أتعاطف مع ذلك الوصي، أولا لأنه فرض وصايته على القراء الذين لم يشتروا نسخة واحدة من ذلك الكتاب، ولو جال في المعرض لوجد كتاباً شيعة بارزين من مثل حسن العلوي، وأحمد الكاتب، وهادي العلوي يلقون إقبالاً شديدا من القراء، وأنهم لا يحتاجون لوصايته- خصوصاً مع وجود الإنترنت الذي يضخ معلومات لا رقيب ولا حسيب عليها إلا عقل المتصفح! فهل يستطيع شراء كل المواقع التي لن تعجبه (جهل)..!؟ ورسالتي إلى ذلك الشخص الوصي، أن يحافظ على نقوده أو أن يشتري بها كتباً يهديها لأي مكتبةٍ عامة. خصوصاً ونحن نعيش مناخ حرية يحسدنا عليه الجيران، وكفلها لنا الدستور، وبجهد من فخامة رئيس الجمهورية الذي لا يمنع حتى المطبوعات التي تتناوله شخصيا النقد. * اليوم الرابع مررت في حوالي الثامنة مساءً لشراء كتاب "القاعدة" للكاتب المعروف عبد الباري عطوان، وهو كتاب يوثق لتنظيم القاعدة، نشر أولا في بريطانيا باللغة الإنجليزية، ثم ترجم للعربية.. كانت المفاجأة حين أعلمني الأستاذ جبران، مسئول دار الساقي أن الأخوة من رقابة المعرض أخذوه للإطلاع عليه! (بالمناسبة هناك كناب آخر عن تنظيم القاعدة في اليمن لكن الرقيب اللبيب لم يشاهده بعد)!!! وعلمت أيضاً أنهم أخذوا كتاب آخر وهو (الشيعة في طرابلس)، والغريب أن ذلك حدث مع (دار الفارابي) أيضاً، ولكتاب(الشيعة في العالم). أما السطر الذي لم يعجبهم هناك فيقول: (أن اليمن دولة هشة).. بالله عليكم لو كل دولة استاءت من سطرٍ كتب عنها فهل سيبقى على وجه البسيطة كتاب؟؟؟ ( ألم أقل لكم فوضى)!! دخلت المعرض وأنا أمني النفس بدخول القرن الواحد والعشرين، وإذا بي أخيراً أستقر بسلام في القرن الخامس عشر..!! لكن في النهاية هذا لا يمنع أن المعرض فيه كثير من الكتب التي كنا نبحث عنها، ولا يمنع أن نحرص على زيارته والاستزادة من المعرفة المتوافرة، و التي لا شك ستحملنا إلى آفاق التنمية والمستقبل، الذي سنصل إليه بإصرارنا حتى لو كان هناك نفر قليل جاهل يريد إعادتنا إلى قرون الجهل..!