بعد شهرين من الحرب التي تدور رحاها في صعدة بين قوات الجيش اليمني ومقاتلي حركة تمرد الحوثي، وفي ظل غياب الحل الداخلي للأزمة المتفاقمة بين الطرفين بسبب غياب الثقة، تبدو الساحة اليمنية مهيأة لتقبل أفكار ومبادرات عربية لإنهاء الأزمة في صعدة. بعد شهرين من الحرب التي تدور رحاها في صعدة بين قوات الجيش اليمني ومقاتلي حركة تمرد الحوثي، وفي ظل غياب الحل الداخلي للأزمة المتفاقمة بين الطرفين بسبب غياب الثقة، تبدو الساحة اليمنية مهيأة لتقبل أفكار ومبادرات عربية لإنهاء الأزمة في صعدة. تضاف إليها الأزمة في المناطق الجنوبية من البلاد، حيث أعاد تجدد المواجهات بين قوات الأمن وأنصار الحراك الجنوبي الأزمة الجنوبية إلى واجهة المشهد، في ظل تخوف داخلي وخارجي من أن يشكل تفجر القضيتين في الشمال والجنوب مدعاة لأزمة عميقة تلف اليمن كله. من هذه الزاوية يمكن فهم التحركات العربية الأخيرة باتجاه صنعاء، تحركات تهدف في الأساس إلى لجم المخاطر التي تتهدد هذا البلد، بعدما تأكد أن دولاً إقليمية بدأت تدخل بثقلها السياسي والإعلامي لنصرة المتمردين الحوثيين، التي بدأت باللعب بأوراق سياسية عديدة، يمنية بالطبع، بعضها في الداخل متمثلة في حركة تمرد الحوثي، والبعض الآخر في الخارج، بعد التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، والتي أبدى فيها استعداده لتقبل أية مساعدات من إيران لصالح المشروع الذي يسعى إليه، والمتمثل في "فك الارتباط" مع دولة الوحدة. ومن دون شك فإن العرب صاروا يستشعرون خطورة الوضع الذي يسير إليه اليمن في ظل التحديات المتعددة التي تواجهه، إذ إن صنعاء لم يعد لديها من خيار، بحسب تصريحات مسؤوليه، سوى مواصلة الحرب في صعدة وإنهاء ملف التمرد بأي ثمن كان، ومواجهة تحد آخر يتمثل في تزايد النزعة الانفصالية في المناطق الجنوبية من البلاد، بالإضافة إلى اتساع نطاق الأزمة الاقتصادية التي تشكل هاجساً كبيراً للسلطات اليمنية في الوقت الحاضر. دور "الإنقاذ" العربي بعد صمت دام نحو شهرين من اندلاع الحرب السادسة بين قوات الجيش والحوثيين في صعدة وعمران، قررت الجامعة العربية كسر هذا الصمت، وبدأت بالتحرك باتجاه صنعاء في محاولة من الجامعة لمساعدة اليمنيين على إيجاد مخرج للوضع الذي يواجهونه اليوم، والذي يؤثر في مستقبل بلدهم في ظل استمرار التحديات العديدة التي تواجه بلادهم. لهذا السبب طار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى صنعاء للقاء الرئيس علي عبدالله صالح والمسؤولين اليمنيين في مهمة صعبة هدفها تقديم أفكار من شأنها تهدئة التوترات القائمة في البلد على أكثر من صعيد، وتقديم مبادرة لمعالجة سريعة لأزمتين تهددان وحدة اليمن واستقراره، الأولى إنهاء الحرب في صعدة والتوصل إلى اتفاق نهائي بين طرفي القتال يضمن عودة الاستقرار إلى هذه المناطق، والثانية إيجاد صيغة مقبولة لحل الأزمة في الجنوب، التي بدأت تعود إلى واجهة الأحداث من جديد منذ نحو أسبوع. ويرى مراقبون أن دخول الجامعة العربية في الأزمة الحالية من شأنه أن يوفر لصنعاء الغطاء العربي المطلوب في موقفها الحالي الرامي إلى إنهاء ملف