الكاتب ليس صحفياً، ولا أعلامياً، وانما دفعه الوضع المأساوي الذي يعانيه مواطنو محافظة إب إلى الكتابة عن الفساد بكل أشكاله، وبطريقة متواضعة جداً. إذا كان لديك معاملة في مكتب ما من مكاتب محافظة إب، فما عليك إلا أن تعد العدة ما استطعت من الأموال والوساطات، قبل التفكير بالتقدم إلى هذا المكتب أو ذاك، فسوف يغُتال جيبك من حيث تدري أو لا تدري، ويُنهب قوت أطفالك دون رحمة. إنها حكومة مستقلة لا مثيل لها في اليمن لا سيما وأن المتنفذين والمسؤولين فيها يطلقون عليها "الولاية الأمريكية الثانية والخمسين"- حسب تعبيرهم- لأن أغلب مصادر دخل المحافظة يقع على عاتق ابناءها المهاجرين في الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين يعانون الأمرين بغية الحصول على حياة أفضل فضلاً عن أنهم يعولون أسر كبيرة. المكاتب الحكومية هنالك قطاع خاص للمدير، فما أن يتم تعيين مديراً لمكتب ما إلا بعد طرح مناقصة بين الموظفين والفوز لمن يدفع أكثر العائدات بغض النظر عن المؤهل الذي يحمله، ليس مهم المؤهل، ففي المرتبة الأولى من المفاضلة يقع حجم العائدات التي سوف يقدمها المتقدم للمناقصة. في أحد مجالس المقيل في إب، قال لي أحد الموظفين من الإدارة الوسطى– طبعاً هو من خارج المحافظة- إب بالنسبة لي كالبحر للسمك فإن خرجت منها مت.. فمن تم تعيينة في إب ولو جندي فقد فاز فوزاً عظيماً، فأعرف كثير من الموظفين في الإدارة العليا والوسطى والدنيا، عندما جاءوا إلى إب لا يملكون شيء فصار عندهم الفلل والسيارات الفارهة والعقارات والأراضي، بل مسؤولي إب اصبحوا يستثمرون في الخارج.. من أين لك هذا؟ وفي هذا الصدد نسرد بعض القضايا في بعض المكاتب.. ففي مكتب الإشغال العامة إذا كان لديك معاملة ترخيص بناء فما عليك إلا البحث عن أفضل موظف في المكتب لإبرام عقد اتفاق معه لإنجاز المهمة، حينها تعلم من ذلك الموظف كم الرسوم القانونية التي سوف تدفعها بسندات رسمية، وكم المبلغ الذي سوف يدفع بدون سندات رسمية، فالأخير أضعاف أضعاف الرسوم القانونية.. فمهندس الحي له شيء معلوم متعارف عليه في إب، والمشرف كذلك، ومهندس المنطقة، والمختص، ورئيس القسم، والرقابة والتفتيش، ومدير الإدارة، ونائب المدير العام، والمدير العام، ووكيل المحافظ للشؤون الفنية.... الخ. فالهيكل التنظيمي والإداري المعد أصلاً لأغراض رقابية (فكل شخص يراقب ويراجع عمل الآخر)، صار عبءً ثقيلاً على المواطن المغلوب على أمره. فأين الرقابة؟ أين العمل الإداري؟ أين الجهاز المركزي للرقبة والمحاسبة؟ أين الوازع الديني والأخلاقي؟ أين دور إدارة الرقابة والتفتيش؟ أين المسؤولين عن ذلك؟ فهذا المكتب في تقديري يحتل المرتبة الأولى من حيث الفساد المالي والإداري، يليه فرع المؤسسة العامة للكهرباء. أما فرع المؤسسة العامة للكهرباء فإنها لا تختلف كثيراً عما سبق، فعلاوة على ذلك فإنها تعاني من فساد أخلاقي لبعض مسؤوليها. يذكر الكاتب قصة حدثت أمامه في مكتب نائب المدير العام، دخل عليه أحد المعاملين بتوجيه من محافظ المحافظة لنقل أخشاب الكهرباء العمومية من أرضيته التي كلفته أكثر من 120 مليون ريال يمني، فأستقبله استقبال غير لائق بشخص مسؤول في مرفق عمومي بعبارات يستحي المرء أن يتفوه بها فما بالك بشخص مسؤول..! إدارة الجوازات في إب، تكلفة أستخراج جواز السفر من (6000-7000) بينما الرسوم القانونية تبلغ (2500- 2800)، وتلك تحت بند أخرى ومختلفة كما يسمونها.. وهذا فيض من غيض وهلم جر. كثير من المكاتب تمارس فساداً مالياً وإدارياً على مرأى ومسمع من المجالس المحلية المنتخبة من الشعب، والمغيب دورها تماماً..! والسؤال الذي أود أطرحة على مسؤولي المحافظة: إلى متى هذا الفساد؟ إلى أي مدى الاستهتار بحقوق المواطنين؟ أليس حري بكم أن توقفوا هذا العبث..!؟ لقد سخرنا أنفسنا مع الشرفاء من ابناء وطننا الحبيب الذي يفخر برجالاته عبر التأريخ لمناهضة الفساد وكشفه وفضحه أمام كل الخيرين من شبابنا، ونقتدي بقصيدة الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح "سنظل نحفر في الجدار فأما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار"..! [email protected]