من البديهيات الموضوعية القول إن ثورة الرابع عشر من أكتوبر ما كان لها أن تقوم لو لم تسبقها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وتهيئ لها المناخ المناسب، كما أن من البديهيات الموضوعية أيضاً القول بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ما كان لها أن تنتصر وتتغلب على التحديات الخارجية المطبقة، لو لم تقم ثورة الرابع عشر من أكتوبر بالمساندة اللازمة لها، وردع الاحتلال البريطاني من المشاركة في الإجهاز على ثورة سبتمبر.. وبغض النظر عن واحدية الثورة والمنطلق المشترك للثورة، فإنه بدون الثورتين معا ما كان للشعب اليمني أن يتحرر من أغلال العبودية والطغيان والاحتلال، وما كان للوحدة الظافرة أن تتم، ويستعيد الوطن المشطور كيانه الأزلي الواحد. ولأن المبدعين اليمنيين كانوا يؤمنون بوحدة الوطن ووحدة الثورة، ويرون في هذه الأخيرة الوسيلة الوحيدة والممكنة لتحقيق الخلاص من الطغيان والاحتلال، فقد عكست إبداعاتهم الشعرية هذا الشعور، ورافقت قصائدهم خطا الثورة، وبعد أيام وربما بعد ساعات أو دقائق من انطلاق الرصاصة الأولى في جبال ردفان، كانت أولى قصائد الشاعر الكبير عبده عثمان تنطلق متلاحقة مع ذلك الحدث الوطني الوليد، الذي أطلق الشرارة الأولى في مسيرة الثورة الظافرة. كانت الساعة لا أدري ولكن.. من بعيد شدني صوت المآذن ذهل الصمت تداعت في جدار الليل ظلمة وتمطى في دمائي حب شعب وأطلت عشرات الأحرف الحمراء.. أسراب القوافي مد بحر لا يحد قاعه قلب ووجد صب فيه من زوايا الأمس حقد أبدا لو تستريح لم أسلها.. لم أقل من أي غاب قد أتيت أي أنفاس حملت ما على ردفان يجري إن إخواني وأهلي أذرع تحتضن النور وأرواح تصلي في طريق الراية الخضراء والشمس الأسيرة وربيع ذات يوم، كان في شبه الجزيرة ترضع الدنيا شذاه وعبيره وعندما اكتملت الثورة، وتحقق لها النصر في الثلاثين من نوفمبر 1967م، كان الشعر حاضراً ليسجل بحروف من نور خروج آخر جندي بريطاني، وعودة الأرض اليمنية إلى طهارتها المفقودة، لقد صدق وعد الثورة، وصدق معها وعد الشعر، وخرج الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان ليعلن للعالم، بأن بلاده صارت حرة، ولم يعد على أرضها الطيبة من يدنس طهارة التراب: على أرضنا.. بعد طول الكفاح تجلى الصباح.. لأول مرة وطار الفضاء طليقاًرحيباً بأجنحة النور ينساب مره وقبلت الشمس سمر الجباه وقد عقدوا النصر من بعد ثوره وغنى لنا مهرجان الزمان بأعياد وحدتنا المستقرة وأقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم أثره تزين إكليله ألف زهره وينشر من دمنا الحر عطره ويرسم فوق اللواء الخفوق حروفا.. لأول مره بلادي حرة.