يعتمد النظام السياسي أي نظام سياسي في أي دولة على آليات ومرتكزات أساسية تضمن بقاءه يستند إليها في ممارسة حكم الدولة ويسربها عبر مؤسساته كي تكون بمثابة الأنظمة والقوانين الخفية المنظمة لشؤون الدولة بما يخدم مصلحة النظام السياسية، وهذه الآليات هي التي تسهم في خلق علاقة قوية بين من تتطابق مرئياتهم وأفكارهم السياسية مع مؤسسات النظام السياسي، أو تعمل على تأزيم الموقف السياسي بين من يختلفون مع الممارسات السياسية التي ينفذها النظام عبر مؤسساته أو أفراده أو المحسوبين عليه ومن ثم لا يستفيدون من تلك الآليات الوطيدة لبقاء النظام واستمراره وهذه الآليات والمرتكزات إما أن تكون أيديولوجية ثيوقراطية كون العامل المعنوي أقوى من أي مغريات أيا كان نوعها، أو أمنية وتتمثل في تحريك الوازع الأمني كهاجس بالنسبة لبقاء النظام السياسي ما يترتب عليه تطويق النظام بحزم أمنية وممارسة السلطة بقبضة من حديد، أو قبلية وهذا المرتكز الأخير يظهر جليا في المجتمعات التي ما زالت القبيلة فيها هي النواة التي تدور حولها الأطياف السياسية مهما بلغت من المدنية والديمقراطية أو الدمج بين آليات متعددة يتمكن من خلالها النظام من السيطرة على مجريات الأحداث على المسرح السياسي عبر تسخيرها لخدمته، ولكن ما الآليات والمرتكزات التي يبني عليها النظام السياسي في صنعاء حكمه ويعول عليها في استمراره؟ وكيف يمكننا استقراؤها كثوابت يمارس من خلالها مسؤولياته؟ وما العلاقة التي يبنيها عبرها مع المعارضة اليمنية والشارع اليمني عموما؟ .. من أين نبدأ ؟. لا ريب أن مشروعا سياسيا كالوحدة اليمنية لم يكن ليتحقق لولا وجود إرادة سياسية فاعلة أيا كانت الدوافع التي دفعت إليها ومن ثم لا مزية لإضافة هذا المشروع إلى الشعب سواء في الشمال أو في الجنوب، غير أن إرادة النظام السياسي كصانع للوحدة جعلتها خصيصة من خصائصه ونصبته حاميا لها مدافعا عنها معتقدا بلازما وجوديا بينه وبين الوحدة اليمنية ومن ثم كان تراجع الرئيس علي عبد الله صالح عن عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها يدور في ذلك الفلك رغم التبريرات التي سيقت بحنكة وحكمة سياسيتين لا تقبلان التشكيك البتة ومن أهمها: الالتفاف الشعبي والجماهيري الكبيرين اللذين حظي بهما الرئيس صالح للمطالبة بالعدول عن قراره عدم الترشح للانتخابات الرئاسية بصرف النظر عن الآليات التي يتم بها جمع الناس وفقا لرؤى المعارضين، وأن المعارضة اليمنية ليست مهيأة لحكم اليمن بدليل التجاذبات السياسية بين الأحزاب اليمنية حول مرشح اللقاء المشترك للرئاسة، أضف إلى ذلك الأوضاع المحلية والظروف الدولية والإقليمية المحيطة باليمن والتي ربما كانت تحتاج إلى الخبرة السياسية الكبيرة والمتراكمة للتعاطي معها. هذا من جانب أما من جانب ثان فإن الوحدة اليمنية شكلت حدا سياسيا بين مرحلتين مرحلة انتهت في أواخر الثمانينات شهدت الانقلابات والصراعات السياسية بين نظامي صنعاءوعدن فضلا عن المؤامرات والثأر السياسي وتصفية الحسابات السياسية