اعتماد أغلب الأمهات على الرضاعة الصناعية حقيقة لا مراء فيها وواقع مسلم به لا نقول على المستوى المحلي فحسب، بل على مستوى العالم أيضاً . وإن كان العالم الآن قد تجاوز جائحات أمراض عصفت بالبشرية على مر الأزمان والعصور الخالية، كالطاعون والجدري، بالقضاء عليها تماماً، واكبه تنامي الوعي الصحي للناس وإدراكهم للعديد من القضايا والمبادئ الصحية ونقلها إلى حيز التنفيذ والتطبيق في واقعهم المعاش، إلا أن مبدأ الاقتصار على الرضاعة الطبيعية لا يحظى بالاهتمام إلى حدٍ كبير لاسيما في الدول المتقدمة . فالعالم أجمع ومع ما يشهده من تطور سريع وتقدم مذهل في كل مناحي الحياة، ومنها الناحية الطبية والصحية، بينما معظم النساء وللأسف الشديد لا يعرن اهتماماً كافياً بالرضاعة الطبيعية وضرورة اقتصارها على الثدي خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل . فوائد الرضاعة الطبيعية ورد تحديد للفترة التي يحتاجها الطفل ليرضع من أمه في نص القرآن الكريم في الآية (233) من سورة البقرة بعامين كاملين .. قال تعالى (( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ))، حيث تجلت حكمة المولى عز وجل في جعل هذه المدة هي الفترة اللازمة للنمو الصحي الأمثل للطفل لمن يريد لطفله الصحة والسعادة والسلامة، ولم يجعل فوائد الرضاعة الطبيعية تقف عند حدود معينة أو تعود على الطفل بالفائدة فقط بمعزلٍ عن أمه بل جعل للأم نصيباً وافراً من فوائدها المتنوعة . فبالنسبة للطفل الرضيع يعتبر حليب الأم الأفضل والملائم له منذُ ولادته حتى اكتمال عامه الثاني بدرجة تغنيه عما سواه من الحليب بأنواعه المختلفة، مؤمناً له الحاجة الكاملة من الغذاء والماء خلال الأشهر الستة الأولى من عمره مهما كانت الأجواء حارة أو باردة، إذ أنه غني بالعناصر الغذائية اللازمة لصحة الطفل ولنموه السليم مثل البروتينات، الدهون، السكر، الفيتامينات، الحديد والماء ؛ ويمتاز بنظافته وخلوه من الجراثيم والميكروبات واحتوائه على أجسام مناعية مضادة تساعد جسم الطفل على مقاومة الالتهابات كالتهابات الجهاز التنفسي والرشح والسعال، ويعمل على الوقاية من الإسهال ومن الاضطرابات الهضمية وسوء التغذية وعلى الحد من فرط الحساسية وخاصة الربو؛ ويوفر للرضيع حماية كاملة من الإصابة بمرض الحصبة على مدى الأشهر الستة الأولى من عمره، ُويشعره بالدفء والحنان. من جهة أخرى تحقق الرضاعة الطبيعية فوائد حقيقية ملموسة للأم حيث تساعد على تأخير الحمل بتأجيلها الدورة الشهرية ؛ إلا أنها بحد ذاتها ليست وسيلة مضمونة لتنظيم الأسرة . كما تساعد على تقلص الرحم وعودة الجهاز التناسلي للأم إلى وضعه السابق قبل الولادة ، وتقلل من نسبة الإصابة بسرطان الثدي، أضف إلى ذلك أنها تضع عن الأم الكثير من العناء والجهد والوقت الذي يتطلبه تحضير وتنظيف وتعقيم زجاجات الإرضاع. وعلى المستوى النفسي تشكل الرضاعة الطبيعية علاقة حميمة بين الأم وطفلها منذُ الولادة محدثةً استجابات حسية وعقلية بصورة مشتركة فتكون العاطفة في أبها صورها، ويتنامى معها الإحساس عند الأم وتتحرك فيها نوازع الأمومة في مزجٍ متكاملٍ من الرحمة والمشاعر المتوهجة. ومن الناحية الاقتصادية يعود حليب الأم بالنفع على الأسرة كونه مجاناً وجاهزاً في كل الأوقات، ويخفض النفقات اللازمة لشراء أدويةٍ لعلاج الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالرضاعة الطبيعية. نصائح للأم تشكل الرضاعة بالزجاجة خطراً على صحة الطفل لسرعة تلوثها وتسببها في الإسهالات والأمراض المعدية . أما حليب الأم فهو نعمة من الله سبحانه وتعالى ويجب أن نحرص عليه و أن لا نحرم أطفالنا الرضع منه. وبطبيعة الحال تحتاج الأم إلى المساعدة والنصح متى بدأت للمرة الأولى بالإرضاع لاسيما عند ارتزاقها المولود الأول كأن تستعين بامرأة خبيرة ممارسة لنيل النصح والإرشاد وتفادي الصعوبات وحل أي مشكلة تطرأ. وللتأكد من حصول الطفل على ما يكفيه من حليب الأم تحتاج الأم إلى ما يلي : - الوثوق بقدرتها على الإرضاع المقتصر على الثدي ومن أن حليب ثدييها أكثر أمناً وسلامة لطفلها الرضيع، بينما حليب البقر أو الحليب الصناعي يفسد بعد ثلاث ساعات إذا وضع خارج الثلاجة إلا أن حليب الأم يمكن أن يظل حليب الأم مدة لا تقل عن ثماني ساعات. - الشروع