في خطاب استغرق القاؤه اقلّ من خمس دقائق، اختصر امس، السلطان قابوس، سلطان عُمان 40 عاما من سنوات حكمه بقوله انه تمكن من انجاز ما وعد به عند صعوده الى العرش، مشيرا الى «انه لمن موجبات الحمد والشكر لله العلي القدير، ان تمكنت عُمان خلال المرحلة المنصرمة من انجاز الكثير مما تطلعنا اليه. وكان كل ذلك ضمن توازن دقيق بين المحافظة على الجيّد من موروثنا الذي نعتز به ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته والاستفادة من مستجداته ومستحدثاته في شتى ميادين الحياة العامة والخاصة». وخلا خطاب السلطان الذي ألقاه في حضور اعضاء «مجلس عمان» في قاعة الحصن في حي الشاطئ في صلالة من اي اشارة الى الاحداث الاقليمية والدولية باستثناء تأكيده المبدأ العام الذي يتحكم بالسياسة الخارجية للسلطنة وهو «رفض التدخل في شؤون الآخرين ورفض تدخل الآخرين في شؤونها». وقال «ان لعُمان تاريخا عريقا ومبادئ راسخة منذ عصور مضت. وما قمنا به هو تأكيد تلكم المبادئ والتعبير عنها بلغة العصر. ومن المبادئ الراسخة لعُمان، التعاون مع سائر الدول والشعوب على اساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير، كذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا». ولم يكن اختيار قابوس لإلقاء خطابه في «مجلس عُمان» صلالة مجرد صدفة. واشار الى ذلك بنفسه اذ استهلّ الخطاب بقوله «ان للقائنا في صلالة، ونحن على مشارف الاحتفال بعيد النهضة الاربعين، دلالة رمزية لا تنكر. فمن محافظة ظفار (عاصمتها صلالة) انطلقت النهضة العمانية الحديثة وفيها بدأت خطواتها الاولى لتحقيق الامل. وها نحن نحتفي في ربوعها الطيبة بالذكرى الاربعين لمسيرتها المباركة التي تحققت خلالها منجزات لا تخفى وفي مجالات كثيرة غيّرت وجه الحياة في عُمان وجعلتها تتبوأ مكانة بارزة على المستويين الاقليمي والدولي». يذكر ان السلطان قابوس صعد الى العرش في مثل هذه الايام قبل 40 عاما في وقت كانت بلاده تعاني من حال من الفقر والتخلف على كل المستويات، اضافة الى ان محافظة ظفار كانت تواجه تمردا مسلحا مدعوما من الاتحاد السوفياتي والنظام الذي كان قائما في اليمن الجنوبي، اي ما كان يسمى قبل الوحدة «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»، وكان هذا النظام يدور في الفلك السوفياتي. ولعب التدخل الايراني المباشر فضلا عن الخبرات التي وفرها الاردن وقتذاك دورا حاسما في القضاء على التمرد في ديسمبر 1975 وفتح صفحة جديدة في تاريخ سلطنة عٌمان. لكن انهاء التمرد ما كان ممكنا عمليا لولا حكمة السلطان قابوس الذي عرف عن طريق السياسة المرنة التي اعتمدها كيف يستوعب التمرد بما في ذلك ادخال الرؤوس الكبيرة مؤسسات الدولة لمباشرة اصلاحات جذرية نقلت البلد من عصر الى آخر. ولاحظ احد المراقبين الذين تابعوا السلطان وهو يلقي خطابه الاخير، ان الخطاب الاول الذي ألقاه قابوس بعد صعوده الى العرش، قبل اربعة عقود، كان من بضعة أسطر شدد فيها على انه جاء لتنفيذ الاصلاح وانه سيفي بما يعد به.