نستعرض اليوم الكتاب الذي أعده وحرره محمد علي البسيوني تحت عنوان "دولة ال facebook" لمختارات انتقائية من مساهمات المجموعات المصرية المختلفة الموجودة في موقع ال facebook على شبكة الإنترنيت، مقدماً نماذج من مشاركاتها التي تتنوع في أساليبها، وتختلف في أشكال تعبيرها، وتتعدد في توجهاتها، لكن ما يجمع أصحابها جميعاً أمران: الأول هو البحث عن ساحة تعبير خارج الرقابة التقليدية، والثاني هو التوق إلى دور في الشأن العام ولو في عالم افتراضي. لا يدعي المصري محمد على البسيوني في كتابه "دولة ال facebook" الصادر عن دار الشروق القاهرية أنه يقدم دراسة أكاديمية عن عالم ال facebook الموقع الالكتروني الذي ظهر على شبكة الانترنيت عام 2004 على يد الطالب الأمريكي مارك زوكر الذي أراد من وراء إنشائه في البداية تأسيس موقع الكتروني يجمع فيه زملاء دراسته في جامعة هارفرد، الأمر الذي أعجب الجامعة فانضمت إليه، وما لبث أن توسع الموقع ليشمل العالم كلّه بدءاً من عام 2006، وبعد زيادة عدد أعضائه إلى أكثر من ملياري عضو أدرك خبراء التسويق أن إعلاناً في الموقع يتفوق من حيث النتائج على مثيله التلفزيوني أو في أية وسيلة إعلامية أخرى، مما جعل قيمة الموقع ترتفع إلى ما يقدر بعشرة مليارات دولار، فالبسيوني يلخص جهده في كتابه بدءاً من صفحة الغلاف باعتباره اعداداً وتحريراً. وعبر مقدمة لا تتجاوز الصفحات السبع يستعرض بإيجاز وسرعة فكرة ظهور ال facebook باعتباره ساحة تعبير جديدة في العالم الافتراضي تضاف للمدونات، عثرت فيها الأغلبية الصامتة على متنفس لثلاثة أمور محظورة في العالم الحقيقي الواقعي في العالم العربي، والتي تتلخص في التجمع والتعبير عن الرأي والمشاركة في الشأن العام. ورغم أن المؤلف محمد علي البسيوني لا يتوقف كثيراً عند المجموعات السياسية على موقع ال facebook فيما يلي المقدمة من اختيارات أوردها في كتابه والتي احتلت 300 صفحة للمجموعات المصرية المختلفة الموجودة على الموقع، إلاّ أنه يعترف وبشكل عابر بأن الإعلان الحقيقي لولادة ال facebook الفيس بوك كموقع الكتروني مؤثر صاحب حضور في الحياة المصرية، بدأ مع إضراب السادس من ابريل/نيسان الشهير في مصر والذي كان الفضل الكبير فيه للموقع. بعد جهده المعلوماتي السريع في مقدمته حول إمكانية وحرية التعبير التي أتاحتها شبكة الانترنيت سواء عبر المدونات أو ال facebook، يركز المؤلف محمد علي البسيوني في جمع واختيار وانتخاب نماذج من المجموعات المصرية الموجودة في الموقع، مصنفاً إياها بين الاجتماعية الساخرة والاجتماعية الجادة و"الروشة" والسياسية والدينية والأدبية والفنية والرياضية. ويتدخل ذوقه الشخصي وحذره الرقابي في اختياراته، من دون يعني ذلك تعريضاً بالمنتخبات والنماذج التي جمعها على صفحات كتابه، والتي تقدم في الصورة التي ظهرت بها مستويات متعددة من التفكير والتعبير لأصحابها، الذين يشكلون شريحة هامة من شرائح المجتمع الشاب المصري، وهي الشريحة التي تتميز بأنها أولاً تمتلك حدوداً ليست دنيا بالتأكيد من الثقافة، وثانياً تستطيع التعامل مع تقنيات الكومبيوتر والانترنيت، وثالثاً لاتحصر دورها في العلاقة مع العالم الخارجي في اتصالها بشبكة الانترنيت بدور المتلقي السلبي للمعلومة، بل تتجاوزه إلى دور ايجابي وفاعل عبر محاولة المشاركة في الشأن العام مهما صغر شأنه أو كبر. أهم ما يمكن أن يلاحظه قارئ النماذج التي أوردها محمد علي البسيوني في كتابه "دولة الfacebook" في المجموعات المصرية الموجودة على هذا الموقع، هو أنها تقدم صورة مختلفة للمجتمع والإنسان المصري عما قدمته السينما المصرية لهما، فهنا في الكتاب مجتمع متحرك متعدد ومتلون وليس كتلة صماء لمجموعة كومبارس مسبقة الصنع، كما أظهرت السينما المصرية مجموعة البشر الذين يمرون في خلفية القصة التي يتحرك في مقدمتها النجوم، وتعبيرات المصريين الشفوية أغنى وأكثر وعياً وعمقاً وإحساساً بالشأن العام من الجمل الجاهزة التي ترددها الشخصيات المصرية في سينماها، وتأسيساً على ذلك أظن أن كتابات المجموعات المصرية في الموقع تصلح لأن تكون مادةً أولية لدراسة الحراك الداخلي المثير للانتباه لدى الشباب المصري. وإضافة إلى مستوى الوعي والرغبة الجامحة للمشاركة في القضايا العامة اللتان تظهرهما المنتخبات التي اختارها مؤلف الكتاب، ثمة مستوى مثير للانتباه في القدرات الكتابية، وخاصة تلك التي تمتلك حساً ساخراً، وببعض الجهد والرعاية لأصحابها يمكن تدريبهم على الانتقال من حالة الايفيه الكوميدي العابر والسريع إلى مستوى الكتابة الساخرة الراقية. أخيراً ثلاثة أشياء يمكن أن تؤخذ على مؤلف الكتاب، أولها عدم الاهتمام بتقديم دراسة للنماذج التي ساقها في كتابه لاستخلاص النتائج، وهو أمر يمكن أن يعفى من مسؤوليته لأنه لم يدعيه، وثانيها حذره من الرقابة السياسية الأمر الذي دفعه لتجاهل المجموعات السياسية المعارضة، واكتفائه بالمجموعات الناقدة للحالة التي يعيشها الشعب المصري بشكل عام، وثالثها تتعلق بتسمية الكتاب، فقد كان من الأنسب تسميته وفقاً لمحتواه "مجتمع ال facebook" وليس "دولة ال facebook"، لأن النماذج التي يوردها في كتابه لا ترقى للتنظيم الذي يستحق اسم الدولة، وفي تعبيراته الشفوية البسيطة أقرب إلى المجتمع الأهلي الذي لم يرق بعد لحالة المجتمع المدني. الكتاب: "دولة ال facebook" المؤلف: محمد علي البسيوني الناشر: دار الشروق/ القاهرة الطبعة الأولى 2009