الأزمة في صعدة، إذ إن الموقف العربي في مجمله يؤيد اليمن في موقفه من الحرب في صعدة. وقبل أن يصل عمرو موسى إلى صنعاء كان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس جهاز الاستخبارات المصرية العامة عمر سليمان قد أجريا في صنعا محادثات وصفت ب "البناءة" مع المسؤولين اليمنيين وعلى رأسهم الرئيس علي عبدالله صالح، حيث حمل المسؤولان المصريان رسالة من الرئيس محمد حسني مبارك تتعلق بتطورات الأوضاع الداخلية اليمنية، بالإضافة إلى التطورات في القرن الإفريقي، والمخاطر التي يشكلها تواجد تنظيم القاعدة في هذه المنطقة. وبحسب المصادر الرسمية في صنعاء فإن القاهرة أكدت لليمن دعمها الكامل لوحدته واستقراره، وقالت مصادر مسؤولة في صنعاء إن الرئيس المصري محمد حسني مبارك أعلن في رسالته للرئيس علي عبدالله صالح رفض بلاده لأية تدخلات خارجية في الشأن الداخلي اليمني واستعدادها لدعم اليمن بما يكفل التصدي لدعاوى الفرقة والانقسام التي تحركها، حسب المصادر ذاتها، مصالح ضيقة تستهدف النيل من أمن البلاد وزعزعة استقرارها وعرقلة الجهود المخلصة التي يقودها الرئيس علي عبدالله صالح من اجل نهضة اليمن وتقدمه. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن رسالة مبارك أكدت أن "مساندة مصر لوحدة اليمن والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه يمثلان أولوية خاصة من أولويات السياسة الخارجية المصرية". وجاء التحرك المصري في إطار حديث عن تفويض عربي لمصر لقيادة تحركات دبلوماسية لاحتواء الأزمة اليمنية لاعتبارات عدة، أولها الثقل السياسي لمصر والعلاقات الوثيقة بين الرئيسين مبارك وصالح، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين اليمني والمصرية ودور مصر التأريخي في مساندة اليمن في تثبيت نظامه الجمهوري عند اندلاع ثورته في السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول من العام 1962. وبحسب مصدر رفيع في السفارة اليمنية في القاهرة فإن "الدول العربية المعنية أوكلت قيادة هذا التحرك إلى مصر، لأنها تحظى بثقة معظم اليمنيين ولا تعادي أياً من الأطراف اليمنية، وتمتلك رصيداً ضخماً من العلاقات التاريخية مع اليمن، وبالتالي فإن تحركها سيكون مقبولاً ونزيها عند معظم هذه الأطراف، سواء مع الحراك الجنوبي، أو مع الحوثيِين في الشمال، أو مع أحزاب المعارضة اليمنية". وترى صحيفة "أخبار اليوم" اليمنية أن "لجمهورية مصر مكانتها الكبيرة وتاريخها الزاهي وهويتها العروبية التي ما تخلت عنها يوماً وهي في أشد محنتها، وأنها اليوم تثبت مصداقية توجهها وتبقى في ذات الخندق المنافح عن الثورة والجمهورية والوحدة وكأن التاريخ هنا نسغ واحد يأبى الانحراف أو التعرجات". وتقول الصحيفة إن "مصر التي آزرت ودافعت ببسالة عن الثورة وقدمت قوافل من الشهداء حتى انتصار الثورة اليمنية هي اليوم من ذات الموقف تنحاز إلى اليمن ووحدته ومستقبله تعلن بجرأة وقوة أنها بكل إمكاناتها إلى جانب وحدة اليمن وضد التدخلات الخارجية، والأمر ذاته بالنسبة لدول المنطقة وعلى وجه الخصوص الأشقاء في المملكة العربية والسعودية يعلنون بكل