أعاد استهداف السفارة الأميركية في صنعاء في السابع عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري، إلى الواجهة الحديث عن حالة التيار السلفي- الجهادي في اليمن، مع أن نشاط التيار يعتمل في الدولة، منذ عام 2005، بشكل منهجي ومنظم، كما برز في العمليات والمواجهات المتكررة والمتزايدة، مع السلطات اليمنية، في أكثر من تنظيم كما ادعت بيانات صادرة عن السلفيين- الجهاديين في اليمن، وظهرت تنظيمات أساسية هي: «القاعدة في جنوب جزيرة العرب»، و«قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» و«كتائب جند اليمن»، و«الجهاد الإسلامي في اليمن» الذي تبنى التفجير الأخير في صنعاء. وهذا الأمر بدوره، يثير أسئلة عدة عن التيار وأهمية اليمن في تفكيره الجيوبوليتيكي، وعن أسباب تعدد التنظيمات التي تنسب نفسها لتنظيم «القاعدة»، وعن تواجد التيار ومناطق انتشاره وعلاقة ذلك بالتالي بمستقبله في اليمن. الرمزية والأهمية الجيوبوليتيكية إن أهمية اليمن في تفكير السلفيين الجهاديين، ذات وجهين أحدهما رمزي والأخر جيوبوليتيكي، فأصول زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن الحضرمية، كانت ذات شأن رمزي لدى السلفيين الجهاديين، وينقل بيتر بيرغين، في كتابه: The Osama bin Laden I Know: An Oral History of al Qaeda's Leader عن مجموعة ممن تواجدوا مع بن لادن، بداية التسعينات، وخلال فترة التفكير في مرحلة ما بعد «الجهاد الأفغاني»، أن زعيم تنظيم القاعدة كان يفكر جدياً باليمن كقاعدة له، ويفكر جدياً بتحرير «اليمنالجنوبي» آنذاك. وأهمية اليمن تلك يؤكدها عدد من الدراسات والكتب التي تناولت ظاهرة المقاتلين العرب. ولكن، وراء هذا الترميز تكمن حقيقة أن التيار السلفي- الجهادي له رؤية جيوبوليتيكية خاصة لليمن، ولعل أفضل من تحدث عنها هو عمر عبد الحكيم (أبو مصعب السوري)، أحد منظري التيار، والذي اعتقلته باكستان عام 2005، في كتاب بعنوان «مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم»، حيث أشار إلى أن العامل الديموغرافي في اليمن، والمرتبط بالشكيمة اليمنية والفقر، في آن، إضافة إلى العامل الجغرافي المرتبط بما تتميز به اليمن من طبيعة جبلية حصينة «تجعل منها القلعة الطبيعية المنيعة لكافة أهل الجزيرة، بل لكافة الشرق الأوسط»، فضلاً عن امتلاكها حدوداً مفتوحة تزيد على أربعة آلاف كيلومتر، وسواحل بحرية «تزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر، وتتحكم بواحد من أهم البوابات البحرية وهو مضيق باب المندب. هناك أيضاً عامل انتشار السلاح نظراً للتقاليد القبلية، إضافة إلى العامل الديني المرتبط بعدد من الأحاديث و«البشائر» المرتبطة باليمن، تمثل كلها، في نظر «السوري» و«القاعدة»، عوامل أساسية، لجعل اليمن «منطلقاً» وقاعدة للجهاد. بالتالي فإن «المطلوب تشكيل قوة إسلامية من أهل اليمن وشبابه ومجاهديه ومن لحق بهم من أهل الجزيرة وشباب الإسلام، تتمركز في اليمن... كقاعدة انطلاق، والتوجه لضرب الأعداء في المنطقة... فميدان الغنيمة كما هو ميدان الجهاد، كامل الجزيرة: أموال الحكومات... و«أموال الصليبيين والنصارى من الشركات الاستعمارية التي تشرف إما على نهب الثروات وإما على بيع منتوجات المحتلين، وهذه اليمن تشرف على واحد من أهم مضائق العالم وسفن