وإيواء كل نظام لمناوئي النظام الآخر ودعمهم معنويا وماديا، تلك الويلات كلها عاشها جيل وجد في الوحدة خلاصا منها ولم يعد يسأل بأي ذنب يغادر صنعاء إلى عدن أو العكس ولم يعد لمذنب عدن ملاذ في صنعاء والعكس. والمرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية وهي مرحلة عاش فيها عاصر فيها ذلك الجيل المخضرم جيل الوحدة الذي لم يمر بتلك الهموم والأحقاد والآلام ولا يرغب في أن يعيشها أبدا هنا كانت الوحدة اليمنية نقطة تلاق بين الجيلين جيل لا يرغب في العودة إلى ما كان فيه من رعب وخوف وجيل راغب عن الاستيقاظ فجأة من حلم الاستقرار الذي يعيشه مهما كانت الصعوبات السياسية والاقتصادية لأن الشعور بمساحة من الأمن ربما تخفف كثير من المشكلات التي يعيشها الإنسان وانعدام الشعور بالأمن لا يشعر الإنسان بالراحة مهما كانت حياته مفعمة بالرفاهية المادية والاقتصادية ولكن إذا كانت تلك هي حقيقة فإن السؤال المطروح بطريقة – عكسية كيميائية – هل الأمن صمام أمان النظام السياسي ؟ أم النظام السياسي صمام أمان الأمن؟ أعلم أن السؤال مربك لأول وهلة وكثير من القراء قد يضنونه سؤالا مكررا، فمحاولة الإجابة عنه تعتمد على الكيفية التي يسخر من خلالها النظام الأمن في شقه الأول وهذا يكون في الدول التي لا ترفع الديمقراطية شعارا ولو إجرائيا لحكمها، بل تعتمد على القبضة ال( بوليسية) القمعية في ممارسة الحكم وبناء علاقة النظام السياسي بمن حوله أما شق السؤال الثاني فتعتمد الإجابة عنه على الكيفية التي يستفيد منها النظام من الأمن بحيث تكون مساحة الأمن والاستقرار الملموسة جزءا مرتبطا ارتباطا وجوديا شرطيا بوجود النظام السياسي،الأمر الذي يكفل له البقاء والاستمرار. وهذا ربما هو الشق الذي يعزف عليه نظام صنعاء السياسي وهذا الارتباط إنما أوحى به شعوره برفض المواطن اليمني الماضي وويلاته ورغبته في الأمن، ما جعل النظام السياسي يكرس كل جهوده في تكريس عقدة الخوف من المجهول والمستقبل لدى المواطن ويجعله أكثر ارتباطا به والتفافا حوله وبهذا يكون النظام قد حقق جزءا كبيرا من ذلك ونأى بنفسه بعيدا عن المهاترات السياسية المتصلة بقضية الأمن أيا كانت المعاناة الأخرى التي يعيشها الشارع اليمني ومن ثم استطاع الربط بين وجوده وبقاء الوحدة واستمرار الأمن كسيمفونية متناسقة في ذهنية المواطن اليمني بينما يظل من وجهة نظره ما تقدمه المعارضة نشازا وخارجا عن المألوف كونها بما تطرحه تغرد خارج السرب السياسي الذي يقوده النظام أيا كانت مشروعية ما تطرحه أو تدعو إليه وهذا يعود إلى عاملين رئيسين: الأول أن علاقة المعارضة بالنظام السياسي هي علاقة متأزمة ناجمة عن فهم المعارضة الخاطئ للمعارضة – وهذا خلل في المعارضات العربية عموما – كون المعارضة لا ينبغي أن تقبل بما يطرحه النظام السياسي أيا كان كونه مغلف بنقص لا تدركه المعارضة أصلا ولكن قبولها برأي النظام أو فكرته كأنه جريمة تخرجها عن نطاقها المعارض ومن ثم ندخل في قضية التفريق بين المعارضة الوطنية والمعارضة لأجل