وضوح انحيازهم المطلق إلى اليمن أرضاً وإنساناً". وترى الصحيفة أن "هذه المواقف من أهم مراكز الثقل العربي (مصر والسعودية) تزيد اليمن صلابة وقوة ضد مواجهة الأعداء ومخططهم الجهنمي ويدفع بالقدرة على التصدي لإفشال المشروع الفارسي الخطير ضد اليمن والأمن القومي العربي برمته". وبحسب مصادر محلية وخارجية فإن الأفكار المصرية لمعالجة الأوضاع في اليمن تنطلق من أهمية وضع حد للتدهور الذي يميز الوضع الحالي في البلاد، والتنسيق لعقد حوار وطني يشمل جميع الفرقاء في الداخل والخارج بهدف استراتيجي رئيسي هو الحفاظ على الوحدة اليمنية. مخاوف داخلية من التحركات الخارجية لا تجد المعارضة حرجاً في التعبير عن مخاوفها من التدخل الخارجي في معالجة الأزمة الراهنة في البلاد، فهي ترى أن التدخل الخارجي، وإن كان من باب الحرص على استقرار اليمن، إلا أنه يضع أرضية لهز ثقة اليمنيين بأنفسهم من خلال اعتمادهم على وصفات جاهزة من الخارج لحل مشاكلهم. ويقول عضو اللجنة التحضيرية للجنة الحوار الوطني المعارض محمد الصبري إن توافد الزيارات لوفود عربية وأجنبية، أمريكية على وجه التحديد لمساعدة اليمن على إيجاد مخرج لأزماته "يشكل نقطة تحول في مسار الأزمة الوطنية والحرب في صعدة والأوضاع في الجنوب والحرب ضد الإرهاب وغيرها من الملفات المثقل بها اليمن". ويرى أن "القلق الإقليمي لما يجري في اليمن، لم يعد محصورا في الاهتمام الإعلامي فقط، وإنما انتقل إلى الوضع الدبلوماسي والاستخباراتي". ويشير الصبري إلى أنه "سيترتب على هذا التحول أن دول الإقليم ستصبح طرفا واحدا بما يتعلق بالنزاع في صعدة أو الأزمة الوطنية في اليمن عامة، وهذه الطرفية أو الحضور سيؤدي إلى المزيد من التدخلات الإقليمية في اليمن". ويؤكد الصبري أن ما "يشهده اليمن بحاجة إلى أن يقف كل اليمنيين عليه ولو لوقت بسيط ومن خلال الاستجابة لحوار وطني التي تعد واجبا مقدما على الاستجابة لأي مساع أو أدوار خارجية لأنهم هم المعنيون بالأزمة الوطنية والحوار الوطني وليس غيرهم"، محذرا من أنهم "إذا لم يظهروا مثل هذه المسؤولية فإنهم سيتركونها للمصالح الخارجية". ويبدي الصبري تخوفه من أن يتحول اليمن إلى ساحة لتحقيق مواقع نفوذ في المنطقة، معتقدا "أنه لا طرف يحبذ التدخل دون أية مكاسب، لأن الدول ليست جمعيات خيرية فهي تحسب المكاسب والخسائر"، ويذكر الصبري بالموقف الإيجابي لدول مجلس التعاون الخليجي التي دعت إلى حوار وطني لحل الأزمة اليمنية. ويرى القيادي المعارض أن الترحيب بأي دور خارجي يقتضي المصلحة الوطنية اليمنية مقبول، لكن دون التقليل من شأن أي طرف يمني، وإلا فإن اليمن، برأيه "سيكرر أزمات وقعت فيها دول أخرى قريبة نشاهدها ونعرف إلى ما أوصلها تدخل أطراف خارجية في شؤونها". ويبدو الرهان على العامل الخارجي، بخاصة الدور العربي في حل الأزمات التي يعاني منها اليمن خلال المرحلة الحالية، منطلقاً من عدة عوامل أهمها أن الوضع في البلاد صار من السوء، ما يجعل من أمر القبول بوساطة خارجية أمراً مقبولاً بل وضرورياً، بخاصة أن اليمن لم يعد قادراً وحده على أن يدير مخاطر لعبة إقليمية. ولهذا السبب