وناقلات نفط الكفار تعبر كل يوم بالمئات بالرزق والمال». تعدد التنظيمات «القاعدية» يخلص غريغوري جونسون في مقاله المطول في العدد الأخير من المجلة CTC Sentinel المتخصصة بقضايا الإرهاب، إلى أن دلالات البيانات والمرئيات التي أصدرها السلفيون - الجهاديون في اليمن تؤشر إلى أن هناك تنظيماً واحداً يدار بشكل لا مركزي. ويشير جونسون إلى فرضية يتبناها بعض المتابعين لشأن «القاعدة» في اليمن بأن التنظيم انقسم إلى قسمين: «القاعدة في جنوب جزيرة العرب»، و»قاعدة الجهاد في جزيرة العرب - كتائب جند اليمن»، واختلفا، إذ أن أركان الفريق الأول كانوا يرغبون بتعزيز تواجدهم في اليمن وتأسيس شبكات أوسع، بينما كانت «كتائب جند اليمن ترغب بالمباشرة بالهجمات». وقد عزز هذه الفرضية أن البعض أشار إلى خلاف نشأ بين حمزة القعيطي (قتلته السلطات اليمنية في مواجهات تريم في آب- أغسطس الماضي من جهة وبين «أمير» القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي ونائبه قاسم الريمي من جهة أخرى. ويبدو أن استبعاد الفكرة هو الأصح بحكم طبيعة التيار السلفي- الجهادي الذي يسعى دوماًَ إلى الظهور بمظهر التيار المنتشر والمتعدد الجماعات، كما تشير أدبياته، وقد تكررت التسميات في تبني العمليات في أماكن كثيرة في العالم من قبل التيار. الباحث اليمني المتخصص بالحركات الإسلامية، عبد الإله حيدر شائع، وفي مقال له على موقع «إسلام أون لاين»، يقدم رؤية مهمة لأسباب تعدد التسميات لخلايا «القاعدة» في اليمن، حيث يرى أن «معظم المنتمين لخلايا القاعدة عناصر محلية ينتمون إلى قبائل متعددة تكاد تشمل جميع المناطق اليمنية»، وهؤلاء بدورهم يرغبون بتنفيذ عمليات آنية مباشرة، لا تلتقي بالضرورة مع النظرة الطويلة الأمد للتنظيم الأم على الحدود الأفغانية- الباكستانية. مناطق الانتشار ملاحظة شائع، تقود إلى الحديث عن دلالات مناطق انتشار «القاعدة» في اليمن، وكذلك الارتباطات القبلية لأفراد التيار، حيث أن معظم مناطق الانتشار هي في بعض المناطق القبلية الجنوبية في حضرموت، وأبين، وشبوة. ويكتسب هذا الانتشار خطورته مع تزايد بعض الأصوات في تلك المناطق التي تشعر بأن مناطقها «مغبونة»، وتعاني نقصاً في العدالة في توزيع الموارد، من قبل السلطة المركزية، وبالتالي فإن الشعور بالظلم يجعل البيئة خصبة للتجنيد لصالح التيارات المتشددة. أما على مستوى التوزيع القبلي- الجغرافي، فيلاحظ أن كون المنخرطين في التيار من مناطق، متشابهة، وقد تكون بينها ارتباطات قبلية، يجعل من التنظيمات صعبة الاختراق، لاستنادها إلى عصبية Cohesion قبلية. ويذكر على سبيل المثال أن خمسة من خلية حمزة القعيطي، كانوا من منطقته المكلا، وكذلك يمكن الإشارة إلى أن عضو القاعدة اليمني «فواز الربيعي»، العقل المدبر لعملية تفجير مصافي النفط بضبا وحضرموت عام 2006م، والذي قتلته قوات الأمن أثناء محاولة تنفيذهما، له شقيق مسجون على خلفية تفجير «ليبمورغ»، وشقيق آخر في غوانتانامو. ويلاحظ أن التيار السلفي- الجهادي في اليمن يستند إلى رؤية جيوبوليتيكية، وبنية سوسيو- جغرافية، تزيد من خطورته ليس داخل الحدود اليمنية فقط بل تتعداها إلى المنطقة، ويبدو أن تفجير مصافي النفط، والسفارة الأميركية مؤشرات أساسية إلى أنواع الأهداف التي يهتم بها هذا التيار.