في الإرضاع من الثدي فور الولادة ولا تنتظر أكثر من نصف ساعة، لأن الرضاعة بهذه الكيفية تزيد من إنتاج الحليب ؛ إضافةً إلى أنه في الأيام الأولى بعد الولادة يفرز الثدي سائلاً رائقاً مائلاً للصفرة يسمى اللبأ.. هذا السائل يفيد الجهاز الهضمي للطفل في تعويده على تقبل الغذاء وهضمه ويوفر له حماية ضد الأمراض الشائعة. - التأكد من أن الرضيع يلتصق بالثدي بطريقة صحيحة حتى يرضع بشكل فاعل. - ترك الطفل يكرر الرضاعة كثيراً كلما رغب في ذلك سواءً في الليل أو النهار وللفترة الزمنية التي يرغب فيها حيث تكون الرضاعة وفقا لرغبته.. وينبغي التنبه هنا إلى أن بكاء الرضيع لا يعبر دائماً عن حاجته للحليب، فقد يكون مبللاً أو ما شابه، أو أنه يعاني من المغص أو من ألم في موضع من جسمه، أو أنه بحاجة إلى أن يحمل ويحتضن، أو أن حاجته لمص ثدي أمه ليشعر بالأمان والاطمئنان النفسي. - الحرص على أن تتخذ وضعية جلوس مريحة لها ولطفلها أثناء الإرضاع ووضع رأس الطفل على أحد ذراعيها وإسناد ظهره بذراعها الآخر، على أن يكون ظهره عند مستوى أعلى من جسمه، فإذا لم يناسبها الجلوس وخاصة بعد الولادة أمكنها إرضاع مولودها وهي مستلقية على أحد جانبيها بحيث تسند ظهرها وظهر الطفل بالوسائد. وقبل البدء بالإرضاع ينبه الرضيع إلى الحلمة بحيث تلامس إحدى وجنتيه وتنحني ميلاً إلى الأمام وتسند بكفها ثديها مع إحاطة الحلمة بإصبعيها (السبابة والوسطى) كي يتمكن رضيعها من التنفس ولا يتعرض للاختناق، كما يجب أن تتنبه الأم من أن فمه يطبق على حلمة الثدي وجزء من الهالة السوداء المحيطة بها فإن هذا يساعد على إدرار الحليب بسهولة ويقلل من حدوث التهابات الحلمة. - يبقى على الأم أن تهتم بتناول المواد الغذائية المساعدة على إدرار الحليب كالبروتينات الموجودة في اللحم والحليب ومشتقاته والأسماك والدجاج، وأن تكثر من أكل الخضراوات والفواكه المؤمنة للأملاح المعدنية والفيتامينات، وكذا البقوليات مثل الفاصوليا والعدس والبازيلياء، ومواد الطاقة كالنشويات والسكريات والدهون، وأن تشرب كميات مناسبة من الماء كي لا تعطش ؛ حيث تتجنب البهارات والبسباس وأن تقلع عن التدخين وتخفف من المنبهات كالشاي والقهوة. وينبغي التنبه إلى مسألة مهمة وهي أن الطفل الرضيع قبل الشهر السادس من عمره لا يعطى أغذية صلبة على الإطلاق لأنها لا تستبدل بكمية الحليب الذي يرضعه من الثدي، كما أنه سرعان ما يشبع ولا يشعر بالجوع فيتغذى على كمية أقل من حليب الثدي، وبهذه الكيفية يقل إدرار الحليب لدى الأم ويقل ما يحصل عليه الرضيع من الغذاء ولا ينمو نمواً جيداً، وبالتالي قد يصاب بالإسهال ويفقد الوزن. كما يظل من النادر جداً توقف إدرار الحليب لدى الأم المرضع فالله سبحانه وتعالى قد حباها بقدرة على تغذية طفلها من ثديها وجعل زيادة كمية إدرار الحليب متوقفاً على زيادة عدد مرات الإرضاع ، ولا يمكن حدوث توقفٍ للحليب إلا في حالات مرضية معينة فقط ..عندها يجب مراجعة الطبيب لتحديد السبب وعلاجه ولوصف الحليب البديل والمناسب، وفي هذه الحالة يجب أن تحرص المرضع على اتباع التعليمات التي يحددها الطبيب وكذلك التعليمات الموضحة على علبة الحليب قبل استعمالها. خلاصة القول .. ينبغي التأكيد على أهمية الرضاعة الطبيعية وضرورة اقتصارها خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الرضيع على حليب الثدي سواءً حصل عليه من أمه أومن مرضعة أخرى أو ما كان منه ُمعت صراً من الثدي، فهو يوفر كل ما يحتاج إليه الرضيع من غذاء وما يحتاجه من ماء حتى عمر ستة أشهر دون أن يعطى أية أغذية أو مشروبات إضافية، فكل البدائل الأخرى كالحليب الصناعي وحليب البقر وجميع المشروبات والأنواع المختلفة من أغذية الأطفال لا تشتمل على المقومات والعناصر الغذائية التي يحتويها حليب الأم، وإنما تقلل من كمية الحليب التي يرضعها الطفل من صدر أمه لأنه يشعر معها بالشبع ما يؤدي إلى إدرار أقل للحليب، ويستثنى من هذه الموانع القطرات من الشراب الطازج المحتوي على الفيتامينات والمعادن الإضافية، وكذا الأدوية عند اللزوم . أما بعد الأشهر الستة الأولى من عمر الرضيع فيجب أن تستمر الرضاعة من الثدي إلى أن يكمل عامه الثاني يضاف إليها أغذية مكملة مناسبة بشكل تدريجي ليتهيأ لها جهازه الهضمي شيئاً فشيئاً.