يرى مراقبون أن الاستنجاد بالخارج من شأنه أن يعطي رسالة للآخرين أن اليمن ليس وحده في المعركة، وأن مصيره مرتبط بمصير المحيط العربي كله، وهذا ما أكدته كافة الدول العربية، التي سارع رؤساؤها إلى التعبير عن موقفهم الرافض للتدخل في الشأن الداخلي وتأكيدهم على موقف مؤيد لوحدة اليمن وأمنه واستقراره. ومن الأسباب التي تجعل اليمنيين يقبلون العون الخارجي، بخاصة العربي، هو الانقسام السياسي الداخلي الحاد بين السلطة والمعارضة، الممثلة في أحزاب تكتل اللقاء المشترك في ظل غياب الثقة بين الجانبين ودخولهما في إطار تبادل الاتهامات وترك الجبهة الداخلية مفككة، وهو ما يفسح المجال لاستمرار الحرب في صعدة والتوتر في الجنوب، والتحدي الخاص بمحاربة الإرهاب الذي يزيد خطراً مع تزايد الانقسام السياسي الداخلي. ويرى مراقبون أن اليمنيين يحتاجون للتنازل لبعضهم بعضاً وعدم الدخول في خلافات سياسية تقضي على الهوية الوطنية في حال استمرت الحرب في صعدة والدعوات الانفصالية في الجنوب. ويقولون إنه من المهم أن يقدم النظام الحاكم على تقديم تنازلات حقيقية لأحزاب اللقاء المشترك المعارض لدفعها لخوض معترك التحديات في مواجهات المخطط المعادي للثورة والوحدة القادمة من الخارج، وجعل المعارضة تتحمل مع النظام المسؤولية الكاملة في حماية البلاد حتى لو أدى الأمر لتشكيل حكومة كاملة من المعارضة. ويشير هؤلاء إلى أنه من المهم إفقاد المعارضة أوراق لعبة المكايدات السياسية ووضعها أمام الاختبار الحقيقي في المسألة الوطنية، لكن ليس قبل سلبها ما تتعذر به من حجج في جعل المواجهة تخص النظام وحده. ويرى المراقبون للشأن السياسي اليمني أن بقاء المعركة على الجانب العسكري فقط دون الموقف السياسي الحازم والحاسم سيجعل الثقل كله على المؤسسة العسكرية بما يدفع باتجاه متغير ليس في صالح اليمن ولا دول المنطقة. من هنا تأتي الدعوة إلى توحيد الصف الداخلي كخطوة ضرورية قبل المبادرات الخارجية، لأن هذا من شأنه أن يقي اليمن من أية خضات عنيفة في المستقبل، وذلك من خلال انتهاج سياسة الحوار الكفيلة بمعالجة أية أزمات طارئة. ويرى الرئيس الأسبق علي ناصر محمد أنه "بحدود ما يتفق عليه اليمنيون عبر الحوار يمكن أن تتاح فرص لجهود إقليمية وخليجية وللجامعة العربية بحيث تُسهم في حلحلة الأزمة وخاصة لجهة أزمة الثقة التي تحكم أطراف ومعطيات الصراع وفقاً لقناعة لابد أن تكون قد تشكّلت بأن أية تطورات ومضاعفات لها انعكاسات خطيرة على المنطقة برمتها". ويشير إلى أن اليمنيين اليوم أمام مأزق تاريخي آخر، لكنه أخطر على كل حال ودون اللجوء إلى الحوار ستكون العواقب وخيمة، وعلى الأطراف الإقليمية التي تستطيع أن تلعب دوراً في هذا الاتجاه أن تدرك أهمية مثل هذا الدور وفاعليته من أجل مستقبل المنطقة ككل. ويعتقد الرئيس ناصر أن "انهيار المبادرات لوقف إطلاق النار وتبادل الاتهامات يعطيان أهمية لتدخل محايد من خلال لجنة أو لجان محلية وإقليمية وخاصة من دول الجوار ومصر والجامعة العربية للإشراف على الحوار وعلى وقف إطلاق النار لوضع حد للخروق التي كانت سبباً في انهيار كافة مبادرات إحلال السلام".