المعارضة ليس إلا. والعامل الآخر أن النظام السياسي ينظر إلى المعارضة على أنها جماعات مناوئة تبحث عن السلطة بطريقة مشروعة أو غير مشروعة ومن ثم يحاول تفتيتها وجعلها عبارة عن لوبيات مصالح ومن ثم يكشف حقيقتها السياسية كجماعات لا تبحث إلا عن مصالحها ولا يعنيها الوطن أي وطن والمواطن بقدر ما يعنيها تحقيق مآربها عبر ممارسة المعارضة الشكلية اللافتة باتخاذ شعارات لها بريق سياسي لا ينعكس على الواقع. إن علاقة النظام السياسي بمعارضته ينبغي أن تصب في مصلحة الوطن وأن تكون المعارضة المرآة التي تعكس الواقع يرى من خلالها النظام السياسي محاسنه فيعززها ومثالبه فيقومها ويعيد إصلاحها وعلى النظام السياسي أن يغرس الثقة بالمعارضة ولا تكون من وجهة نظره مجموعة من أعداء النظام الباحثين عن وسائل تقويضه .. هذا من حيث الوحدة اليمنية والأمن فماذا عن القبيلة ؟ إن النظام السياسي في صنعاء والمعارضة اليمنية عموما يشتركان في الإيمان المطلق بالقبيلة ويتخذها كل منهما سيفا يمكن لكل منهما تسليطه على الآخر وذلك عبر ما يتعاطاه من انتماءات قبلية غالبا تتفوق على نفوذ الدولة في مناطقها سواء أكانت هذه القبيلة مع النظام السياسي أو محسوبة على المعارضة ومن ثم تبقى علاقة المواطن اليمني بالقبيلة وارتباطه بنظامها وشيخها أقوى من أي اعتبار سياسي أو ديمقراطي كون القبيلة تتمتع بنفوذ كبير في كثير من المناطق اليمنية وبالتالي مهما حولنا الخروج من نطاق القبيلة كعامل مؤثر من عوامل استمرار النظام السياسي وورقة ضغط يظن كل طرف أنها بيده فلن نصل إلا إلى طريق مسدود نجد في نهايته أن الوحدة اليمنية هي الثابت المتحول من وجهة نظر المعارضة من خلال ممارساتها على الساحة السياسية اليمنية ولكن السؤال المطروح هنا لماذا يمارس النظام صمتا من نوع ما .. إزاء ممارسات تمس ثابتا من ثوابته متمثلا في الوحدة اليمنية؟ هناك رأيان في هذه المسألة الأول: أن النظام السياسي وصل إلى مرحلة من الترهل السياسي المصحوب بالإنهاك لم يعد قادرا على الحركة والمناورة وكثرة الجبهات المفتوحة التي لم يتمكن من غلقها والسيطرة عليها سواء ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية أو حرب صعده أو الإرهاب أو غيرها، والرأي الآخر أن النظام السياسي مازال قويا متمتعا بقوته القادرة على الدفاع عن ثوابته وما يحدث لا يخرج عن نوع من التعبير المفعم بالجرأة على طرح قضايا ربما يتصور أنها محرمة وفق رؤى النظام السياسي والقاعدة التي يتبعها هنا هي أنه لا يجتمع على الناس كبتان كبت اقتصادي وكبت في حرية التعبير، فما دامت الأوضاع الاقتصادية ليست بالمستوى المأمول بالنسبة إلى السواد الأعظم من الناس فلا بأس من منح حرية بشكل أوسع ما يجعل الإنسان على الأقل يشعر أن هناك شيئا يميزه عن غيره، والرأيان السابقان لكل من يؤيدهما رأيه وحججه ولسنا بصدد اختيار الرأي الأرجح حتى لا نتهم بعدم الموضوعية. [email protected] إقرأ على"نبأ نيوز" الوحدة اليمنية.. بين تحول الثابت وثبات المتحول.. قراءة سياسية (1)