شهد العالم ثورة علمية مذهلة وتطور تكنولوجي ملفت وفي غير مجال من مجالات الحياة المختلفة، ويرجع الفضل في ذلك الى العلم الذي قدم ويقدم للبشرية خلاصة تجارب وأبحاث المفكرين والعباقرة على هيئة خدمات وتقنيات حديثة سهلت التواصل والاتصال بين شعوب العالم , وينظر للعالم اليوم كقرية صغيرة بالإمكان المرور عليها خلال دقائق معدودة دون الحاجة إلى السفر لهذا البلد أو ذاك، فعن طريق أعظم ثورة علمية وتحديدا في عالم الاتصالات (الانترنت) يمكنك القيام برحلات مكوكية في أرجاء العالم ومتابعة الأحداث عن كثب وبنفس اللحظة غير أن هذه النعمة– أقصد الانترنت– يُساء استخدامها وتستخدم بطريقة سلبية لا تخدم الثقافات والمجتمعات ولا يستفاد من الخدمة نفسها.. وبدلا من الانتفاع بهذه التقنية واستخدامها في المجالات النافعة وتسخيرها لخدمتنا، بدلا من ذلك سخرناها لتدمير ثقافتنا، لمخالفة عقيدتنا و قوانيننا وأعرافنا، حيث نظرنا للانترنت من الجانب السلبي وتعاملنا معه وفق هذا المنظور القاصر والمشوه بكل أسف وليس ذلك وحسب بل ان ثمة ما يشبه التعميم لهذه الثقافة وهذه النظرة الدونية لهذه التقنية العلمية الهامة والتي أحدثت تغيرا كبيرا في حياة البشرية، المهم هنا والغريب في الأمر أن التعامل مع الانترنت كخدمة وتقنية في بعض المجتمعات العربية بات بمثابة الشبهة أو كمن يقترف جرم يستحق العقاب والمسألة. ولا زلت أتذكر موضوعا قرأته قبل بضعة أشهر في مجلة وجهات نظر المصرية وكان يتحدث عن السياحة العربية ومقوماتها وتطرق الموضوع الى اهتمامات الأجانب والعرب في الشأن السياحي وكان يكفي العنوان (سياحة الليل والنهار) ويقصد بسياحة الليل الملاهي والمراقص التي أنشغل الكثير من العرب بها , والعكس صحيح بالنسبة للسائح الأجنبي الذي يبحث عن مواطن الجمال والآثار وما شابه ذلك من الأشياء القديمة التي تربطهم بالماضي وتمكنهم من معرفة طرق ووسائل عيش الأجيال السابقة !! نعم أثبتت الدراسات والاستطلاعات الميدانية أن 85% من مستخدمي الانترنت في الدول العربية يبحثون عن مواقع إباحية وصور خليعة وأيضا للدردشة عبر الشات، كل ذلك جعل الكثير من الناس ينظر لمن يتعامل مع الانترنت بنظرة ازدراء واحتقار ويعمم عليه نظرته القاصرة أمام الثورة العلمية، حيث يظن الكثير أن مستخدمي الانترنت يبحثون عن أشياء غير أخلاقية وكأن الانترنت صمم خصيصا لهذه التفا هات، لقد أصبح ارتياد مقاهي الانترنت شبهة يتملص منها الكثير، مع أنه يقع على المثقفين دور كبير في مواجهة أصحاب هذه الأفكار وتوعيتهم بفوائد الانترنت وطريقة استخدامه، لان التهرب من المواجهة يثبت نظريتهم الخاطئة في عقول الكثير وخصوصا من يتعاملون معها كحقائق لا تقبل النقاش أو الجدل. فأي ثقافة هذه التي تنظر للعلم والتعامل مع أدواته وسائله والانتفاع بها جريمة وشبهه؟! لابد من وقفة جادة وصريحة وموقف حازم لوضع النقاط على الحروف ليعلم الجهلاء أن الانترنت نعمة وليس نقمة وشبهة كما يعتقدون , استخدامهم السيئ لهذه التقنيات وهذه الوسائل جعلهم يعاملون ويتعاملون مع الناس وفق استخدامهم وقناعاتهم وإلا لما تحولت النعمة إلى نقمة والعلم إلى جريمة، فهل كل وسائل العلم وتقنياته سلبية يجب الابتعاد عنها أم أن هؤلاء هم السلبيين وينظرون لكل الأشياء من الجانب السلبي والسيئ ؟! وكيف لنا أن نواكب المستجدات ونجاري الآخرين ونستفيد من التطور العلمي والتكنولوجي في ظل عقول كهذه وثقافة لا ترى إلا النصف الفارغ من الكأس؟!