دخلت بلادنا الألفية الثالثة، وهي محملة بموروث ثقيل من الكوابح. والمعوقات الحضارية وتنوء بعبء الملايين من الفقراء وناقصي العمالة، فعلى مدى عقد ونصف.. لم تتراجع معدلات الفقرة عن مستواها، الذي يعيش فيه الإنسان على دخل يومي يقل عن دولار أمريكي حسب تعريف الأممالمتحدة.. فهناك مؤشرات تدل، على زيادة عدد الفقراء عند مستوى الدخل اليومي.. وكان مقدراً لهذا الموروث من البؤس المادي بعد حرب الخليج 1991م أن يلتقي مع بؤس آخر هو بؤس التربية والتعليم لتكتمل حلقة ألفين، وتشتد وطأتها من طرفيها اقتصاديا وتعليمياً إذ ما زال اليمن يعاني من أربع ويلات من الجهل.. الأمية الأبجدية التي ما تزال تراوح معدلاتها ما بين 55 % إلي 65 % وأمية مهنية - تصل نسبتها إلى 85 % و90 % وأمية ثقافية لا يقل معدلها عن 80 % وتتوج هذه الويلات الثلاث.. الأمية التكنولوجية التي تزيد نسبتها على 96 % .. إنه غبن اجتماعي يتوزع أنصبته قاطني القرى والمناطق الريفية، الذين ضاقت بهم أسباب الحياة في الريف، وأصبحت تعج بهم أحياء المدن، حاملين إليها إرثهم الاجتماعي ومآسيهم الحياتية وعزوفهم عن التحرر من ويلات الأمية ليكونوا قادرين على اقتحام سوق العمل عن ثقة وتأكيد إنسانيتهم.. بالرغم من أن جهود كبيرة بذلتها الدولة لنشر التعليم على مستوى القرى والأحياء.. مصحوبة بحوافز مالية، وغذائية وصحية للفقراء منهم.. ولأولئك الذين فاتهم قطار التعليم من قبل.. إلا إن عوامل كما يبدو وفي إطار التربية التعليم بالذات، وفي زمن التنمية الاقتصادية المعتمدة مشروعاتها، على كثافة رأس المال لا كثافة اليد العاملة، وعلى التكنولوجيا المتطور والأيدي الماهرة، لا التكنولوجيا المحلية، ساهمت إلى حد ماء بزيادة أعداد الأميين، والحيلولة دون تحقيق هدف التعليم للجميع وضعف مكونات التعليم، ومخرجاته،.. أمام متطلبات التنمية وحاجات سوق العمل.. وإذا كنا نعلم إن المحرومون في الماضي كانوا يتقبلون بؤسهم وشقائهم على إنه مقدر ومكتوب لا سبيل لهم بردة عنهم، لكنهم منذ قيام الثورة التي ترسخت بتحقيق الوحدة.. وأمام المتغيرات السياسية وثورة الاتصالات والمواصلات والمعلومات.. وتأثيراتها.. لم تعد هناك ضمانة لمثل هذه القناعة بين الناس.. فالدلائل إن التغييرات الهائلة التي تستهدف الإنسان ويشهدها، وأصبح يلمسها في مجال المعلومات والإعلام والثقافة «فضائيات - انترنت- الكترونيات الخ» كلها تحولات ألغت الحدود الثقافية بين شعوب الأرض، وتؤثر بعمق في حياتها، وبالأخص شبابها.. مما يضاعف من عبء المسئوليات أمام حكوماتها، ودولها تجاه المعلومات والحقائق وزادت من هموم الناس، ومتاعبهم ، كما زادت من سرعة تنوّر الناس ومعرفتهم بكيفية تدمير الشعوب المتعملة، المنتجة حياتها بالديمقراطية، وحكم القانون.. الأمر الذي يزيد من تطلع الشعوب، في البلدان الفقيرة إلى تضم اقتصادية صناعية وزراعية ليس أكثر غنى بل تطوراً يفي بحاجاتهم و...و..و.. إنها تحديات تاريخية والتحديات التاريخية كما ينظر إليها لا تعتبر أخطاء وإنما إنذار باحتمال حدوث الأخطار، التي لا يمكن تفاديها، إلا بالتعليم والعلم.. تعلمنا التجارب التاريخية إن الناس إذا ما استيقظت مشاعرهم وبواعث مصالحهم، وتنورت عقولهم يستطيعون أن يضعوا الحلول العملية لمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والإدارية وهنا يكمن جوهر التربية والتعليم الذي تحتاج إليه بلادنا.. التنشئة على التنوير العقلاني والحرية الملتزمة ضمانة قوية ضد الانخراط مساوئ العنف والانزلاق نحو مسالك الكرة الاجتماعي وهنا يبرز السؤال الهام والكبير أية تربية وتعليم تحتاجها وتستحقها أجيالنا؟ ليس للقضاء وإنما للتطور وخوض غمار المنافسة في اقتصاديات السوق..؟ ليس بمقدور أحدنا الإجابة على السؤال .. لكن بمقدور أحدنا الزمن إن الاتفاق على صياغة لرؤية تربوية تعليمية مستند في على نجاحات الآخرين فيها.. يمكن أن تكون خطوة مهمة للرد على لسؤال شريطه أن تتحدد أولوياته.. 1- تحرير المؤسسة التربوية التعليمية من التسييس وجعلها تأخذ بالنمط الفكري المتمركز حول الإنسان هدف التنمية وغايتها وموضوع الدرس العلمي وغابته بالأساس .. 2- تخليص المؤسسة التربوية التعليمية من النزعات الماضوية التي جعلت بعض النشء يرى الحاضر برؤية الماضي الذي يجب استعادته وأن لا يكون في التربية والتعليم مكان للتقدم واحترام الحاضر بكل إبداعاته العلمية والتكنولوجية، ونظمه القانونية والاقتصادية والرؤية المستقبلية.. 3- إخراج المؤسسة التربوية التعليمية من التفكير المدرسي، وجعلها تتجه نحو تعليم الأجيال كيف يفكرون وينخرطون في ممارسة الإبداع للثقافة والتاريخ والعلوم، فالناس في عالمنا اليوم لا ينتجون سلعا فقط، بل وأفكاراً ونظم ومفاهيم وهم قادرون على تطوير حياتهم وأحوال معيشتهم.. 4- وجعل المؤسسة التربوية التعليمية خالية من التسييس ومتخلصة من النزعة الماضوية تعلم الأجيال كيف يفكرون ويبد عون ، لا يتحقق إلا إذا حققنا للأجيال جميعا العدل التربوي التعليمي ليس بدخولهم المدرسة في السن القانونية بل والتأكد من أن جميعهم يحصلون على درجة متساوية من التعليم وجودته في كل المدارس نوعاً وكيفا دون استثناء مع احترام التنوع والتخصص عند مستوياته المطلوبة.. ولكي يتحرر الإنسان اقتصاديا ويحقق العدل الاجتماعي لا بد له من امتلاك ناصية الفكر العلمي والتكنولوجي.. ولن يمتلك ذلك.. إلا إذا تحقق المجتمع المتعلم الذي يقرأ العالم قراءة صحيحة.. ساعياً إلى تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي في وضع عالمي متداخلاً في حدوده الجغرافية والثقافية التي أفقدت قيمتها تداخل السوق العالمية وبمقدور مؤسساتنا فعل ذلك فلنبدأ.. الجمهورية